اعتدنا في العهود السابقة استقبال المرشحين الوافدين من خارج المنطقة بأمر من قيادة الأحزاب الطائفية في موسم الانتخابات، حيث تذبح الجزور وتقام لهم الولائم والليالي السياسية، حيث يتبارى الخطباء والشعراء ويتزاحم المطبلون في تمجيد المرشح وقيادة الحزب من المركز، والويل لمن يتفوه بكلمات تقدح في حق رمز الحزب المنزه عن كل عيب ونقص، والذل لمن اختار سبيلاً معاكساً للسبيل الذي حددته قيادة الحزب، لقد درجت رئاسة الحزب على تعيين وكيل لها في المنطقة لاستقبال واستضافة المرشح وحاشيته وقيادة الحملة الانتخابية والصرف من ماله الخاص وتبرعات من منسوبي الحزب بوعود من المرشح يسيل لها اللعاب من خدمات للمنطقة، وتسهيلات لأصحاب الرخص التجارية، وتصديقات رخص السلاح الناري واستيعاب أبنائهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية دون النظر إلى كفاءتهم، وابتعاث طالبي الدراسة من أبنائهم إلى الخارج على نفقة الدولة.. عند ظهور نتيجة الانتخابات وفوز المرشح يحتفل الحزب بفوزه ويغادر من حيث أتى، حاملاً في حقيبته ألواناً من الطلبات التي أجزم بتنفيذها ولسان حاله يقول أيها المغفلون لن تطأ قدماي منطقتكم ولن تروني مرة أخرى إلا في خريف الانتخابات القادمة، حيث أقوم بتهدئة فوراتكم بتبلغيكم تحيات وربما تمنيات رئيس الحزب لكم بالخير، وأنه راضٍ عنكم لإطاعة أوامره بالوقوف معي في الانتخابات الماضية، وإنكم لن تخذلوني في هذه المرة كما عودتمونا، هكذا كان الفسق والنفاق والخداع والضحك على الدقون. عندما أتت الإنقاذ وطرحت مشاريعها الإستراتيجية وفي مقدمتها مشروع الحكم الاتحادي الذي يعطي الحق لمواطني الولاية بحكم أنفسهم بأنفسهم، وذلك باختيار ما يرونه أحق وأميز بمنافسة مرشحي الأحزب الأخرى من بين أبنائهم، إن سياسة الحكم الفدرالي تؤكد ضرورة إدارة دفة الولاية بواسطة أبنائها الذين انحدروا من صلبها ولا يوجد مجال للاختيار أو الوصاية.إن الانتخابات التي أقرتها اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل بهدف تبادل السلطة عبرها وبطريقة ديمقراطية ونزيهة، استطاع حزب المؤتمر الوطني اكتساح معظم دوائرها القومية والولائية بفضل الاستعداد المبكر لها والتخطيط السليم وانصراف المواطن عن الأحزاب الطائفية لما ذاقه من مرارة في حكمها، وكذب في وعودها، وهروب مرشحيها وصدهم عنه.. من منطلق تلك التجارب والحرص على عدم تكرارها في عهد الإنقاذ، ينبغي على الإخوة في المؤتمر الوطني الذين فازوا في دوائرهم بفضل عمل منسوبي الحزب الدؤوب ومساندتهم لهم، أن يعودوا إلى دوائرهم إذا كانوا أعضاء في المجلس الوطني أو مجلس الولايات أو في مستشارية رئاسة الجمهورية أو في الوزارات المختلفة حتى لا يعتقد الناخب بأنه أصبح نسياً منسياً بعد أن أدلى بصوته لمرشحه. إن عودة المرشح لدائرته تنشط العلاقة بينه وقواعده خاصة اللقاءات مع الرموز التي لها تأثير في القواعد، وتكذب اعتقاد الكثيرين الذين يقولون(فكوا وطار)، إن تلك اللقاءات يمكن أن تكون مدبرة أو تلقائية، وإن توجه الدولة بطرح خيار الوحدة الجاذبة يحتاج لدفع نواب الدوائر القومية إلى الولايات بصحبة وفود لعقد لقاءات مفتوحة مع الإخوة الجنوبيين في الشمال بمساندة الولاة هناك ونواب الدوائر الولائية التشريعية والمعتمدين لتشريح خيار الانفصال وسلبياته، والتركيز على محاسن خيار الوحدة الجاذبة، لا سيما أن من أتى من المركز يحمل معلومات ستجد الأذن المصغية والاهتمام الشديد من المواطن، بحكم أنه قريب من مركز القرار، أما حملة الترويج للوحدة الجاذبة التي يمكن تشكيلها للتوجه إلى الجنوب من الإخوة الجنوبيين التنفيذيين منهم والتشريعيين، والتي من الأفضل أن يكون على رأسها الرجل الحكيم السيد أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني، مع توفير كل المعينات الضرورية لها من مال وطائرة لصعوبة التحركات بالبر لهطول الأمطار، هذه الحملة ستلعب دوراً مقدراً وسط الإخوة الجنوبيين، وذلك بعقد لقاءات معهم ومخاطبتهم بلهجات قبائلهم حتى يتفهموا معنى أهمية الوحدة الجاذبة، ونبذ خيار الانفصال الذي يقود للتفرقة والتشتات والخلافات، ويؤدي للضعف والانهيار. إن الحملة الإعلامية التي تنتظم وسائل الإعلام الآن تخاطب الشمال أكثر من الجنوب الذي هو غير معني بالمشاركة في عملية الاستفتاء التي هي حصر على الإخوة الجنوبيين لتحديد خيارهم انفصالاً أو وحدة، وفقاً لقناعاتهم التي ترسخت من خلال اللقاءات والندوات. إن ما تبقى من الوقت وحتى حلول ميقات الاستفتاء، يعتبر كافياً إذا خلصت النوايا وتكثف العمل نحو الهدف الذي حددته قيادة الدولة بعد دراسة متأنية وتحليل عميق للعوامل التي تقود لتحقيقه ووطنية صادقة. الآن الأمانة تقتضي أن تقوم حكومة الجنوب بكسر الصمت المريب وتتفاعل مع توجيه المركز للترويج لخيار الوحدة الجاذبة وسط الإخوة الجنوبيين، كما أنني أرى أن تستنفر الحكومة في الخرطوم، الرموز الجنوبية في الشمال من مثقفين وسلاطين لتكثيف العمل وسط قواعدهم من أجل الوحدة الجاذبة، مع توفير المعينات اللازمة من مال ووسائل نقل وإعلام لتغطية كل ولايات الشمال التي تعج بالإخوة الجنوبيين الذين فروا إلى الشمال لتوفر الأمان والسلام والاستقرار، وارجو أن أشير إلى أن محلية جبل أولياء التي أنتمي إليها بولاية الخرطوم، تحتضن بين أعداداً كبيرة من الإخوة الجنوبيين، وبما أنني أسكن في نطاق الدائرة 44 الولائية، والدائرة 35 القومية بمحلية جبل أولياء، والتي بها أعداد لا يستهان بها من الإخوة الجنوبيين، يتطلب الأمر أن يبادر الأخوان النائبان عن الدائرتين أعلاه بعقد لقاءات ترويجاً للوحدة الجاذبة وسط تلك المجموعات التي وقفت معنا وأدلت بأصواتها لصالح المؤتمر الوطني، والاهتمام بها يعني بمثابة رسالة شكر لوطنيتهم الصادقة وعرفاناً. والله من وراء القصد وهو المستعان üعميد ركن