مستقبل العملية السياسية في السودان، يتوقف على "توازن الضعف" بين المعارضة والحكومة، الحكومة هي الحكومة، لكنها لم تعد هي تلك الانقاذ التي نشأت تحت مظلة التنظيم. المعارضة التي تنخرط الآن في التسوية وفق خارطة الطريق، تنقسم إلى حركات مسلحة وقوى "مدنية" يمثلها الإمام. بينما تنشغل الحركات المسلّحة في تأمين الشكل الإجرائي للتسوية، من يضمن أن "يطفِّر" أحدهم، أو يَقِدْ سِلِكْ أو يدفِن دِقِن، وينفرِد برفع "كأس الدوري" دون دوشة مُهلِكة أو مُهدِرة للوقت.. من المؤكد أنه "خمش" الموضوع هكذا، أمر ممكن، ما وُجِدَ إليه سبيلا، فاعتبروا يا أولي الألباب.. هناك ضرورة، بل هناك ضغوط، وإغراءات أيضاً، لإيقاف الحرب.هذا مُتّفقٌ عليه، وتتحدث عنه كافة الأطراف، للإمام ظرفه الخاص الذي يختلف عن ظرف مالك عقار، الذي يتطلّب حضوره للخرطوم حصوله على ضمانات مؤكّدة .. بالرغم من هذا، يظل حزب الأمة هو الخاسر الأكبر من هذه "الصفقة".. فالحركات المسلحة، بتوقيعها على خارطة الطريق، تحقق هدف الشروع في معالجة الوضع الانساني في مناطق النزاع، بجنوب كردفان والنيل الأزرق، وستتحصل على مصفوفة ترتيبات سياسية وأمنية، ومحاصصة تشترك بموجبها في كعكة السلطة، وربما تتحصل على حكم ذاتي في المنطقتين، بناءاً على بند المشورة الشعبية، المنصوص عليه في اتفاقية السلام السودانية. قد تدفع الضغوط الدولية في هذا الإتجاه، في ظل توازن الضعف، ما سيبقي الأزمة على حالها، مع اكساب النظام شرعية الإستمرار لسنوات..حزب الأمّة هو الطرف المدني الوحيد، ولذلك قد يحظي ببعض المناصب، وربما تم استرضاؤه برئاسة مجلس الوزراء، في ظل هيمنة الأخوان على الدولة، في ظل سطوتهم على السوق... حتى إذا ما تململ الشارع، أُدين الحزب وزعيمه في السياق النّمطي، وبهذا، تضيع الكثير من معالم الخراب. عبد الواحد، والبعث ، والشيوعي، الجبهة العريضة، لا ينتظرون عائداً للوطن ومواطنيه من مترتبات هذه التسوية، اليانكي ومشايعيه من طرف خفي، يحرسون مصلحة النظام في التمدد لأعوام تالية،عبر عملائهم في الخليج وإفريقيا، وبقية دول الجوار.. توزان الضعف، يجعل أي اتفاق مُرحّباً به. أي اتفاق يوقف الموت المباشر، بالبنادق والدبابات والقاذفات، يُعد مكسباً كبيراً، إذ أنه في حكم المستحيل، ايقاف الموت الناجم من ندرة الخدمات وسوءها. هناك مصالح دولية واقليمية في عمق النداء الانساني.. الضغوط هي المحرك الرئيسي في هذه المرحلة، لأن المجتمع الدولي وجد في الأُخوان شريكاً متعاوناً، في مكافحة الإرهاب والحد من موجات الهجرة نحو أوروبا.. الإغراءات والمحاصصات ستكون، بما كان يمكن أن ينالوه من "ممعوطة" السلطة ..هدف الحوار المُعلن من جانب الحركات، هو ادخال المعونات الانسانية. وهدفه من جانب الحكومة هو تنفيذ خطة الهبوط الناعم، التي تؤهل النظام للاستمرار بشرعية الصلح، دون أن يتعرّض منسوبيه لمساءلات أو محاكمات..وهذه الجملة الأخيرة، هي ما سيتفضّل به النظام على قيادة الحركات. هذا هوواقع الحال ، فهل حكومة الانقاذ، في ظل ضعف المعارضة، بحاجة إلى اتفاق جاد ينهي الحرب ويحقق المصالحة الوطنية الحقيقية..؟ هل لديها مساحة للمناورة، وقد فاق الدولار، الخمسة عشر ألف جنيه..؟كيف يتنازل من يملك خيوط اللعبة تنفيذياً وتشريعياً عن "مكاسبه"، لمصلحة من خرج من اللعبة السياسية، ولم يعد له تأثير مشهود..؟ هل هؤلاء، مستعدون حقاً، للتنازل عن جزء حقيقي من كيكة النفوذ..؟ وما الحل السحري، الذي تملكه قيادات المعارضة حين يتم استيعابها داخل الخارطة..؟ آخر الكلام..لو حققت قوى نداء السودان، هدف ايقاف الحرب ،وتمكنت من إطلاق سراح المعتقلين والمحكومين، تكون أنجزت ..تكون ما قصّرت..تكون عملت فايدة..!