آه فقد جاء الاستفتاء الذي مضت السنوات الخمس بسرعة ليأتي يومه الموعود.. والذي أكدت فيه الحكومة مصداقيتها بإقامته في موعده دون مماطلة أو تسويف.. أقامته قبل حتى أن تحسم الأمور المعلقة والتي أبرزها مشكلة الحدود والجنسية وتقسيم الديون ووضع منطقة أبيي، المهم جاء اليوم الموعود لبداية الاستفتاء وأغلب الجنوبيين في الخرطوم والمهاجر وحتى في الجنوب نفسه في حالة ربكة، فالحركة تريد أن تفرض عليهم الانفصال بوسائلها المختلفة وهي التي بيدها البندقية والسجون والمال، وهم يعلمون أن الانفصال إذا ما تم لن يعود عليهم بالفائدة.. وأية فائدة في أن تحصر نفسك في حدود جغرافية ضيقة ومنطقة مغلقة المنافذ على الخارج، وبترول مربوط بالشمال بحكم المعطيات الماثلة، وقبيلة جنوبية واحدة تسيطر على مقاليد الأمور في الحركة، وبالتالي ستسيطر على الجنوب كله إذا ما تم الانفصال.. وحكومة مجربة عند الجنوبيين، فقد استلمت المليارات التي لم تصل للمواطن أو يحس بها.. إنها كلها أسباب تتطلب من الجنوبيين أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ويتعاملوا مع صندوق الاستفتاء بمسؤولية تاريخية، والدور التاريخي للجنوبيين يكون في عدم الاستجابة للترهيب الذي قد تمارسه الحركة الشعبية التي انقلبت على منفستو مؤسسها د. جون قرن وفكرة السودان الجديد.. والتي لم يكن قتالها 50 عاماً إلا من أجلها لا من أجل حكم الجنوب وحده، كما ندعو الحركة الشعبية إلى عدم إجبار الناس في الاستفتاء لصالح الانفصال.. المغامرة التي يريدها أعداء السودان وهم يدركون أن الجنوب الآن لا يمتلك مقومات الدولة، وعليها ألا تنسى أن من يعدها بالإعمار كاذب، ففي نيفاشا قد وقّع المانحون على إعمار الجنوب ولكنه لم يعرف بعدها واحداً منهم، وهي ذاتها التي فعلها الغرب في العراق وأفغانستان ووعود في وعود لأنه يأخذ أضعاف ما يعطي.. وقطعاً أنهم عندما يدركون أن الجنوب بعد انفصاله يعيش تنازعاً بين قبائله.. وتخلفاً في تنميته وفشلاً، سينسحب الأمريكان ومن معهم من أجل مصالحهم الإقليمية في أفريقيا التي يهددها أي عدم استقرار في الجنوب، ويخافون من قيام دولة فاشلة، وهذا ما أبداه نائب الرئيس الأمريكي نفسه، معبراً عن مخاوفه من قيام دولة جديدة فاشلة في القرن الأفريقي. ومن هنا نقول للجنوبيين استفتوا أولاً قلوبكم ثم عقولكم واقبلوا على التصويت بقناعات ومسؤولية وسنرضى بالنتيجة بعد ذلك، ونمد الأيادي للسماء بالتوفيق لكم. حاجة ثانية: الأعداد الكبيرة من الجنوبيين الموجودين الآن بالخرطوم، تؤكد أن نداء الحركة الشعبية بعودة كافة الجنوبيين إلى الجنوب للتصويت هناك قد وجدت التمرد، كما أن التمرد لأكثر من مليون جنوبي رفضوا التسجيل للاستفتاء يؤكد عدم قناعتهم بالاستفتاء في وطن روابطه الطبيعية والجغرافية، وروابط الدم والتاريخ تجعل أي استفتاء لصالح الانفصال فيه رغبة في مغامرة سيعود عقبها بعد حين الجنوب للشمال في وحدة قد تتم في ظل شروط جديدة وقناعات جديدة، ونجد أن وزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون ترى أنه في حالة الانفصال يجب أن يكون هناك تفكير حذر بحكم أن الأرض لن تتفكك، وسيبقى الشمال والجنوب مرتبطين ببعضهما، وسيكون عليهما حل كل القضايا العالقة بينهما، الشيء الذي يجعلنا نطالب الجنوبيين باستفتاء العقول والقلوب معاً قبل التصويت، والتصويت بمسؤولية تقدر المآلات. حاجة ثالثة: يبقى ما جرى في الانتخابات الماضية محل مخاوف يجب أن تبلغها الحكومة للمراقبين وتفتح عيونها على ما قد يجري في الاستفتاء بطريقة أو أخرى.. حتى تكشف أي تلاعب بمصير أمة ومآلات شعب، لتصعيب مهمة من يريدون النتيجة الانفصال.. والذين هم قلة على سدة حكم الجنوب الآن يريدون أن يعيشوا أباطرة في وطن أغلب أهله يعيشون وسيعيشون تحت الفقر والمرض.. كما على المراقبين أن يكونوا بحجم ثقتنا فيهم. أخيراً: بالمناسبة أين ربيكا قرنق، فإننا لا نسمع لها صوتاً وهي من عاشت العمر مع رجل كان يحلم بالسودان الجديد، فأفنى العمر من أجل الأمنية ومات في سبيلها تاركاً فكرة وتلاميذاً.. خانها من كان قد قدمهم في الصفوف!!