هدد (90) نائباً في البرلمان القومي (المجلس الوطني)، بمقاطعة أعمال المجلس تضامناً مع الولاية التي انتخبوا من دوائرها الجغرافية ودوائر التمثيل النسبي، والتي أثار واليها د. عبد الحميد موسى كاشا قضية تخصيص وتوزيع الإيرادات القومية، واعتبر الوالي ومجلس الولاية التشريعي أن ظلماً قد حاق بالولاية الثانية من حيث التعداد السكاني.. وبعبارة أكثر دقة أن ظلماً سيطال ولاية جنوب دارفور في حال نكوص وزارة المالية ومفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات عن تطبيق توصيات وقرارات لجنة الخبراء التي يصمم المجلس الوطني على تكوينها وصادق على قرارها بإعادة تقسيم وتوزيع الإيرادات القومية على المستوى الأفقي بين الولايات.. والمقرر بدء تطبيق سريانها في الأول من يناير القادم؟.. فهل حقاً حاق بولاية جنوب دارفور ظلم.. أم هناك ظلم سيطالها مع ولايات أخرى حال عدم تطبيق توصيات لجنة توزيع الإيرادات؟.. وهل تدخلت جهات عليا في الدولة ووجهت بوقف تقرير لجنة الخبراء وإلغائه مما يبرر غضبة حكومة د. عبد الحميد موسى كاشا.. ثم تجييش الحكومة لمجلس الولاية التشريعي ومن ثم أعضاء البرلمان البالغ عددهم (90) نائباً؟ متغيرات الإحصاء: بعد إعلان نتائج الإحصاء السكاني الأخير ارتفع تعداد سكان ولاية جنوب دارفور واحتلت المرتبة الثانية بعد ولاية الخرطوم.. وتدحرجت ولاية الجزيرة للمرتبة الثالثة.. والتنامي السكاني في جنوب دارفور تعود أسبابه للهجرة السكانية الداخلية والاستقرار النسبي في الأوضاع الأمنية بجنوب دارفور خلال السنوات الماضية.. بينما غشي الاضطراب الأمني شمال وغرب إقليم دارفور وارتفع تمثيل ولاية جنوب دارفور لنحو (90) نائباً في البرلمان.. واتخذ المجلس الوطني في يوليو من العام الجاري قراراً بتكوين لجنة من الاقتصاديين والخبراء لإعادة توزيع الإيرادات القومية على المستوى الأفقي بين الولايات.. ووافق أعضاء البرلمان بالإجماع على تكوين لجنة قومية من الخبراء لتقديم مقترحات ودراسات بشأن توزيع المال الذي يتم تحويله شهرياً من المركز للولايات حسب استحقاق كل ولاية.. وشمل تكوين اللجنة د. عز الدين إبراهيم وزير المالية الأسبق.. ود. عواطف عبد الله مدير أكاديمية المصارف.. ود. عبد المنعم القوصي نائب محافظ بنك السودان السابق.. ود. عبد الحميد التجاني وزير مالية سابق بدارفور.. ود. الهادي عبد الصمد الخبير الاقتصادي وأحد علماء الإدارة في السودان.. وفي أكتوبر الماضي أصدرت اللجنة توصياتها بتوزيع الدعم الاتحادي للولايات وفقاً لثمانية معايير أساسية هي عدد السكان والمتطلبات الزراعية والأوضاع الأمنية والتعليم والصحة والأداء المالي والبعد عن المركز والإيرادات خارج الموازنة، ولكل معيار من الثمانية مؤشرات، فالتعداد السكاني مؤشراته: (1) التعداد السكاني.. (2) الكثافة السكانية.. (3) نسبة السكان في المدن. وحددت اللجنة بطريقة علمية دقيقة كيفية حساب النقاط للوصول لأكثر الولايات حاجة للدعم الاتحادي وأقلهن حاجة له، فالمتطلبات الزراعية مثلاً تشمل تعداد الثروة الحيوانية والمساحات المزروعة، أما الأمن يشمل الصرف على الشرطة والصرف على السجون واستقرار الأحوال الأمنية، ويتضمن معيار التعليم ثلاثة مؤشرات هي نسبة التلاميذ للسكان وعدد المعلمين للتلاميذ وعدد التلاميذ في الولاية. وبنظام النقاط منحت اللجنة حجم السكان 25 نقطة، والمتطلبات الزراعية والحيوانية (15) نقطة، والأمن (15) نقطة، والتعليم (13) نقطة، والصحة (12) نقطة، والأداء المالي (10) نقاط، والمسافة بين المركز والميناء (8) نقاط، والإيرادات خارج الموازنة (2) نقطة، لتبلغ مجموع الدرجات (100) درجة. الخرطوم الأولى ونهر النيل الأخيرة: وبعد إجراء عمليات إحصائية وفق المعايير والمؤشرات التي أوردتها اللجنة، جاء ترتيب الولايات من حيث حجم الدعم على النحو التالي: 1. ولاية الخرطوم بمجموع درجات يبلغ 67.48 ونسبة 3.10% 2. جنوب دارفور بمجموع درجات 60.63 ونسبة 01.9% 3. شمال كردفان بمجموع درجات 55.66 ونسبة 8.27% 4. شمال دارفور بمجموع درجات 48.32 ونسبة 7.18% 5. الجزيرة بمجموع