قضايا السلام والوحدة قضايا شائكة؛ ذلك أن خيوط غزلها كانت صنيعة استعمارية، خطط لها الاستعمار تخطيطاً محكماً وكأنه يزرع ألغاماً في حقول التاريخ ما أن تمضي عليها مسيرة بلد أو دولة إلا وتتفجر، هذا ما يمكن أن نقوله في قضايا السلام والوحدة في السياق العام. ولعل الخوض فيها يحتاج إلى زاد بقوة اليقين وإلى حنكة ودراية بقدرة الإنسان الواثق جنوباً وشمالاً. فالفصل بين الجنوب والشمال تماماً هو حركة في الاتجاه المعاكس لا تتقف مع اتجاهات الطبيعة التي تكون الوحدة هي مجال الفعل والمسعى ومكان التأكيد عليها باعتبارها الواقع الذي يعيشه أهل السودان والذي عرفه وألفه، كيف لا وهي تقوم على معادلة طبيعية تماماً مثل اتجاه مجرى النيل من الجنوب الى الشمال، من هنا كان التعبير عنها بمفردة الوحدة الجاذبة في سياق الاستجابة لمطلوبات السلام على صعيديْ الاستفتاء وتقرير المصير. إذن، من هنا وحتى الأشهر القليلة القادمة ما هي الإرهاصات والتكهنات والتوقعات؟ وكيف هو الحال عند النخب السياسية الجنوبية والشمالية؟ مساحة من الحوار الهادف حول قضايا الوحدة والانفصال جمعتنا بالقيادي بالحركة الشعبية وزير الدولة بوزارة العدل، مولانا بول لول وانق، الذي وجهنا له عدة تساؤلات تهم قضايا الساعة في حوار يُنشر على حلقتين حيث بدأنا هذه الحلقة بالسؤال: { الذي يزور الجنوب الآن لا يجد تنمية واسعة ولا يجد جهداً بُذل في سبيل ترقية الخدمات هناك ولا يجد تقدماً للمواطن في معاشه، فهل تتفق معنا هنا على هذه الصورة، أم أن لك رأياً مخالفاً لذلك؟ الفترة الماضية ليست فترة كافية للحكم على النظام الحالي في الجنوب من حيث تحقيق التنمية، فالجنوب قد خرج من الحرب وبدأت الخطوات بعد ذلك، والتركيز في إنشاء نظام مدني، لأن النظام الذي كان يسود في فترة الحرب كان نظاماً عسكرياً يقوم على ثقافة الحرب في تحقيق الأهداف، وبعد الاتفاقية وفي العام 2006م الحكومة بدأت ترسي قواعدها وتعيد ترتيب الحكم المدني وتفكر في ترقية الخدمات. وصحيح ليس هناك شيء كثير يذكر تم تحقيقه في المجال الخدمي بالقدر الذي تتصوره، ولكن تظل البنية التحتية متأثرة بالحرب الطويلة التي مرت بها البلاد في هذا الجزء، وبالتالي البنية التحتية أخذت وقتاً واستنفدت الكثير من الميزانيات. { دار حديث كثير حول دستورية وقانونية إعلان تقرير المصير من جانب واحد إذا ما تعذر قيام الاستفتاء في موعده، فما رأيك كقانوني هنا في هذه الناحية؟ حقيقة لو التزمنا بالقانون والاتفاقية لا يجوز إعلان تقرير المصير من جانب واحد، لأنك حينها تكون قد خرقت نصاً موجوداً في الاتفاق، كما أنه قانوناً لا يجوز، ولكن سياسياً قد يكون، لكن إذا حدث ذلك فستكون له تداعيات أخرى، فلو أعلنت تقرير المصير بهذه الصورة أي من داخل برلمان الجنوب فستواجه أولاً بالموقف الدولي والإقليمي، وسيكون حينها القرار ثورياً نابعاً من غليان سياسي، وسيكون أشبه بالانقلاب السياسي، وأنا في تقديري لا أعتقد أن أهلنا في الجنوب سليجؤون إلى هذا الخيار إلا إذا تم إجبارهم على اتخاذ مثل هذا الإجراء، وسياسياً هو غير مستبعد، فهناك سابقة تمت في العام 1956م ولكن يظل هذا الخيار بعيداً، ولكن يمكن توقعه، غير أنني أيضاً أقول أنه غير وارد، ذلك لأن هذه الخطوة لا يسندها الاتفاق ولا القانون، لأن القانون هو شريعة المتعاقدين وأي خروج عن ذلك يعد خرقاً للاتفاقية. { ما هو مدى التزام الشريكين بالموعد المحدد للاستفتاء؟ حقيقة الحركة الشعبية ممثلة في قيادتها ما زالت على عهدها في ذلك، وصحيح هناك تصريحات من الجانبين متباينة من وقت لآخر في ما يلي قيام الاستفتاء وعدم موضوعية الوقت المتبقى لإجراء الاستفتاء، فتبرز من حين لآخر آراء تشير إلى احتمال التأجيل أو المد في الموعد، وربما بسبب هذه الآراء تتولد أفكار إعلان تقرير المصير من جانب واحد، ولكن كما قلت لا أعتقد ان هذا سيحدث، فعلى المستوى القيادي بالنسبة للحزبين والمستوى التنفيذي لا يوجد شيء قاطع مقدم هنا حول التأجيل أو عدمه، ودعونا نتفاءل بأن الأوضاع يجب أن تستمر كما هي موضوعة ومرسومة. { معنى قولك هذا أن الاستفتاء سيكون في زمانه المحدد له؟ أعتقد اعتقاداً جازماً في هذا. { هل بدأت أعمال السجل؟ لا... لم تبدأ بعد ونأمل في أن تشرع المفوضية في عمل السجل في القريب العاجل لكل المراكز التي نص عليها القانون، سواء أكانت في الجنوب أم الشمال أو مناطق أخرى خارج السودان. { هناك إحساس عام بأن قطاع الشمال تمَّ تهميشه في الحركة، كيف ترد على هذا القول؟ حقيقة تجربتي في معايشة الواقع السياسي هي تجربة قصيرة، بدليل أنني توليت مسؤولية هذا الموقع بعد تكليف من قيادة الحزب قبل مدة قصيرة، وأنا كنت شخصاً مهنياً، ولكن أظل ألاحظ هنا وهناك أن بعض العناصر من المنسوبين للحزب بقطاع الشمال بدأت تراودهم الشكوك في رسم مستقبلهم إذا ذهبوا إلى الجنوب، ولكنهم ليسوا كثيرين، فالقليل منهم له هذا التحفظ والتوجس، فهناك كما قلت توجس وتساؤل عند هؤلاء، ذلك إذا ما حدث الانفصال، ما هو مستقبلهم؟ فهم كان همهم الأول قائماً على اعتناق الأطروحات التي أعلنها الراحل جون قرنق في مشروع السودان الجديد، ولكن بعد رحيله فالتحليل في الرؤية قد يختلف من شخص إلى شخص آخر. { هل قطاع الشمال أرضيته يسارية؟ لا.. ليس كذلك. { هل يمكننا القول، إذن، أنه مثلما استغل جعفر نميري اليسار الأحمر ووصل به إلى السلطة وتخلى عنه بعد ذلك، فهل يتكرر ذات المشهد والحدث ويعيد التاريخ نفسه في أن الحركة الشعبية تأتي باليسار وتتخلى عنه؟ حقيقة أنا لا أستبعد وجود الأجندة الخفية عند البعض، أي قد يكون هناك شخص قد تسلل سياسياً من حزب معين ولا زال يحتفظ بعقيدته السياسية السابقة. { السؤال المهم هنا تحديداً، إذا ذهبتم إلى الجنوب هل سيذهب معكم قطاع الشمال؟ ليس من الضروري أن ينتقل جغرافياً، وهو ليس مربوطاً جغرافياً فهناك مثلاً في جبال النوبة وجود للحركة الشعبية وبالتالي فالجنوب إذا انفصل فهذا لا يمنع الوجود السياسي في أي موقع، فحزب البعث له وجود في أي موقع وفي عدد من الدول. { كيف كانت اتجاهاتك السياسية قبل انضمامك للحركة الشعبية؟ لم تكن لي اتجاهات سياسية لأسباب كثيرة، ففي العمل المهني «القضاء» لا يتاح لك إظهار اتجاهاتك السياسية، وبالتالي ففي السلك القضائي غير مسموح إظهار ولائك السياسي وعليه فإلى عهد قريب لم أجد نفسي ملتزماً باتجاه سياسي بعينه. {هل وجودك داخل الحركة الشعبية الآن أثّر على وضعك المهني؟ بالتأكيد لأنه طالما تبوأت منصباً سياسياً والحزب رشحني لهذا الموقع فأنا في تقديري هذا تكليف وتكريم لي وصحيح أنني في السابق لم أكن سياسياً ولكن الآن أبذل مجهوداً في ذلك لأنني مطالب بأن أعبر عن الحزب الذي أنتمي إليه وأن أتضامن معه سياسياً وأن أحترم برنامجه ومواثيقه. { هنالك اتهام ما زال موجهاً للحركة الشعبية والمؤتمر الوطني على حد سواء ذلك بأنهم استأثروا بالسلطة وتركوا بقية الأحزاب متفرجة، فما ردك؟ الشريكان هما صاحبا السلطة اللذان أتيا بالاتفاقية وغيرا الوضع السياسي في السودان، وبالتالي كان لزاماً عليهما أن يرسما الخريطة السياسية في السودان في ما يلي الثروة والمشاركة في السلطة، كما أن هناك قدر من المشاركة قد تم من قبل بعض الأحزاب. { الحركة الشعبية أيضاً متهمة بتخليها عن الآخرين فقبلاً التقت مع الميرغني في التجمع وقبلاً أيضاً التقت مع المهدي وهي الآن تارة تلتقي مع الترابي وعينها على المؤتمر الوطني.. ما الحكاية هنا؟ الحركة الشعبية لم تبتعد من هؤلاء، ولكن هناك ظروفاً خارجة عن الإرادة ومسائل كثيرة جعلتها في قلب الحراك السياسي فالحركة الشعبية اتفقت في نيفاشا مع المؤتمر الوطني وبالتالي ما كان من مجال للقوى السياسية المتحالفة معها في السابق فالاتفاق السياسي الذي تم إبرامه في نيفاشا صار ملزماً للطرفين وبالتالي لا وجود لطرف ثالث. { هل معنى هذا القول أنكم خرجتم من تحالف جوبا؟ ليس الأمر كذلك، فالتحالفات السياسية مبنية على ضرورة إشراك القوى السياسية في المرحلة السياسية القادمة، فتحالفنا وتفاهمنا مع المؤتمر الوطني لا يعني أننا لن نتفاعل أو نتعاطى سياسياً مع الأحزاب الأخرى. { هل حب السلطة هو الذي وحّد الشريكين؟ ليس حب السلطة، بل القضية شراكة قانونية وسياسية. { لماذا يجتمع شريكا الحكم خارج البلاد لحسم خلافات داخلية؟ حقيقة إذا كنت تقصد لقاء الأخ نافع وباقان أموم الأخير في ما يختص بترتيبات ما بعد الاستفتاء؛ ففي تقديري أن المسألة ليست بالفهم الذي ذكرته في السؤال، فالمسألة مربوطة بأن الإخوة في جمهورية مصر العربية يعنيهم الشأن السوداني في كل وقت، والسوان بغض النظر عن الحزب الحاكم لا يتردد في أن يكون هناك مكان التلاقي في أي موقع، ومصر بالنسبة لنا هي دولة مهمة وبالتالي مبادرتها دائماً تجد الاستجابة. { هل يمكننا القول إن تمرد أطور قد انتهى أم ما زال موجوداً؟ لا يزال موجوداً وحكومة الجنوب ليست لديها رغبة أو اتجاه للدخول في معارك جانبية لأن الجنوب مقدم على مرحلة حساسة ولكن من وقت لآخر حكومة الجنوب تظل تمد أياديها ممثلة في قادتها السياسيين حتى يقبل المتمرد أطور الجلوس مع الحكومة هو قائد ومناضل كبير لا بد أن يعود إلى رشده بالتي هي أحسن أي بدون أن تُستخدم ضده الحرب، فنحن لا زلنا نرى أنه ليست هناك دعوة ولا حاجة لفتح جبهة حرب مع هذا المتمرد لأن قواته هي جزء من أبناء الجنوب، فالخلاف أساساً هو مجرد فكرة عابرة نتجت عن الانتخابات، وبالتالي فلو لم نستطع إقناعه سياسياً فسيكون هذا فقداً كبيراً لأن أطور كان قائداً مناضلاً وقدم الكثير للحركة الشعبية وهو لن يستطيع الاستمرار كثيراً في مواجهة الحكومة لأنه لن يجد مقاتلين، كما أن المناخ الإقليمي والمحلي لا يشجع على ذلك، وبالتالي تمرد جورج أطور لن يستمر كثيراً لأن الأهداف من القتال غائبة، بل منعدمة. { كيف هو موقفكم من د.لام أكول؟ د. لام أكول أنا في رأيي الشخصي هو إلى الآن جزء كبير من الحركة الشعبية، وحتى اسم حزبه الجديد ليس فيه تغيير كبير فقراءتي له أن هناك مطلباً دعاه إلى ذلك وهو شخص مفكِّر وله اليد الطولى في تأسيس الحركة الشعبية سياسياً وعسكرياً، وفي تقديري أن آراءه من المفترض أن تُحترم حتى ولو لم تتفق معه الأغلبية، وبالتالي أرى أنه لم يخرج من مبادئ الحركة الشعبية فلام أكول في تقديري لم يخرج كثيراً عن مبادئ الحركة طالما أنه ينادي بالتغيير.