مليون ميل مربع، الله أعلم كم ستكون بعد الإستفتاء، وأكثر من أربعين مليون نسمة على حسب التقديرات، ونصف قرن ويزيد من نيل الإستقلال، وبلادنا هي بلادنا، رغم لهثها المحموم لمواكبة التطور العالمي، الأمراض تفتك بالكثيرين، ولقمة العيش تحتاج إلي كثير من السعي والركض، منا من وصل ومنا من تقطعت أنفاسه، ومنا من خالف النظم والقوانين ليصل إلى مبتغاه، فاصبح المجتمع عبارة عن طبقتين لا ثالثة لهما، هما طبقة أصحاب السعادة (الزائفة) إلا من رحم الله، وطبقة الفقراء الكادحين. هذه هي صورتنا ونحن نحتفل بمناسبة مرور (55) عاماً على الإستقلال المجيد، إستقلال من إحتلال المستعمر البغيض، ولكن مع ذلك ما زلنا نرزخ في إحتلال عاداتنا السالبة وتخاذلنا عن آداء واجباتنا الوطنية. كثير من أهل السياسة الذين نري فيهم قادتنا هم على استعداد لبيع الوطن والمواطن (نكاية) في من هم في سدة الحكم، وأهل السلطة على استعداد لرد الصاع صاعين، وبين هؤلاء وأولئك تضيع السنوات ويظل الوطن (محلك سر). الحكومة تقصر كثيراً في حق المواطن، والمواطن المشغول بزيادات أسعار السكر والدقيق وغيرهما من سلع، يقف مكتوف الأيدي تجاه كل قضية مجتمعية حتي ولو كانت من أوجب واجباته، باعتبار أنها من واجب الحكومة، فيتعامل بلا مبالاة مع كثير من الأمور ويساهم بقدر كبير في ما يحدث، فأنتشرت الأمراض وفتكت الملاريا بالأجساد المنهكة، لا أوقفتها ورش وزارة الصحة ولا أبادتها الأماني، كما أصيبت السياسة بفيروس اسمه (الخلافات)، والثقافة بفيروس اسمه (الأجنبي) والرياضة بفيروس اسمه (التعصب والكراهية)، وتتعدد الأمراض والفيروسات والمريض واحد، هو الوطن. السودان الوطن الكبير سادتي، يحتاج إلى صحوة ضمير من (بعض)أهل الحل والربط، ومن بعض المواطنين في كل الموقع، فالكل مسؤول، كل من حيث مسؤوليته، السودان يحتاج إلى توافق بين الجميع، توافق يكمل فيه أهل السلطة والأحزاب الأخرى مع المواطن اللوحة، فما نهضت الدول من حولنا إلا بتوحد أهلها، وإلا بتقرب المسئول من المواطن وتلمس قضاياه، وبتفاعل المواطن مع مشاريع المسؤول. هل هذا موجود بالصورة التي نريد، هل يجد المواطن من الحكومة ما يريده من توفير للقمة العيش دون عناء، وهل يتعامل المواطن بالمبالاة المطلوبة مع قضايا الوطن؟ الإجابة تقول إن ذلك يحدث ولكنه في حالات استثنائية لا ثمر لها، فالمسؤول في برج عاجي، والمواطن لا يرى إلا مصلحته، سواء أكانت من مصلحة الوطن أم لا! وبالتأكيد كل هذا كان سبباً في ما وصلت إليه بلادنا من مفترق طرق، وساهم بقدر كبير في تفشي الكثير من الأمراض التي ضربت جسد المجتمع. هي دعوة لنا جميعاً، لا نستثني منها أنفسنا، أن نراجع وطنيتنا، ونجيب على السؤالين الصعبين بكل الصدق، ماذا يعني لنا السودان؟ وما هو مكانه في دواخلنا؟ ثم بعد ذلك يحق لنا أن نحتفل أم لا !