بالرغم من أن أخبار د.غازي صلاح الدين رئيس حركة الإصلاح الآن كانت في الصحف بكثرة خلال الأيام الماضية، خاصة بعد الندوة التي خاطبها في العاصمة القطرية عن الحركات الإسلامية، إلا أن الوصول إليه كان صعباً لإجراء حوار معه بشأن الراهن السياسي، ليس لإمتناعه أو عراقيل من مكتبه كما يفعل بعض الساسة ودوائرهم، ولكن لكثرة الطلبات التي وردت إليه لمحاورته صحفياً، إلا أنني وفي تواصلي مع د.أسامة توفيق الذي نسق لي المقابلة، كنت مصراً على نيل الفرصة التي رتبت لها قبل أكثر من أسبوع، فكانت سانحة رائعة أن جلست معه وطرحت عليه أسئلة في محاور متعددة، منها ما يتعلق بعلاقته مع المؤتمر الوطني وأخرى بتقييمه وتحليله لمجريات الأوضاع في البلاد، فضلاً عن مقابلاته مع قوى نداء السودان وقراءته لمواقفها، فكانت إجاباته مباشرة سقناها إليكم في جزئين، إليكم الثاني والأخير : اجراه : لؤي عبد الرحمن - تصوير : قاسم إبرهيم *المعارضة غائبة عن الساحة في الفترة الأخيرة، وأعني الميادين؟ - المعارضة الداخلية حصل فيها إضعاف كثير جداً نسبة للنظام السياسي الذي أضعفها ولا شك في ذلك، لكن أيضاً مقبولية التحرك في الشارع السوداني على خلفية الربيع العربي تقيد المعارضة جداً في التحرك، فتصطدم برغبة شعبية في أن يكون هنالك توصل إلى نتائج وتصالح وطني دون اللجوء إلى الآليات التي يمكن أن تثير الفوضى في الشارع، بالتالي المساحة المتاحة للمعارضة محدودة، ولكنها بالرغم من ذلك هي موجودة الآن. * وأنت تلاحظ ما جرى من اتفاقات مؤخراً في أديس أبابا، والإعلان الذي أعلنته قوى نداء السودان من فتح المعابر مع الأحزاب الأخرى والتنسيق فيما بينها وتوحيد المواقف التفاوضية؟ - أعتقد أن هذه تطورات إيجابية ينبغي البناء عليها . *في ندوة بشمبات قبل شهور أعلنت عن تحالف عريض وبدأتم خطوات في تنفيذه، أين وصل هذا التحالف؟ -هو تحالف قوى المستقبل، والآن من أنشط التحالفات مقارنة مع القوى السياسية السودانية، وهو يساهم كثيراً في دفع الأجندة السياسية، وله اتصالات بالقوى الإقليمية والدولية وبالآلية الأفريقية الرفيعة برئاسة ثامبو أمبيكي.. ويتبع كل الوسائل السياسية التقليدية في الدفع بأجندته للأمام، لا شك أنه يحتاج القوة والرصيد من خلال اندماجات أخرى تأتي في المستقبل، نحن نسعى إليها لتوحيد وتمتين صف المعارضة، والتحالف خلال أشهر قليلة استطاع أن يثبت بأنه صوت في داخل الحراك السياسي بالبلاد * بعض القوى المعارضة مازالت تتحدث عن محاسبة أي قيادات كانت جزءً من النظام اذا حدث تغيير فى السودان، وأنت بالطبع من القيادات الحكومية السابقة ..ماتعليقك ؟ - هذا أمر متروك للشعب السوداني، لا أحد لديه وكالة موثقة من شعب السودان يتحدث باسمه، إذا الشعب السوداني أراد أن يقتص من سياسي فهنالك وسائل لذلك التعبير، أنا لست قلقاً من هذه المطالبات * المعارضة متهمة بأنها غير جاهزة لأي تغيير ؟ - الفكرة هو أنه إذا حدث اتفاقا من خلال الحوار لن تكون المعارضة وحدها المسؤولة عن تشكيل الحكومة، ستكون هنالك خبرة موجودة أصلاً، فعلى مستوى التكنوقراط توجد خبرة فى إدارة الدولة، الذي تطالب به المعارضة مطالب سياسية، فهي تطالب بتغيير بنية السلطة، وطريقة اتخاذ القرار، وأن تعطي فرصة عادلة ومنصفة للجميع عبر الانتخابات الحرة، عندما تجري إصلاحاً جوهرياً في بنية النظام، الإصلاحات الأخرى تأتي تباعاً، أنت الآن كمعارضة لست معنياً بإصلاح مشروع الجزيرة مثلاً، أنت مهتم بأن تقدم أطروحة للنظام السياسي ليعمل بصورة عادلة، حتى يستطيع الناس أن يخوضو الانتخابات بعد الفترة الانتقالية، وعندئذ ستتاح لهم فرصة الإصلاح في مرافق الدولة ومؤسساتها المختلفة، المطلوب الآن هو التوافق على الحد الأدنى بين القوى السياسية المنضوية تحت لواء المعارضة للوصول إلى هذا الهدف، الذي ما أن نصل إليه سيفتح الباب والطريق للإصلاحات الأخرى * إذا انتهى الحوار الوطني بتشكيل الحكومة فقط ماذا يمكن أن يحدث ؟ - ستبقى الجراح كما هي، وستبقى علاقة الشك والغبن والشكوى من الحكومة، وهذا لن يكون فى مصلحة الحكومة، لأنها شاءت أم أبت ستواجه تيارات معارضة جديدة تظهر الآن، هنالك تيارات شبابية ليست منضوية تحت الأحزاب التقليدية، وهذه إذا استديمت حالة المعارضة والدعوة إليها، لديها فرصة في تشكيل تيارات جديدة مهددة للحكومة، أي اتفاق نهائي يقوم على الغبن والإحساس بالظلم لن يكون ضامناً للمستقبل، الضامن للمستقبل هو أن تصل إلى اتفاقات عليها إجماع، ولديها المقبولية، تعطي المشاركين فيها إحساسا بالإنصاف والعدل * د. غازى كيف تقيس وجود الحركة الاسلامية في السلطة ؟ - هذا السؤال مبهم كإبهام الحديث عن الحركة الإسلامية نفسها، لأنك عندما تتحدث عن الحركة الاسلامية لا تتحدث عن جسد واحد له فاعلية يومية وعلاقات دولية وحضور ثقافي فكري داخل السودان وفى الخارج، هذا غير موجود الآن، من تسميهم الحركة الاسلامية هي كتلة واسعة عريضة مفرقون بين الأحزاب، وكثير منهم غير منضوين وغير منظمين، صحيح أن ولاءهم في النهاية للنظام القائم، إذا حدثت حادثة استدعت نفرتهم وتأييدهم قد يخرجون من موقف السلب الذي هم فيه الآن إلى الايجاب، ولكن قضية الحركة الاسلامية أنها تحيط بها مشكلات كثيرة ليس داخل السودان وحده ولكن على مستوى العالم، لعلك تابعت الندوة التى شاركت فيها بالدوحة الأسبوع الماضي، التى تحدثت عن التحديات التى تواجه الإسلاميين على مستوى العالم، والاستجابات التى حدثت وهى استجابات متفردة ومتميزة، إذا نظرت مثلاً إلى التجربة التونسية والمغاربية والتركية، اذاً هنالك مجال لتحولات كبيرة فى هذه الكتلة المسماة إسلامية أن تتوحد وأن تصبح لها قيادة واحدة، هذا فى نظرى ليس مطلباً سهلاً وان كان هنالك من يتحمس له، لكنه ليس مطروحاً الآن، ولكن تظل الكتلة التي وصفتها تظل منبثة وموجودة فى مفاصل الحياة وشعابها المختلفة، وإن لم تكن فاعلة، وهي يمكن أن تتحرك وتتشكل من جديد وتصبح لها فاعلية. * بماذا يمكن ان تصف الممسكين بالسلطة الآن ؟ - هم أصلا أتوا من الحركة الاسلامية، لكن الآن لاتوجد حركة إسلامية متفق عليها تماماً بين الكتل التاريخية التي تشكل الحركة الإسلامية، وهذا انعكس على فاعليتها وعلى سلطانها الأخلاقي على اتباعها السابقين تاريخياً، وبالتالي انعكس أيضا على مقدرتها خاصة في ظل النظام القائم الآن، هنالك من ينظر إلى الحركة الإسلامية واحتمالات تطورها بشي من القلق والريبة، هنالك من لايريد أن يحدث هذا، وقد تكون له مبررات موضوعية ومقبولة، لكن هذا يكشف لك حالة عدم الإجماع على خط معين، هنالك أحاسيس وأشواق تاريخية، هنالك استنتاجات منطقية تقول بوحدة هذه الفئة من الناس، لكن عملياً توجد صعوبات على أرض الواقع تحول دون ذلك.. * التواصل مع قيادات المؤتمر الوطني حدثنا عنه إذا كان موجوداً أم لا؟ أنا لست شخصاً لدوداً في الخصومة، علاقاتي طبيعية جداً مع الناس كلهم، ليس لدي خصام سياسي مع أحد سواء داخل الحركة الاسلامية أو المؤتمر الوطني والأحزاب الاخرى، وأعتقد أن هذا هو الموقف الذى يجب أن يتحلى به الداعية، وهو ألا يخلط المسائل الشخصية مع المسائل العامة، وأنا مستعد للتعاون مع أي فئة، حتى عندما أخرجنا من المؤتمر الوطني أنا شخصياً لم أتفوه بإساءات للمؤتمر الوطني أو أشخاص بداخله، والعلاقة طبيعية، ولكن الخلافات السياسية موجودة طبعاً * هل هنالك تواصل بشأن امكانية التوصل إلى حلول وتحريك المفاوضات؟ - نلتقي من خلال بعض اللقاءات الرسمية، عندما التقينا بلجنة سبعة زائد سبعة كان هذا مطروحاً، أحيانا نلتقي في مناسبات اجتماعية نتحدث عن المطلوب الآن من باب المسؤولية الوطنية، كيف يمكن أن نتعامل مع القضايا المختلفة التي أمامنا، وكيف ننظر إلى مواقف الحكومة تجاه مواقف المعارضة، هذا كله يحدث فى اللقاءات الاجتماعية، لكنه ليس في إطار رسمي، بالتالي ليس له حجية.. * إمكانية تحالفكم أوعودتكم للمؤتمر الوطني ؟ - العودة غير مطروحة طبعاً، نحن أخرجنا بقرار من المؤتمر الوطني، وهذه مسألة تخصه الآن ولم تعد تهمنا كثيراً، لكن التواصل على مستوى الأحزاب والشخصيات والكيانات السياسية هو قائم الآن، ليس لدينا فيتو ضد التواصل مع أي طرف، كل القوى السياسية نحن نتواصل معها * المؤتمر الوطني وصف المعارضين المطالبين بعدم رفع الحصار بانهم خونة، مارأيك فى المطالبة من قبل المعارضة وفي الوصف بالخيانة؟ - أعتقد أن الوصف بالخيانة وصف غير صحيح وغير موفق، وإن كنا نحن لانتبنى نفس الراي، نرحب بأي تخفيف على العقوبات، لأن ذلك ينعكس ايجابا على المواطن السوداني وليس على النظام الحاكم، ولكننا فى الحقيقة نرى وجهة النظر الأخرى دون القول بأنه لاترفع العقوبات، القول الوسط هو أن يقال ترفع كل الحالة السياسية يعني أن ترفع العقوبات وترفع حالة الطواريء القائمة الآن فينا عملياً، هي حزمة واحدة ولكن لا استطيع أن أقول إذا كان هنالك قرار برفع الحصار أو العقوبات إنني أقف ضده، يستحيل ذلك ولكن فى الوقت نفسه ينبغي أن يكون هنالك واجب على الحكومة، وكما هي تسعى لرفع الظلم عن كاهلها عليها أن ترفع وطاة الظلم على الآخرين * د. غازي على ماذا يعكف حالياً؟ اركز على الكتابة هذه الأيام، ولدي كما لاحظت حلقات مسجلة حول النظام السياسي والحكم الراشد، سأطور هذا النوع الجديد من الخطاب، لدي كتابان عبارة عن ماجمعته من كتابات ومحاضرات عامة خلال العشرين عاما الماضية سيطبعان قريباً إن شاء الله، لدي مشروع كتاب عن السيرة الذاتية، وهذا سيكون كتاباً مهماً لأنه سيركز على فترة الانقاذ والأحداث التى جرت ودلالاتها، لدي مشروع كتاب عن الإسلام كدين تحرير للفرد والجماعة والمجتمع، أرجو أن أوفق لأن أجد وقتاً لكتابتهم، ولكن دون ذلك أكتب الآن فى قصاصات صغيرة في قضايا مختلفة عن النظام السياسي والحكم الراشد وقضية الحوار. * أخيراً إذا كانت لديك رسالة تريد أن ترسلها عبر منبر آخر لحظة ؟ - أنا دائماً أركز على ضرورة الإيمان بالهدف والإحساس بالإمكان، وتبني الموقف المتفائل، وأعتقد أن السودان لديه مقومات قوة ضخمة جداً مهمتنا نحن كسياسيين وكقادة أن نستخرج هذه القوة من المجتمع السوداني، وأنا متاكد أنها ستكون داعماً لأي مشروع إصلاحي حقيقي، فقط وصيتنا أن يظل الناس سائرين فى هذا الطريق، وسيصلون إلى أهدافهم إن شاء الله..