ذاع صيت الدكتور نافع علي نافع مستشار رئيس الجمهورية على نطاق واسع، بوصفه الشخصية السياسية الأولى المصادمة في تركيبة الإنقاذ الحاكمة، وقد ظل يطلق -على الدوام- ألسنة من لهيب على رموز المعارضة والقوى الخارجية في جميع محطات الاشتباك مع حزبه، وهو يتوكأ على نشوة غامرة باحساس السلطة وربما العناية الإلهية. دلالات اللغة السياسية العنيفة والحارقة في منهجية الدكتور نافع تنتصب كعود غاب لاتثنيه الرياح تترك وراءها أرتالاً هائلة من الاحتجاجات والرفض من قبل الخصوم وهم يضربون كفاً على كف، يتحسرون أمام نوعية تلك المفردات وغياب لغة البلاغات المطلوبة!!. وهاهو الدكتور نافع يهاجم بضراوة المسيرة الاحتجاجية للمعارضة في الأيام الفائتة، محذراً كل من يخرج بأن(يأكل نارو) مبيناً أن العناصر العلمانية واليسارية سوف تدفن في القبور بعد نتيجة الانتخابات، وقبل ذلك وصف القوى السياسية المناوئة بفاقدي البصر والبصيرة. ومن فرط عشقه للمنازلة تحسب أن الدكتور نافع يحلم بتدمير المعارضة إلى حد كبير، ويتخيل أنها تحمل بركاناً في وجه المؤتمر الوطني!. أما القوى الخارجية المعادية للحكومة، فقد ظل الدكتور نافع يمثل الصوت العالي المناهض للغرب وأمريكا، فهو صاحب عبارة (لحس الكوع) عندما حاولت واشنطن تمرير مشروع (الهجين) في اقليم دارفور الجريح!!. والدكتور نافع بغض النظر عن المناصب السياسية والتنفيذية التي يتقلدها فهو شخصية نافذة في السلطة، ويتخذ قراراته بشكل مباشر دون أن تكون ملفوفة بقفازات التدليس، ودائماً يقوم بدور المخرج وهو الرجل صاحب القرار في سلسلة الإنتاج السينمائي الذي يتحكم في كل شئ، ويوجهه على نحو ما يريد بكثير من العنفوان الرغبة، وواضعاً كل شئ في مكانه المرسوم. والبعض يرى أن الدكتور نافع يمثل المدرسة الاخوانية التي تنضح بأدبيات النهج السلفي، الذي لا يطمئن إلى جدوى الخيارات الليبرالية!!. وهنا يتبلور سؤال منطقي حول خشونة الدكتور نافع في الممارسة السياسية.. هل هي تكتيك أم استراتيجية؟؟ وهل الدكتور نافع خصم للمنطقة الغائمة والرمادية، ولا يعرف التمثيل والمناورة، وأن جذوره الجعلية تقف عائقاً أمام استعمال الكلمات الوردية !! وعلى ذات السياق تتبلور رؤية معاكسة تعتقد أن الدكتور نافع يؤمن بالاتجاهات الواقعية ومدرسة التفكير الحواري، وهو بذلك يستخدم التطرف والمواقف المتصلبة كوسيلة لفتح المسارات المغلقة في إطار اللعبة السياسية المواكبة. وها هو الدكتور نافع يؤكد بأن علاقة المؤتمر الوطني لن تصل إلى حافة الانهيار مع الحركة الشعبية مهما كانت الخلافات (آخر لحظة) بتاريخ 2007/11/18 م.. وفي زاوية أخرى يشير إلى أن عملية الانفصال ستكون لها نتائج كارثية على الشمال والجنوب معاً (الأخبار بتاريخ( 2009/9/19) وعلى صعيد القوى السياسية لا ينكر نافع أهمية التحاور معها حول القضية الوطنية (الصحافة بتاريخ (2004/7/26 م) وأيضاً نجد ذات المنهج يمارس حيال أمريكا ودول الغرب، وبقدر ما تشكل تلك اللغة والاشارات في جوهرها عوامل المرونة والانفتاح من الدكتور نافع في خط مغاير للأحاديث الغليظة، التي ظل يطلقها، فإنها تؤطر إلى معطيات تقوم على ركائز تتكون من احتمالين.. إما أن هنالك توزيعاً مدبراً للأدوار في المؤتمر الوطني، وأن كل قيادي يقوم بتنفيذ المهام المبرمجة أو أن الدكتور نافع يمارس تكتيكاً من خلال نزعته الاستعلائية يرمي إلى تضخيم المنظار الوردي لحزبه، وابراز قوته وصولجانه حتى يسوق الخصوم للاستكانة والشعور بالخوف. وفي المقابل ترى دوائر معينة بأن اسلوب نافع في تصويب الضربات الموجعة لخصومه السياسيين على غرار لسعات النحل، يدل على التأثر الواضح بروح المنازلة والمصادمة سيما قدرته على جعل الساحة السودانية تنشغل بتعليقاته الملتهبة ردحاً من الوقت، وأنه يرتكز على العقلية الأمنية في رسم خطواته التي غالباً ما تكون في الضفة المقابلة للعقلية السياسية!! وتعزز تلك الدوائر رؤيتها في التذكير بأن الدكتور نافع استحوذ على شهادة الإنقاذ بين الأصلاء بأنه صاحب القدح المعلى في تثبيت السلطة في الأيام الأولى، عندما كان مسؤولاً عن جهاز الأمن، وهو يطبق منهجية تأمين النظام يومذاك. ومن المؤشرات الأخرى أن الإسلاميين السودانيين عموماً، لا يحملون نموذجاً للحركات الاسلامية المتعصبة في التقيد بالإسلام المتعصب الدوغمائي، نتيجة لمؤثرات الواقع السوداني علاوة على محاولة المؤتمر الوطني الانفكاك من الأصولية الصارخة والزحف نحو ارتداء قميص الوسطية، حتى صار التنظيم أقرب إلى بوتقة قوس قزح دون التغاضي عن وجود العناصر الإسلامية، بوصفهم عظم الظهر للحزب.. ومن ثم فإن الدكتور نافع ربما لا يكون مخالفاً لهذه التركيبة. لكن نافع لم يكن ودوداً مع القطبية الوافدة وبعض دول الاتحاد الأوربي، وكان يحرص على تسميتهم بالاستعمار الجديد، وبذات القدر كانت تلك الدوائر تضعه على أجندتها في خانة الصقور داخل تركيبة الحكم. وعلى المستوى الشخصي تؤكد العناصر المقربة أن الإعلام قد لا يعكس صورته الحقيقية، وأنه يمتلك حساً عالياً للدعاية غير أن مفهومه للانفتاح والحوار ينطلق من ميزان القوة. وسواء اختلفنا أم اتفقنا حول خشونة الدكتور نا فع إذا كانت من قبيل التكتيك أم الاستراتيجية، فإن دقة الاستنتاجات يتوجب أن تكون متروكة للاستقصاء من المراقبين المحايدين.