{ ظللنا دوماً ندعو إلى ترسيخ مفهوم الوحدة وتعميقها لإيماننا القاطع بأن لم تكن هناك فرقة أو شتات بين الجنوب والشمال، لكن غلاة الانفصاليين من الجنوبيين الجدد الذين اختلطت الأمور لديهم وتشابكت الخيوط في تعاطيهم لمعاني العلاقة بين الشمال والجنوب، خاصة بعد اتفاق نيفاشا ودعوتهم غير المؤسسة، والجنوح نحو الانفصال، وتكوين دولة للجنوب تنفيذاً لمخططات أجنبية وجهات لها مصلحة لتفتيت السودان وشرذمته، هذا الاتجاه ظهر وبصورة ملفتة للنظر بعد الانتخابات الأخيرة، التي أتت نتائجها صدمة قاسية وصفعة غير متوقعة على وجه أعداء السودان بالداخل والخارج، الذين زلت ألسنتهم، فقد زعموا قبل الانتخابات بأن نتائجها ستكون مزورة وفاقدة الشفافية، لكن خاب ظنهم وأثبت السودان للعالم أجمع بأنه بلد فريد في نوعه، وبأن الديمقراطية بكل مفاهيمها الغربية والشرقية تتجسد في البيئة السياسية السودانية، ومرة أخرى يثبت السودان أنه بلد حضاري، وها هو الاستفتاء يسير بكل سلاسة. { ربما يغيب عن عقلية بعض الساسة السياسيين من الشماليين والجنوبيين وهم يتناولون تطورات الأحداث التي تجري الآن بشأن الاستفتاء والجدل المثار حوله، وما يمكن عمله عدد من الترتيبات لإخراج عملية الاستفتاء كاستحقاق أخير لأهم بند من بنود اتفاق نيفاشا.. ففي جانب يستعجل غلاة الانفصال بأن يتم الاستفتاء بسرعة الصوت دون النظر في متطلبات أخرى، من ترسيم الحدود، وتوازن القوى، والديون الخارجية، والبترول، والهوية، وكيفية رسم العلاقة بين شطري الدولة، والحراك الاجتماعي، ومشاكل مناطق التماس، وجميعها مسائل مهمة يجب حسمها وتحديدها، إذا أراد الجنوبيون فعلاً الانفصال عن الشمال وتكوين دولتهم الخاصة بهم. { وبالنظر لما يدور على الساحة السياسية الجنوبية الآن نجد أن الأجواء السياسية بالجنوب مشبعة بالشائعات، ونشر الفتن، وإحداث القلاقل، والاضطرابات، ودعوة البعض إلى الانفصال لتحقيق رغبات بعض الساسة، بأن الجنوب لا ينتمي إلى العالم العربي الإسلامي، وله هويته الخاصة وهي الأفريقية، وبالرغم أن غلاة الانفصال من الساسة الجنوبيين يبشرون بالانفصال تحقيقاً لرغبات شخصية، وتنفيذاً لأجندات خارجية من مصلحتها أن يتشرذم السودان انطلاقاً من زاوية الاستحواذ على ثروته وموارده المتجددة، إلا أن الواقع واستقراءات المستقبل تفيد أن هذا الاتجاه سيخلق تداعيات خطيرة على وضعية الجنوب مستقبلاً، في حالة تكوين دولته الجديدة، إذاً فمن الأفيد والأفضل أن يبقى علم الوحدة مرفرفاً في ربوع الجنوب. { وعلينا ألا ننسى ونتذكر دائماً أن سوء الفهم الذي برز بعد اتفاق نيفاشا كان وراؤه عنصر خارجي أشد خطورة من العنصر الداخلي، وهم مجموعة من العملاء الذين يقومون بأدوار قذرة ويعملون لحساب دول بعينها، لها أطماعها في الجنوب لخلق وجود لأجهزة استخباراتية ومراكز لجمع معلومات عن ثروات الجنوب، وما يدور في القرن الأفريقي، بالإضافة إلى تجنيد بعض ضعاف النفوس لاستخدامهم لتدمير الوطن، وطمس هويته، فإذا أخذنا الجنوب كحالة نموذجية تمثل بؤرة صراع يعكس الموقف الآن بنشاط سياسي محموم، يقوم به البعض بهدف الانفصال، ومن جانب آخر نجد الأنظار كلها تتجه نحوه لمعرفة ما يدور من أحداث وتطورات حول الانفصال، ولا نقول الوحدة فهي موجودة أصلاً، وهنا يبرز سؤال مهم.. متى كان الجنوب منفصلاً؟ منذ أن نال السودان استقلاله وحتى الآن فالجنوب والشمال يمثلان السودان الواحد الموحد، أما مسألة تقرير المصير التي وردت في اتفاق نيفاشا لم تكن أبداً للانفصال، بل لمزيد من الالتحام والتأصيل والتكريس للوحدة التي هي أصلاً موجودة. { عموماً نقول بالرغم من صيحات الانفصال الأصل أن العقلاء يقولون لابد من ترسيخ الوحدة ولا خيار غيرها، بعد أن تطايبت النفوس باتفاق نيفاشا، وبدأ مؤشر المرارات ينخفض الى أسفل، ولعل ما ناله الجنوبيون من مكاسب بعد إخماد الحرب المدمرة، والتي حصدت أرتالاً من الأرواح والممتلكات والعتاد، وأصبح الإنسان الجنوبي بالجنوب يشعر بالأمن والأمان، فلن يرضى أصلاً بأن يعود ثانية إلى الخوف والقلق من هاجس الحرب والإقتتال، وقطعاً لن يرضى أيضاً إلا بمزيد من الأمن والأمان، وهذا لن يأتي إلا بأن يتحد الجميع في الشمال والجنوب عبر حوار هاديء وضرورة نسيان الماضي بكل مراراته، واستخدام لغة التفاهم المشترك لترسيخ مفهوم الوحدة، حتى في حالة تكوين دولة الجنوب، لأنها لم تكن غائبة يوماً لكنها تعرضت إلى عاصفة هوجاء، سرعان ما تخمد عند سماع صوت الهاتف هالو الخرطوم.. جوبا تناديكم..