النهوض بقضايا المرأة وحقوقها السياسية والمدنية ظل من المسائل الرئيسية خلال العقود الثلاثة الماضية.. ومعلوم أن المرأة السودانية حققت نجاحات تاريخية في هذا الشأن فاقت وسبقت ما تحقق للنساء في أوربا وأمريكا منذ نيلها حقوقها السياسية منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى حصولها على نسبة 25% في المؤسسات التشريعية والنقابات وخلافها، لكن هذا النهوض لم يقابله نهوض مماثل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأخص بالذكر المرأة العاملة في القطاع الخاص الذي يتسع وينمو مع سياسات التحرير وإعادة الهيكلة والمؤسسات الاستثمارية الجديدة.. إن حقوق المرأة العاملة في القطاع الخاص في قوانين العمل السودانية 1948-2010 ضعيفة للغاية ونلاحظ عدم اتساقها مع حقوق المرأة العاملة في الحكومة والقطاع العام من جهة، والاتفاقيات والمعايير الدولية من جهة أخرى وهذا هو موضوع المقال، وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت المفاوضات الجماعية والاتفاقيات بين أصحاب العمل والنقابات في القطاع الخاص تغطي مواطن القصور وتسد الثغرات في قوانين العمل. وتراجعت الاتفاقيات الجماعية للتدهور الذي أصاب القطاع الخاص وبالذات الصناعي في العقدين الأخيرين، واندثرت مصانع كانت تستخدم آلاف النساء، أبرزها مصانع الغزل والنسيج، بالإضافة إلى احتكارية قيادة العمل النقابي الذي وضع نقابات عمال القطاع الخاص تحت قبضة عمال الحكومة والقطاع العام على الرغم من اختلاف القضايا وأعداد العاملين بالقطاع الخاص.. ومن نتائج ذلك التباين في حقوق المرأة العاملة في القطاعين العام والخاص رغم وحدانية الاتحاد العام للنقابات. والنهوض بأوضاع المرأة والمرأة العاملة أصبح من المطالب الرئيسية لقوى المجتمع المختلفة، إلا أن اختلاف المفاهيم والمصالح له آثاره ومنها تحديد الأولويات، ففي حين يرى قوم أن «قانون النظام العام» من القوانين المهمة، يرى آخرون أن قانون العمل هو أهم قانون في البلاد.. إلى آخر. والحقوق الراهنة للمرأة العاملة في القطاع الخاص تضمنها قانون العمل 1997 المعمول به، ومشروع قانون العمل الطاري 2006 الذي تحول مع تعديلات إلى مشروع قانون العمل القومي 2010 والذي نطلق عليه مشروع قانون العمل الموحد 2011 وهي: (1) عدم جواز تشغيل النساء في الأعمال الخطرة أو الضاره بالصحة وهو ما نصت عليه المادة «19» من قانون العمل التي تقابل المادة «34» من مشروع قانون 2010 (2) لا يجوز تشغيل النساء في ما بين العاشرة مساء والسادسة صباحاً مع استثناء بعض الفئات لصالح أعمال الخدمات الاجتماعية والصحية أو أي فئات أخرى تلبية للصالح العام كما ورد في المادة «20» من قانون العمل المقابل للمادة «35» من مشروع قانون 2010 (3) أما المادة «46» من قانون العمل التي تقابلها المادة «62» من المشروع، فقد أكدت على استحقاق المرأة العاملة بعد انقضاء ستة أشهر على تعيينها على إجازة وضع بأجر كامل ثمانية أسابيع. (4) ولا يجوز فصل المرأة العاملة أثناء فترة الحمل أو الوضع، وأباح قانون العمل المعمول به الفصل في ثلاث أحوال تغاضى عنها مشروع 2010 وهي: - خلال الإجازة المرضية بعد الوضع إذا ثبت العجز عن العمل. - انتهاء العمل محل التعاقد خلال فترة الحمل أو الوضع. - انتهاء مدة العقد المسمى الأجل. (5) ونص قانون العمل في المادة «48» ومشروع القانون في المادة «64» منح