*شهدت المحروسة (مصر) الاسبوع الماضي أزمة مركبة وغير مسبوقة.. طرفاها وزارة الداخلية ونقابة الصحافيين.. وذلك إثر قيام عناصر أمن الداخلية بدخول مقر النقابة العتيدة التي مضى على تأسيسها «75» عاماً، لأول مرة في تاريخها الذي يعود إلى العام 1941.. وذلك للقبض على إثنين من منسوبيها هما عمرو بدر ومحمود السقا، والأخير يحمل صفة صحافي تحت التمرين، أي ليس عضواً كامل الأهلية في النقابة، التي اعتبرت دخول الشرطة لدار الصحافيين بمثابة (اقتحام) ومخالفة صريحة من قبل الداخلية والنيابة، إذ أن المادة (70) من قانون النقابة تحدد شروط الدخول لتنفيذ إجراءات القبض، أهمها إعلام نقيب الصحافيين وأن يتم القبض بحضوره أو حضور من يمثله بالإضافة إلى ممثلي الداخلية والنيابة. *النيابة العامة من جانبها وجدت نفسها طرفاً في الأزمة، فاضطرت إلى إصدار أكثر من بيان تؤكد فيه أن ما قامت به عناصر الداخلية كان (تنفيذاً) لأمر (الضبط والاحضار الصادر عنها) وليس اقتحاماً، كما عبر النقيب ومجلس النقابة في بياناتهم وتصريحاتهم، وأن النقابة ليست محصنة ضد تنفيذ أوامر النيابة، بوصفها جهة قضائية، تطول أوامرها حتى حُرمات المنازل التي هي في أعلى درجات الخصوصية. *وتعود تطورات الأزمة إلى ما جرى يوم الجمعة 15 أبريل عندما تنادت جماعات سياسية وناشطون للخروج في تظاهرة ووقفة احتجاجية تحت عنوان (يوم الأرض) للتعبير عن رفضهم لتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.. لكن الوقفة الاحتجاجية التي اختارت سلالم النقابة ومحيطها مكاناً للتعبير لم يقتصر فعلها على موضوع الجزيرتين.. بل امتدت الهتافات لتنال من الرئيس والجيش المصري والدعوة لإسقاط النظام.. علماً بأن الجماعة الصحافية المصرية.. ومنها مقدمي برامج (الطوك شو) في القنوات الخاصة والرسمية.. موالية في معظمها لنظام 30 يونيو وداعمة للرئيس السيسي.. لكن مجلس النقابة لم يفعل ما يمكن أن يوحي بأنه رافض لأن يصبح مقر النقابة منطلقاً للدعوات المعادية للنظام.. ربما إيماناً منه بحرية التعبير التي هي المقوم الأساسي للصحافة وحقوق الإنسان. *برامج (الطوك شو) ضجّت بالتحليلات والتشريحات لمجريات الأزمة وأسبابها، ورأي بعض من شيوخ الصحافيين كالنقيب الأسبق مكرم محمد أحمد أن مجلس النقابة أرتكب خطأ كبيراً عندما اعتبر تنفيذ الداخلية لأمر النيابة بمثابة (اقتحام)، خصوصاً بعد أن تبدى أن الأمر لم ينطو على أية درجة من العنف بشهادة (الحراس الأمنيين) لمقر النقابة.. بل ذهبوا أكثر من ذلك بأنه كان بإمكان النقيب إبلاغ الداخلية عن وجود المطلوبين المعتصمين بالدار وأنه على استعداد لتسليمهما وفق ما تنظمه المادة (70) من قانون النقابة.. أما البعض الآخر فقد لام الداخلية، لأنها لم تراع (المواءمة السياسية) في دخول النقابة دون إذن مجلسها، وذلك لما ينطوي عليه ذلك الدخول غير المأذون من حساسية تجاه جهة تعتبر قلعة لحرية التعبير وحقوق الإنسان كنقابة الصحافيين. *النقيب ومجلسه قدموا أكثر من حجة في مواجهة منتقديهم وأوضحوا أنهم اتصلوا بالداخلية وأعلموها بوصول المطلوبين واعتصامهم بالدار بغية التفاهم على كيفية تنفيذ أمر الضبط والإحضار، ولكن الداخلية أعلمتهم بأن اليوم وغداً وبعد غد أجاز (الجمعة والسبت والأحد)، لكنهم فوجئوا بتنفيذ القبض في أحد أيام الإجازة المذكورة من دون إخطار.. ودعا المجلس إلى (جمعية عمومية) طارئة اتخذت (18) قراراً، لكن المجلس تراجع عن صفه (الجمعية العمومية) إلى (اجتماع لأعضاء الجمعية العمومية).. ومن بين أهم القرارات التي اتخذت كان المطالبة باعتذار من الرئيس وإقالة وزير الداخلية... وهي القرارات التي أعتبرها جزءاً كبيراً من الجماعة الصحفية بمثابة شطط لا مبرر له، كما تدخل مجلس النواب وشكل لجنة ضم اليها بعض شيوخ الصحافيين من أجل البحث عن مخرج للأزمة المركبة. *الرئيس السيسي الذي افتتح في ذات الأيام (مشروع الفرافرة) الزراعي القومي والذي خاطب الحضور، كان غاضباً جداً وأن لم يشر، للأزمة مباشرة، ولكن دعى الجميع لإدراك المخاطر والتحديات التي تحيط بالبلاد والتحسب لها. لنا عودة