حساسية المرحلة تطلبت اللجوء للموضوعيين والمهنيين والأكاديميين لفك طلاسم المستقبل شبه المجهول، بعد تغيير جغرافية السودان بعد إعلان نتيجة الاستفتاء مباشرة، إذ ترجح قرائن الأشياء وتوفر المعلومات خيار انفصال الجنوب.. اتجهنا في «آخر لحظة» صوب مكتب الأستاذ بول لول وانق وزير الدولة بوزارة العدل بعد نهاية اليوم العملي للوزير الذي يبدأ نشاطاً آخر غير ميال له وهو العمل السياسي، إذ لم يسارع لأداء القسم كوزير في وزارة سيادية لتغليبه مصلحة أهله بأن يعمل قاضياً بالجنوب، حتى دفع سلفاكير للتشكيك في ولائه للحركة الشعبية: كيف تنظر إلى مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب في حال الانفصال؟ -أنا اتفق مع ما ورد في خطاب رئيس الجمهورية، وهو أن الغاية الأسمى والأعلى هي استدامة السلام وأنه يحترم خيار الانفصال إذا كان هو خيار الجنوب ويؤدي إلى استدامة السلام، و ستكون العلاقة علاقة حسن جوار وتعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بأن تكون فريدة من نوعها وتتفوق على أي دولة جارة للشمال لاعتبارات التداخل الاجتماعي والمصاهرة والجوار المتواصل، وتبادل المنافع في مناطق التماس والتمازج ومثل هذه العلاقات لاتحدها حدود سياسية. باعتبارك من أبناء الرنك وهي إحدى مناطق التمازج، إلى أي مدى تكون هذه العلاقات عاصماً من أي توترات أمنية؟ -أنا أجزم بأن العلاقة بين قبائل التمازج علاقة حميمة جداً، مثل منطقة جودة الشمالية بولاية النيل الأبيض وجودة في الجنوب قرب الرنك، و حتى الآن المواطن العادي يمارس أنشطته الاجتماعية والاقتصادية رغم التوتر المحدود الذي وقع بعد ستة أعوام من توقيع اتفاق السلام الشامل، وحركة التجارة ستستمر، وأضف إلى ذلك عائدات البترول وهناك في شمال بحر الغزال العلاقة مع القبائل العربية ستكون طبيعية، ومناطق بانتيو مع ولاية جنوب كردفان وأبيي. ولكن الرئيس الأمريكي أوباما حذر من وقوع آلاف الضحايا بين قبائل التماس وفي أبيي؟ -أنا في تقديري هذه المخاوف لا مكان لها على أرض الواقع، خاصة بعد خطاب الرئيس الأخير في جوبا، وشعب السودان و خاصة قبائل التمازج أوعى بحقوقها من أي شخص آخر خارج السودان، وإذا بنى الرئيس الأمريكي مخاوفه على هذا الأساس، أنا في تقديري أن الشعب السوداني سيخيب آمال وتوقعات أعمال عنف وتوتر بعد انفصال الجنوب، وربما تقع أحداث معزولة عارضة مثل التوترات التي حدثت في أبيي وتم احتواؤها بفضل الاتفاق الذي وقع عليه من قبل المسيرية ودينكا نوك والأحوال عادت لطبيعتها، وسيظل مثل هذا الاتفاق والتعايش هو ديدن الحل في القضايا الخلافية. القضايا العالقة مثل الحدود وأبيي والديون وغيرها هل ستقود إلى تجدد القتال مرة أخرى؟ -القضايا العالقة محدودة ولن تكون سبباً في العودة لمربع الحرب بين الشمال والجنوب، لأن الشريكين لديهما القدرة على حل القضايا العالقة والكثير منها تم حلها وتبقى القليل منها، والخلاف على الحدود بين السودان ومصر واريتريا وأثيوبيا لم يتم الحسم فيه بصورة نهائية، وما يجمع بين الشمال والجنوب أكبر من علاقته بهذه الدول، واستبعد في أن يقود الخلاف إلى العودة للحرب. وكيف يتم التوافق على أسس قسمة المياه؟ -إدارة المياه ضمن الأمور التي ورد ذكرها في قانون الاستفتاء التي ينبغي على الطرفين أن يشرعا لإيجاد حلول بشأنها، قبل أن ينشطر السودان إلى دولتين، ولدينا التزامات بموجب اتفاقيات سابقة، وإذا حدثت تداعيات والجنوب صار مستقلاً سياسياً، سيكون ملزماً بموجب الاتفاقيات السابقة . مقاطعاً.. هل يتطلب الأمر إعادة توزيع حصة مياه النيل الواردة في اتفاقية 1959 مع الأخذ في الحسبان أن الجنوب لايحتاج للمياه إلا لأغراض الطاقة لغزارة الأمطار وطول موسم الخريف؟ -منفعلاً.. نعم كميات الأمطار غزيرة في الجنوب ومسألة تقسيم المياه بين الشمال والجنوب لن يكون فيها مشكلة والأمر يتطلب مشاركة مؤسسات دولية ذات صلة وانعقاد مؤتمرات لدول حوض النيل كلها، ولن يترك الأمر للسودان الشمالي والسودان الجنوبي لوحدهما وبالتالي سيكون الاتفاق دولي، طبعاً باعتبار أن النيل هو أحد الموارد الطبيعية والتراث المشترك للبشرية كلها. هناك أسماء رشحت لتسمية الدولة الجديدة في الجنوب منها دولة الأماتونج والنيل والسودان الجديد ما هو الاسم المتفق عليه أو الراجح؟ -اسم الكيان السياسي الذي سيظهر بعد أيام أو شهور سمعت كثيراً الناس يتحدثون عن الاسم والعلم والنشيد، وتحديداً فيما يلي الاسم هناك العديد من الساسة الجنوبيين والمحللين وأهل التاريخ رشحوا أسماء للدولة الجديدة من بينها، دولة الأماتونج وغيرهم قال دولة النيل وهناك من اقترح دولة كوش، لكن الاسم لم يحسم بعد، لأن هذا اختصاص الإدارة السياسية للجنوب، و سيسترشدون بالتراث والموروثات الشعبية، والغالب أن أهل الجنوب والمثقفين أصروا على ظهور اسم السودان في الاسم الجديد لدولة الجنوب، سواء أضيف له الجنوب أو أي مدلول جغرافي آخر وهناك آراء نشاز تقول إن اسم السودان لازم يذهب ويختفي وفيه اجترار للماضي غير السعيد، ولكن كلمة السودان من السود وقواميس اللغة العربية تقول «سودان على وزن فعلان». ü ما هي الإرادة السياسية التي تحدد اسم الدولة والنشيد الوطني للدولة والعلم، هل هي الحركة الشعبية؟ -منفعلاً.. لا.. ولا ليست الحركة الشعبية، أرى أنه من الضروري تقديم مسابقات للمبدعين في مجال التراث الشعبي والموروث الثقافي ويتم تكوين لجنة عليا للنظر في هذا الأمر، ولابد أن يعكس التنوع العرقي والثقافي والتاريخ وجغرافية وموارد البلد. ما هي ضمانات سيادة حكم القانون والاحتكام للشعب وهناك حديث على أن الجنوب يدار في العهد الثوري للحركة خلال الست سنوات الماضية بالحديد والنار والاحتكام لصناديق الذخيرة بدلاً من صناديق الاقتراع؟ -انفجر ضاحكاً.. والله يا أخي أسامة إنه من الطرائف أن تسمع هذا الحديث، ولكن دعنا نقر ببعض الحقائق لأن الحديث بالتجرد «كويس» والناس فعلاً وصلوا لوصف حكم الجنوب بالعبارات التي ذكرتها والسلاح والحديد والنار لمرحلة تحول من عسكرية وتغليب الروح الفورية، ولكن هذه الفكرة بدأت في الزوال من أذهان الناس. ماذا تتوقع من تطور في أسلوب الحكم بالجنوب؟ -التحول تم والانتقال تحقق من الصيغة العسكرية إلى الإدارة المدنية والعمل السياسي الراشد، والدليل على ذلك بروز المؤسسات خلال المرحلة الماضية، والفلسفة الثورية والشعارات أثناء النضال لابد أن تسود في تلك الفترة للمحافظة على تماسك وحدة صف الحركة . هل تتوقع مشاركة أحزاب معارضة للحركة في حكومة الجنوبالجديدة بعد الانفصال؟ - نعم نحن كحركة شعبية نؤمن بالتعددية السياسية.. مقاطعاً.. هذا حديث نظري؟ -لا «معليش» دعنا ننتظر لنرى التطبيق، لكن كفلسفة لأسباب النضال الحريات للجميع، وأنا في تقديري لن يكون هناك قمع للمواطنين ومصادرة الحريات، والبرلمان الحالي لجنوب السودان فيه حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة لام أكول. لكن هناك حديث عن وجود اعتقالات في الجنوب؟ -الاعتقالات منظمة بقوانين ولا توجد حريات مطلقة في العالم، وإذا خرج شخص على القانون لابد من تدخل للسلطة. لكن الاعتقال والقوانين تقيِّد الحريات؟ -الاعتقال ضرورة تمليها الضرورة للحفاظ على أمن ومصالح الدولة العليا. هل تتوقع إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في الجنوب ليشاركوا في إعمار الجنوب وتأسيس الدولة الجديدة؟ -لا علم لي بوجود معتقل سياسي، وما أعرفه وفقاً لقانون الجيش هناك قيادات في الجيش الشعبي دخلوا الحياة السياسية وظلوا ملتزمين بقوانين الجيش الشعبي، وفي هذه الحالة يكون الاعتقال بقانون ولأسباب موضوعية، ولكن لاتوجد معتقلات لسياسيين إلا أن هناك أشخاصاً يدعون أنه تم اعتقالهم.