أكمل المؤتمر الدولي للمانحين والمستثمرين لشرق السودان أعماله بالكويت في الثاني من هذا الشهر، وخرج بالتزامات تجاوزت الثلاثة مليارات وخمسمائة مليون دولار أمريكي لإعمار شرق السودان. ما حدث لم يكن أمراً سهلاً يمكن تجاوزه، بل كان يستحق أن نقف عنده كثيراً وطويلاً، لأن الذين يعرفون شرق السودان بولاياته الثلاث، يعلمون جيداً مدى معاناة أهلنا هناك في سبيل كسب العيش، لأن الأنشطة الاقتصادية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالموارد المتاحة، ويعرفون أكثر أن الموارد المتاحة قليلة، والمستغل مما هو متاح قليل، واستغلال الموارد لا يتأتى إلا بتنمية القدرات وتطوير وسائل كسب العيش، وقد ظل شرق السودان على مدى قرون وعهود طويلة.. نموذجاً للفقر ونموذجاً لحاجة الإنسان لمقومات العيش. أعرف شرق السودان جيداً، ويعرفه كثيرون ممن لهم ارتباط به بالميلاد أو النشأة أو العمل، وقد لا يتصور أحد أن ولاية مثل ولاية البحر الأحمر التي تضم كل موانيء البلاد وتضم مناجم الذهب، تعاني الفقر خارج المدن، وأن أكثر من خمسين بالمائة من سكانها يعيشون في مدينة بورتسودان حاضرة الولاية الغنية بالموارد، الفقيرة بسبب عدم الاستغلال الأمثل لها.. وولاية كسلا ليست ببعيدة الشبه من ولاية البحر الأحمر ولا من لاية القضارف من حيث الفقر المدقع الذي دفع بالسكان إلى هجرتين، الأولى إلى المدن وعواصم الولايات، والثانية إلى المركز بحثاً عن الرزق والعمل. بذلت الحكومة جهوداً جبارة من أجل ترقية حياة المواطنين في شرق السودان، لكن الحاجة تظل متنامية، وما يبذل من جهد لا يكفي لتغيير حياة الناس هناك.. ولا نشك في أن أهم أدوات التغيير هي الإنسان نفسه، والإنسان لا يمكن أن يتغير إلى الأحسن دون تعليم أو تدريب أو بدون ترقية سلوك اقتصادي، لذلك تصبح المدارس والجامعات ومراكز التدريب المهني والنسوي أهم وسائل التغيير المنشود في مجتمعات الشرق. لا يعاني مواطن شرق السودان من نقص الخدمات ولا من انعدام البنيات الأساسية وحدها، بل يعاني من وجود مئات الآلاف من اللاجئين الذين فروا من قسوة الطبيعة وشظف العيش ومرارة الحرمان في بلادهم، فأصبحت معاناة أهل الشرق مضاعفة. لابد لنا أن نحيي دولة الكويت الشقيقة أميراً وحكومة وشعباً لإحساسهم العالي بمعاناة أهل السودان عامة وأهل شرقه بصفة خاصة، ولابد أن نحيي قيادات جبهة الشرق وقيادات شرق السودان السياسية والاجتماعية لدفعهم في اتجاه التنمية ووضعهم للسلاح الذي يدمر ولا يعمر، التحية للسيد موسى محمد أحمد وللدكتورة آمنة ضرار ومن معهم.. والتحية لولاة الشرق السابقين واللاحقين، لأن التلاقي على خطوط الهم الوطني العام هو الذي يقود بلادنا ويقود الشرق إلى الأمام. والتحية للمانحين الذين لم يبخلوا في دعمهم وتبنيهم لقضايا الشرق.. والتحية للدكتور مصطفى عثمان إسماعيل الذي أمسك بملف الشرق وعبر به إلى الجانب الإنساني.. وظل يجاهد ليل نهار من أجل أن يتحقق حلم أهل الشرق.. والتحية للرئيس الأرتيري أسياسي أفورقي الذي رعى المفاوضات، وللرئيس عمر حسن أحمد البشير الذي اتسع صدره وعقله وأفقه مستوعباً قضايا هذا الوطن.