تقول تقارير الحزب الشيوعي إنه في آخر دورة موسعة عقدتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في 13/4/1989م، أن لجنة التحقيق في أحداث «19» يوليو وما تلاها، أخطرت سكرتارية الدورة بأنها أنجزت تقييم «19» يوليو، وتبقى أن تنجز كل لجنة من اللجنتين «لجنة العسكريين المسرحين» و«لجنة السماع»، مهمتها التي تضيف إضاءة للتقييم، لكنها لا تمس جوهره، وحثت الدورة أعضاء اللجنتين وكان بعضهم مشاركاً في الدورة، الإسراع في إنجاز المهمة وأن يقدم التقرير في الدورة القادمة. تقارير الحزب الشيوعي تقول بأن انقلاب «30» يونيو 1989م قطع الطريق أمام عمل لجان التقييم، ولم تسمح الظروف بعده بعقد دورة مكتملة أو موسعة للجنة المركزية لمناقشة التقييم، لهذا استقر الرأي بعد التشاور مع الأعضاء الموجودين، على أن يصدر التقييم كما أعدته السكرتارية في مارس 1989م. يقول التقرير: إنه وكعادتها بعد كل ضربة يواجهها الحزب، تسلمت قيادة الحزب دعوة من مجلس الثورة لوفد من الحزب، وكالعادة - هكذا جاء في التقرير- حددت الدعوة أسماء للقاء نميري، كان ذلك بعد الأسبوع الأول لانقلاب «16» نوفمبر- المقصود إعفاء المقدم بابكر النور سوار الذهب والرائد فاروق عثمان حمد الله والرائد هاشم العطا من عضوية مجلس قيادة الثورة في 1970م. كلفت قيادة الحزب- الشيوعي- الشفيع باللقاء، مع تقدير كامل لمراوغة السلطة منذ قيامها في توجيه ضربة للحزب، ثم دعوة مندوبين تختارهم بالاسم «للحوار» وتكرار أن ما اتخذ من إجراءات أملته ضرورة حماية «الثورة»، وأن لديها من المعلومات ما يبرر الإجراء، ولا تستطيع أن تعلنها لأسباب أمنية، وأن سياستها ما زالت «ثورية» وأن علاقتها بالشيوعية لم تتغير.. الخ. يقول التقرير: إن موقف قيادة الحزب كان سليماً في قبول وتلبية أي دعوة للتفاوض أو المناقشة مع السلطة وغير السلطة، لكن القصور الذي صاحب ذلك الموقف السليم تبدى في مواصلة أسلوب مفاوضات «الغرفة المغلقة» منذ وقوع الانقلاب في مايو 1969م، حيث لم يصدر بيان واحد، أو أي إعلام لأعضاء الحزب داخلياً وللجماهير، حول قضايا التفاوض ووجهة التفاوض، ونتائج التفاوض، وسادت تصريحات الغموض والإبهام عن «وحدة القوى الثورية» وتجاوز التناقضات الثورية، وقد أعطى هذا الأسلوب مساحة واسعة للسلطة وأعوانها المنشقين عن الحزب، للتضليل والمناورة وكسب الوقت، وترك الحركة الثورية في حالة من الإرتباك وفقدان الاتجاه، كما أعطاها وأعوانها المنشقين فرصة المزايدة على الأحزاب الشيوعية والحركة الثورية العربية إن تعاونها مع الشيوعيين ما زال مستمراً، وإن طابعها التقدمي لم يتغيّر.. على أن الأخطر من ذلك كله، كان مجلس الثورة يستغل هذا النوع من المفاوضات لإقناع القوى الديمقراطية داخل الجيش بأن الحزب الشيوعي ما زال يؤيد ويساند الثورة، هكذا فسر مجلس الثورة ما قاله الشفيع للنميري في ذلك اللقاء عن البحث عن الوسائل التي يستطيع بها كل الشعب السوداني اجتياز عقبتين: الحرب الأهلية في الجنوب.. وتنفيذ الخطة الخمسية لإصلاح الوضع الاقتصادي، لأن المسألة ما عادت العلاقة بين السلطة والحزب الشيوعي بل عن مطالب ومشاكل الجماهير. يستمر التقرير في القول: كان موقف « ل. م » سليماً ومسؤولاً، لكن المناخ السائد وسط عضوية الحزب والقوى الديمقراطية كان يميل للمواجهة مع السلطة واتخاذ خطوات أكثر حزماً ضدها، وهذا واحد من الإفرازات الجانبية للغموض والقصور في عملنا القيادي في تعبئة وتوحيد عضوية الحزب والقوى الديمقراطية. كان ذلك جانباً من تقرير تقييم الحزب الشيوعي لأحداث «19» يوليو وما تلاها من أحداث.. فهل يمكن إعادة قراءة التاريخ من واقع هذه التقارير الأحادية مضافاً إليه قراءة من واقع تقارير السلطة، ثم قراءته من واقع التحليل العاطفي المؤثر كما جاء على لسان السيدة الفضلى فاطمة أحمد إبراهيم في برنامج «أسماء في حياتنا»؟.. على كل.. الشكر أجزله لتلفزيون السودان ولبرنامج «أسماء في حياتنا» وللأستاذة فاطمة، وللأستاذ عمر الجزلي، إذ إن الذي دار فتح أمامنا الباب لإعادة قراءة وكتابة تاريخ تلك الحقبة من جديد.