درجات 47.88 ونسبة 7.12 6. جنوب كردفان بمجموع درجات 47.14 ونسبة 7.01% 7. القضارف بمجموع درجات 44.88 ونسبة 6.64% 8. النيل الأبيض بمجوعات درجات 44.34 ونسبة 6.56% 9. غرب دارفور بمجموع درجات 41.93 ونسبة 6.23% 10. النيل الأزرق بمجموع درجات 38.61 ونسبة 5.74% 11. سنار بمجموع درجات 38.36 ونسبة 5.70% 12. الشمالية بمجموع درجات 37.73 ونسبة 5.61% 13. كسلا بمجموع درجات 36 ونسبة 5.48% 14. البحر الأحمر بمجموع درجات 32.08 ونسبة 4.77% 15. نهر النيل بمجموع درجات 31.17 ونسبة 4.63% وتم عرض نتائج الإحصاء الدقيق على مجلس مراقبة الإيرادات القومية الذي يتكون من المفوضية التي يترأسها الاقتصادي أحمد علي فاشوشويه ووزراء المالية في الولايات الذين وقعوا على الوثيقة باعتبارها عادلة باستثناء ولايات الخرطوم ونهر النيل والجزيرة. بداية الأزمة كان مثيراً للانتباه لماذا اعترضت ولاية الخرطوم التي كانت تحصل على أعلى نسبة من المال القومي، ثم ولاية الجزيرة ونهر النيل وسنار والشمالية، قبل إجراء الدراسة التي من خلالها حافظت على موقعها الصداري، وبعد إجازة مشروع الموازنة العامة تمت زيادة الدعم الاتحادي للولايات ب18 مليار جنيه في الشهر، وتقدمت ولايات الخرطوم ونهر النيل والجزيرة باحتجاجات على طريقة تقسيم الإيرادات التي اتبعتها اللجنة، وقد تم تخفيض اعتمادات بعض الولايات، فمن أين لها بتغطية العجز الناجم عن التخفيض ولم تحتج الولايات الثلاث على زيادة نصيب الولايات الأخرى، وهنا صدر توجيه من الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية بمعالجة تظلمات بعض الولايات، وقد تم تفسير التوجيه القاضي بالمعالجة بطريقة خاطئة وأشاع والي جنوب دارفور والمجلس التشريعي ما ورد في الصحف عن تدخل مسؤول كبير في الدولة بإلغاء التقرير والعودة لنظام التقديرات السابق، بينما حقائق الواقع تقول إن النائب علي عثمان هو من وجه بدراسة وتقييم وتوزيع الأنصبة بالعدل وفق معايير معلنة لمزيد من الشفافية في الأداء، وحتى لحظة إثارة قضية مظالم الولايات بشأن التوزيع الخاص بالإيرادات القومية لم يبدأ تطبيق معايير اللجنة، لأن السنة المالية الجديدة لم تبدأ بعد، ولم تعرض الدراسة على مجلس الوزراء للموافقة عليها أو على رئاسة الجمهورية، فكيف يتدخل نائب الرئيس بطريقة فوقية ويتحيز لجهات في الدولة على حساب غيرها كما يشيع البعض، لأغراض ليست حقيقية ولا علاقة لها بالحقيقة، ولم يصدر حتى كتابة هذا التقرير ما ينفي ما ورد من بيانات رسمية صدرت من مجلس تشريعي جنوب دارفور وقيادة الجهاز التنفيذي الذي لوّح بالاستقالة، لكن أسباب استقالته تصبح منطقية إذا تم تطبيق معايير من غير التي جاءت بها لجنة د. عزالدين إبراهيم بعد حلول فبراير من عام 2011م، لكن حكومة جنوب دارفور (باعت جلد الدب قبل سلخه!). ما وراء احتجاجات كاشا؟ منذ توليه منصب الوالي في جنوب دارفور حاصرت الولايات المشكلات الأمنية والإدارية وتراكم الديون المالية التي فاقت كل ديون الولايات، وجاء اختيار علي محمود حسب الرسول لمنصب وزير المالية الاتحادي ليعيد الخلافات بين الوالي المنتخب والوالي السابق، رغم أن الوزير علي محمود قاد حملة ترشيح كاشا في الانتخابات، لكن التكتلات هنا وهناك وانقسامات قيادات دارفور باعدت المسافة بين رجلين وهبتهم الظروف سانحة ذهبية لاستغلالها لصالح إنسان دارفور.. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وفي الغرف المغلقة وفي دهاليز الحزب الحاكم مبادرات للمهندس الحاج عطا المنان وحسبو محمد عبد الرحمن رئيس الهيئة البرلمانية للجمع بينهما على التصافي والمصالحة.. والمعركة الغبارية الأخيرة التي أثارتها حكومة جنوب دارفور واحتجاجها الذي تجاوز التقاليد الإنقاذية يشير بطرف خفي بعيد وصامت لإشعال النيران في وزارة المالية لتقضي على رصيد محمود الجماهيري في مسقط رأسه بدعوى الوقوف في وجه مصالح مواطنيه، لكن هل ما ورد في هذا التقرير يثبت تورط جهة ضد جنوب دارفور؟..أم أن حرارة الواقع في نيالا هي ما دفع والي البحير لخوض معركة استباقية لم تصمد كثيراً في وجه الأيام؟