قدّم الاستاذ الصحفي محمد الشيخ حسين، قراءة جديدة في كتاب «حوار مع الصفوة» لمؤلفه الدكتور منصور خالد. كتب ود الشيخ رؤية مختصرة لذلك السفر الذي يعد من أهم الكتب التي صدرت في سودان ما بعد الاستقلال، ولم تزل سطور الدكتور منصور تلك، ذات أثر كبير على وجدانيات شباب الجيل، كأنها كُتبت بالأمس. حوار الصفوة، لم يتوقف عند منصور، إذ أتبعه بمؤلفات عديدة، كان بينها كتابه الموسوم ب «النخبة السودانية وإدمان الفشل»، والذي يُعد استتباعاً واستطراداً لفكرة النقد الجريئ للواقع الاجتماعي والسياسي السوداني، وهو نقد موضوعي ينفذ مباشرة نحو التبصير بالثغرات ومنافذ الخلل في التجربة وما يعتورها من مآخذ. كانت سانحة العيد فرصة لقراءة كتاب الصحفي محمد الشيخ حسين،عن منصور خالد «لورد من أم درمان قراءة في حوار مع الصفوة بعد خمسين عاما»، وقد كتب مقدمته الشاعر الرائع محمد المكي ابراهيم. أول ملاحظاتي على النص، أن الكاتب كان شحيحاً جدا حين تناول موضوعاً بهذا الحجم في صفحات قليلة تلتهمها في جلسة واحدة، وقد كان مؤملاً في العودة لسطور د. منصور التي كتبها في جريدة الأيام، أوائل سبعينيات القرن العشرين،أن يتشكل منها مؤلف ضخم،لا يقل عن مؤلفات المنصور ،في زمان «قِلّة الأوتاد». رغم خلافاتي المزاجية والسياسية، مع استاذي محمد الشيخ حسين، إلا أنني وجدت مركزية اتفاق بيننا على محبة دكتور منصور وأمثاله من الرجال العظام، الذين لا يمكن أن تتجاوزهم بسهولة. فمنصور، من وجهة نظري، كان مثقفاً عضوياً، شارك بفعالية في صنع أحداث كبيرة وقعت في سودان ما بعد الاستقلال. وما يُرى من تنقل د. منصور في أركان الميدان السياسي ، بدءاً بعمله مع عبد الله خليل، ثم وزيراً لعدة حقائب في عهد مايو، وعمله في مؤسسات دولية معتبرة، وتأييده لفكرة السودان الجديد، كل ذلك مما يدل على حيوية دكتور منصور، و»حركيته في ممارسة السياسة، حين يمارسها المثقف المستقل، غير المؤدلج». في العام الماضي صدر كتاب آخر عن هذا الرجل، كتبه صديقي عبد الماجد عليش، وقد خلُص فيه، إلى أن دكتور منصور يشارك في حقل العمل العام، منطلقاً من مرجعية «دينية»،متأثراً بتنشئته الاجتماعية في ثلاثينيات القرن العشرين، حيث تفتحت عيناه على الحياة من كوة جده الشيخ محمد عبد الماجد. ولكن دكتور منصور،وهكذا عهده حتى الآن، يسابق أنداده ، ويقف على قمة المعارف المتاحة في العصر، ويتميز بأنه لم يزل يدرس ويقرأ، ولا يكف عن التصحيف. وما يجعل من منصور شخصاً محبوباً ومُبجّلاً عند غالبية المستنيرين، أنه جريئ وصارم جداً في ولاءه للبلد ولمبادئه، فهو كما وصفه جمال محمد أحمد، أنه «قومي سوداني، أكبر من كل بطاقة يسير بها الناس». نقل الاخ محمد الشيخ حسين، بعُجالة، أجواء حوار الصفوة في هذا الكُتيِّب، وهي تقريباً ذات الأجواء التي تعتكر في سودان اليوم. فحتى هذه اللحظة،لم يزل الدستور، الذي شغل بال د.منصور منذ بداياته في دراسة القانون،»هو القضية المؤجلة» في هذا السودان. كما أن حلمه بإصلاح الخدمة المدنية على أساس «غرس قيم المسئولية»، هل تبقى منه شيئ، أم ذهب أدراج الرياح؟ لأن الهيكل الذي كان من المؤمل ترميمه قد هُدَّ من أركانه، لا بفعل الزمان،وإنما بفعل سياسة «التنظيم»..ما نراه الآن، أن عهدنا الماثل، يعبّر عن أسوأ ما فينا. ربما ساقتنا الاقدار إلى هذا المنحنى، حتى تنهض فكرة التغيير مرة أخرى، إذ هي لا تنهض ولا تتحقق، في المُخيِّلة السودانية، إلا «بعد أن تُملأ الارض جوراً»! وأيم الله، هذه فكرة دينية،تعيدنا إلى ما قبل حوار الصفوة ، فنحن في هذا المنعطف مهددون بالتمزُّق، انطلاقاً من ذات المفاهيم التي تشكلت منها دولتنا القومية..ليت من يلتقون بحبيبنا منصور، يسألونه :» كيف هو السبيل، للخروج من هذه المتاهة»؟