حساسية المرحلة تطلبت اللجوء للموضوعيين والمهنيين والأكاديميين لفك طلاسم المستقبل شبه المجهول، بعد تغيير جغرافية السودان بعد إعلان نتيجة الاستفتاء مباشرة، إذ ترجح قرائن الأشياء وتوفر المعلومات خيار انفصال الجنوب.. اتجهنا في «آخر لحظة» صوب مكتب الأستاذ بول لول وانق وزير الدولة بوزارة العدل بعد نهاية اليوم العملي للوزير الذي يبدأ نشاطاً آخر غير ميال له وهو العمل السياسي، إذ لم يسارع لأداء القسم كوزير في وزارة سيادية لتغليبه مصلحة أهله بأن يعمل قاضياً بالجنوب، حتى دفع سلفاكير للتشكيك في ولائه للحركة الشعبية: أهلُ القضاء نادراً ما ينخرطون في العمل السياسي، ما هي الأسباب وراء انضمامك للحركة الشعبية؟ قبل تكليفي بالعمل كوزير دولة بالعدل إن شئت يمكنك أن تصف درجة نشاطي السياسي تحت الصفر، لأنني مهني، و كقاضي غير مسموح لي اعتناق أي مذهب سياسي وممارسته، وقد تؤمن به في دواخلك لكن لا تترجم ذلك على أرض الواقع بالممارسة لأنه يتعارض مع مهنة القاضي الذي يفترض فيه العدالة بين الناس والإنصاف. هل تقصد أنك غير منضوي تحت لواء الحركة الشعبية قبل توليك منصب الوزارة؟ انضمامي لتنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في تقديري جاء تنفيذاً وعرفاناً لرغبة أهلي والمجتمع الذي كنت أعمل فيه بولاية جونقلي، رغم أنهم متأكدون بأنني ليس لدي ميولاً سياسية ، وجاء الترشيح من أهلي بالناصر باعتباري الشخص المناسب لهذا المنصب، وسلفاكير رئيس الحركة حدد هذا المنصب لأهل الناصر واشترط فيه المهنية والكفاءة. ما هي الجهة التي قامت بترشيحك من أجهزة الحزب أو الحركة وكيف تلقيت النبأ؟ مجموعة من النواب في المجلس الوطني من الحركة الشعبية، وفي البداية اعتذرت عن المنصب، لأنني لم أكن مشغولاً بالسياسة وشكرت رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأعلنت عن قبولي التكليف في وقت آخر وكنت أظن أنني من موقعي آنذاك كقاضي بولاية جونقلي يمكن خدمة أهلي أكثر في الجنوب. هل تم البحث عن شخص آخر؟ نعم.. ضاحكاً.. ذهبوا ليبحثوا عن شخص آخر بديل يعرضوا عليه المنصب ولم يجدوا، والرئيس سلفا قال لهم إذا كان هناك من أصدقاء ودفعة له في الدراسة فليقنعوه حتى يوافق باعتبار أن الوطن تقتضي خدمته التضحية وقبول التكليف، وصدرالقرار بتكليفي والناس هنأوني بالمنصب وقالوا لي هذه قسمتك في الحياة، ولاحقاً يمكن أن يتم إعفاؤك لتعمل كقاضي وقبلت التكليف، وهكذا دخلت الحركة الشعبية. إذاً الكفاءة المهنية وليس النشاط السياسي وراء توليك المنصب؟ أنا اعتقد كذلك، لأنني في السابق لم أكن مشغولاً بالسياسة، والأمور سارت على هذا المنوال . هل من أسباب أخرى وراء عدم قبولك بالتكليف كوزير دولة بوزارة العدل؟ اعتراضي في البداية ليس لأنني ًأكره الحركة الشعبية، لكن ليس لدي أصلاً الاستعداد للانخراط في العمل السياسي، والتكليف بالنسبة لي كان مفاجأة لكن بعد فترة تبين لي أن المجتمع من حولك هو الذي يضعك في المكان الذي تخدمه من خلاله ويحدد ما ينبغي أن تقدمه للناس. هل كان لديك نشاط سياسي إبان الحياة الطلابية في جامعة القاهرة الفرع؟ والله يعني أنا دائماً بحب الحديث الصريح حتى على نفسي، أنا مساهماتي في النشاط السياسي للطلاب تكاد تنعدم لأنني أكاديمي وهذه إحدى نواقصي، لأن الطالب الجامعي ينبغي أن يمارس قدراً من العمل السياسي وكنت أشارك فقط في الرابطة «رابطة طلاب جنوب السودان»، كنت مشغولاً بتكوين المكتب التنفيذي وعقد الجمعية العمومية وخطاب الدورة، فقط في هذه الحدود. سيد بول يواجه السودان أكبر عملية في تاريخه السياسي وهي الاستفتاء، أطلعنا على إستراتيجية الحركة الشعبية خلال هذه المرحلة؟ سكت قليلاً.. والله الحركة الشعبية كحزب سياسي حاكم في الجنوب المرجعية الخاصة بها فيما يلي مرحلة الاستفتاء مستمدة من الدستور واتفاقية السلام الشامل، وبوجه أخص قانون الاستفتاء لحق تقرير مصير جنوب السودان والمشورة الشعبية لمنطقتي جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق واستفتاء أبيي وبدءً من تكوين مفوضية الاستفتاء والإجراءات التالية الخاصة به والمشورة الشعبية. ما هو الترتيب السياسي للحركة وحشدها للجماهير لخياراتها بين الوحدة أو الانفصال؟ السؤال متشعب.. لكن أحاول قدر الإمكان الإجابة في جملة واحدة، حقيقة منفستو الحركة ودستورها منذ حياة الراحل دكتور جون قرنق هو الدعوة لوحدة السودان بتنوعه العرقي وحشد المناطق المهمشة ليتبنى مواطنوها هذه الشعارات وترجمتها، وحتى أيام نيفاشا كانت هي المبادئ بالنسبة للمفاوضين. مقاطعاً: ما الذي حدث بعد ذلك؟ يبدو أن الحديث والمفاوضات شيء والتطبيق شيء آخر، وعند التطبيق الحركة الشعبية شعرت بأن هناك مسائل كثيرة «عند التطبيق» لن تكون في مكانها، واستمر الوضع على هذا المنوال، وهناك مسائل أثار تطبيقها الخلاف بين الشريكين أبرزها الخروج الذي قام به الدستوريون من منسوبي الحركة في الحكومة الاتحادية عام «2007» وهكذا توالت الاختلافات حول قضايا جوهرية فيما يلي تطبيق وتنفيذ الاتفاقية. ما هي أبرز القضايا الجوهرية محل الخلاف؟ مثلاً في البرلمان عندما حاولوا إجازة القانون الخاص بالاستفتاء خرج نواب الحركة الشعبية غاضبين أواخر«2008» وحدث خرق كبير للقانون باعتقال رموز الحركة الشعبية وعلى رأسهم ياسر سعيد عرمان رئيس كتلة نواب الحركة والأمين العام للحركة باقان أموم، والتفاهم والتعاون الذي ينبغي أن يسود من أجل الوحدة تلاشى. أنت رجل قانوني والحكومة تقول إن ياسر وباقان خرجا في مظاهرة غير قانونية أو مصرح بها؟ أنا عند اندلاع هذه الأحداث كنت في جوبا، لكن سمعت الناس يبرروا السلوك الصادر عن الشرطة في اعتقال قيادة الحركة الشعبية، قدموا تبريرات مثل: إنهم غير حاصلين على إذن للمظاهرة وان أي مظاهرة سلمية لابد أن يسبقها تصديق الجهات الأمنية لكن في تقديري إن ما قام به الأمين العام ونائبه أرجعه لمسألة واحدة وهي أن «الغاية تبرر الوسيلة» فخروجهم لقيادة المظاهرة تمليه مسائل كثيرة لأنهم شعروا أن القانون الخاص بالاستفتاء في البرلمان لم يُجز في الزمن الكافي، والبرلمان سيكون في إجازة ثم يكون القانون في مفترق طرق ولم يأخذ حظه من التداول والنقاش فرأوا ضرورة التظاهر في الشارع كتعبير وضغط سياسي لما يجري داخل أروقة البرلمان آنذاك.. ويقال إن الغاية تبرر الوسيلة وإن ما يجري في البرلمان فيه تعويق لمسار تطبيق الاتفاقية فيما يلي إصدار قانون استفتاء جنوب السودان. المظاهرة شاركت فيها أحزاب قوى جوبا المعارضة، ما هو مصير التحالف بعد ترجيح كفة الانفصال؟ أنا تقديري لما يسمى بأحزاب جوبا، هو أن فترة تنفيذ الاتفاقية تخللتها نصوص حول التحول الديمقراطي والانفراج السياسي، وهذا يفتح الباب واسعاً أمام أي تحالف لأي قوى سياسية ترى أن يكون هناك ضرورة لائتلاف فيما بينهم لبلوغ هدف مشروع عبر الوسائل السلمية، وقوى تحالف جوبا ترمي لهذا الهدف وإحداث ترجمة حقيقية للحريات والحقوق كما هو منصوص عليها في الاتفاقية والدستور، ورأت هذه الأحزاب أن هناك قيوداً لممارسة بعض الحقوق مما قادهم للتحالف مع الحركة الشعبية في جوبا، والأحزاب تعتقد أن الحريات لم تنزل كما هو منصوص عليها، وهناك قوانين ينبغي أن تزال وفق الدستور في قانون الأمن الوطني. ألا تعتقد أن معارضة الحركة لمشروع المؤتمر الوطني والتمترس مع المعارضة سبب في اختيار الحركة للانفصال؟ الحركة الشعبية كتنظيم غيرمقيدة بتوجهات معينة، وكما ذكرت هناك جزء أصيل في الحكومة ينبغي أن يكون له التزام سياسي وأدبي وباعتباره حزباً حاكماً، لكن في بعض الأحيان الجهاز التنفيذي للحركة في الحكومة شيء والأمانة العامة للحزب شيء آخر. كيف يتم تفسيرهذا الخلط؟! الأمانة العامة للحركة الشعبية لتحرير السودان هي الجسم الذي يمارس النشاط الحزبي على قدم المساواة مع الأحزاب الأخرى وتحالفها لأن فلسفتها كحزب قائمة على هذا الأساس. الانفصال لدى الحركة الشعبية هل هو إستراتيجية مخطط، لها أم حدث تدخل خارجي أثَّر على مسارها؟ الانفصال في تقديري لدى الحركة الشعبية تطور عارض في نصف الفترة الأخيرة من عمر الاتفاقية، لأن الحركة توصلت إلى قناعة بأن ما كتب في اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي لم تتوفر الإرادة لدى المؤتمر الوطني والجدية لتنفيذه، لذلك شعرنا أنه من المستحيل أن نستمر بهذه الكيفية. المؤتمر الوطني نفسه يقول هذا الاتهام بأن الحركة غير جادة في تطبيق الاتفاقية ؟ منفعلاً.. ما خلاص هذا فيما يليه هو ولكن نحن نتحدث فيما يلينا نحن كحركة شعبية، ورأينا أن رؤية الراحل دكتور جون قرنق بالخروج بسودان موحد سودان جديد غير ممكنة لتعنت المؤتمر الوطني في قضايا كثيرة. هناك حديث بأن الانفصال هو رغبة الغرب أملاها على الحركة، ما ردكم؟ الغرب لديه ملاحظات على السياسة السودانية وهذا الموقف لم يأت مع دخول الحركة في الحكم مع المؤتمر الوطني، والغرب لاحظ عدم الانسجام بين الشريكين ولدى الغرب قناعة بأن الحكومة لديها توجهات إسلامية ولا احترام للرأي الآخر والتنوع، والغرب نصحنا بأننا لن نستطيع التعامل مع حزب متصلب في مواقفه. لكن الإسلام حُسم في الاتفاقية وبشهود الغرب والشريعة موجودة والتنوع موجود في الدستور والاتفاقية؟ لكن الخلاف وين، الخلاف في التطبيق مثلاً حقوق غير المسلمين في العاصمة القومية بها عراقيل. مثل ماذا؟ حقوقهم كمسيحيين في أعرافهم ولبسهم. من الذي اعترض قانونياً على اللبس؟ الصحفية التي لبست البنطلون. لكن هذه مسلمة؟ لكن لها الحرية بموجب القانون .