المرأة العاملة إجازة عدة براتب كامل من تاريخ وفاة الزوج إذا لم تكن المرأة حبلى، فإذا كانت حبلى تستمر إجازة العدة بحيث تنتهي بوضع الحمل، وفي هذه الحالة يرخص لها بإجازة وضع. ومن الملاحظات حول هذه الحقوق: ü عدم تحديد القانون- وهو لا لائحة له- الأعمال الخطرة أو الضارة بالصحة، فجاء النص عاماً في حين أن مثل تلك الأعمال يلزم حصرها وإعادة النظر فيها بين فترة وأخرى. وعمومية النص وغياب اللائحة المفسرة أمر امتاز به قانون العمل في السودان وحده. ü مشروع قانون العمل الإطاري 2006 عدل مواعيد تشغيل النساء لتكون ما بين الثامنة مساء والسادسة صباحاً. وأوضحت المذكرة التفسيرية أن التعديل لمراعاة الظروف الاجتماعية للمرأة العاملة ولمقابلة مسؤولياتها العائلية وهو تعديل متفق مع المعايير الدولية، لكن مشروع قانون 2010 ألغى هذا التعديل.. والاتفاقية الدولية 98/148 نصت في المادة الثانية على أن العمل الليلي ما بين العاشرة مساء والسابعة صباحاً، لكنها في ذات المادة منحت السلطات المختصة حق تقدير هذه الفترة. ü لم يتعرض قانون العمل ولا مشروع 2010 للشروط اللازمة للعمل الليلي للنساء والمقررة باتفاقية العمل الليلي 1990، ومنها توفير: الإسعافات الأولية، وسيلة النقل إلى المستشفيات، المكان المخصص لراحة العاملات، المزايا والأجور، متابعة الأوضاع الصحية، توفير الخدمات الاجتماعية.. وأضاف مشروع قانون العمل الإطاري 2006 بالمادة «30» نصاً جديداً قنن منح المرأة العاملة الأجر المتساوي ذي القيمة المتساوية، وهو مبدأ مقرر في قانون الخدمة المدنية ومعمول به في الحكومة والقطاع العام وبعض منشآت القطاع الخاص، وتضمين النص في مشروع قانون 2010 ضروري، لأن نصوص قانون العمل ملزمة ومن النظام العام فكثير من منشآت القطاع الخاص لا تلتزم بالمبدأ، كما أن النص يعني احترام الحقوق الدستورية للمرأة العاملة في القطاع الخاص مثلما يعني الوفاء بالاتفاقيات الدولية ومنها الاتفاقية رقم (100) بشأن المساواة في الأجور والسودان موقع عليها. أما مشروع قانون 2010 فقد نص في المادة (10) على إتاحة فرص العمل بعدالة على أساس تكافؤ الفرص دون تمييز في الاستخدام أو المهن، ودون أي تفضيل على أساس العرق أو اللون أو الجنس.. إلى آخر، وهي تقابل المادة (7) من مشروع قانون العمل الإطاري 2006 «المساواة في الاستخدام»، وهذا يتسق مع ما ورد بالاتفاقية الدولية رقم (111) بشأن التمييز في الاستخدام والمهن، وهذا أمر إيجابي. إن مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي.. ومبدأ المساواة في الاستخدام، لا يتضمنها قانون العمل المعمول به واقترحهما مشروع قانون العمل الإداري 2006 ومن المهم أن يتأكد اتحاد نقابات عمال السودان من اشتمال مشروع قانون 2010 عليهما كإضافة لحقوق المرأة العاملة في القطاع الخاص متفق عليها. وبعد تضمين المساواة في الأجور والمساواة في الاستخدام، فإن المرأة العاملة في الحكومة والقطاع العام حققت مزايا خاصة بها وتتمتع بمزايا بالاشتراك مع الرجل العامل، وهي غير متوافره للعاملين بالقطاع الخاص. فالحقوق الخاصة بالمرأة هي: إجازة الأمومة وساعة الرضاعة ودور الحضانة ورعاية الأطفال.. والحقوق المشتركة هي: الإجازة الدراسية، وإجازة مرافقة المريض، وإجازة مرافقة الزوج وإجازة تمثيل السودان في النشاطات الدولية والإجازات النقابية والإجازة بدون مرتب.. ونواصل