بعد مرور أربع سنوات على اتفاقية الحكم الثنائي الانجليزي المصري على السودان أنشأت الحكومة الاستعمارية صحيفة السودان لتعبر عنها وتعلم عن سياستها ولتجفف دموع الأمهات والأباء والأبناء من فقدهم من الشهداء الذين حصدهم السلاح الناري الاستعماري باستخدامها وسيلة للعلاقات العامة لتوضيح اهداف الحملة . الحكومة الاستعمارية أنشأت هذه الصحيفة وكانت تعرف آثار الصحافة على الرأي العام من خلال التجربة البريطانية التى كانت حينها قد وصلت حرية الصحافة منتهاها بعد نضال طويل قاده مفكرو التنوير والمدرسة الليبرالية . ورغم أن هذه الصحيفة لم ترق سياستها ولا منشأها الى المواطن السوداني عند بداية صدورها إلا أن تأثيرها لايمكن تجاهله أو على الأقل فتح عين السودانيين على أهمية اصدار صحيفة وطنية بعد أن كانت الفئة المستنيرة منهم والمتعلمة تطالع الصحافة المصرية وحتى الصحافة البريطانية . عند التاسع من يوليو القادم ستعلن حكومة الجنوب ممارستها الرسمية لسيادتها على أراضيها وسيكتمل هيكل الدولة والحكومة وستبحث عن صحيفة يجتمع حولها مواطنوها ولكنها ستجد صحافة نخبة فقط صحافة قامت فى الخرطوم واعتمدت عليها فى كل شئ حتى فى تحريرها الذى يعكف عليه فى غالبه صحفيون شماليون وفى عملياتها الفنية من تصميم واخراج وطباعة أو تلك التى تأتيها من دول الجوار كينيا ويوغندا . ستبحث عن صحيفة لمخاطبة غالبية مواطنيها وسيعوزها ذلك فى الصحف القائمة وستبحث عن هذه الصحيفة فستجد ان بنية الصحافة الأساسية البشرية والفنية غير متوفرة أو محدودة فى أحسن الاحوال. بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل زرت جوبا والتقيت برئيس نقابة الصحفيين فى الجنوب الذى بين المشكلات التى تواجههم فى عملهم الصحفى وكان أولها قلة عددهم إذ لم يزد فى تلك الفترة عن خمس عشرة صحفي وأن عملهم يقتصر على مراسلة الصحف الصادرة فى الخرطوم أو القيام ببعض الأعمال الصحفية المؤسسية فى جوبا . وفى زيارة أخرى التقيت الدكتور سامسون كواجي وكان حينها مسؤولاً عن الإعلام فى الحركة الشعبية وتناقشنا طويلاً فى مستقبل الصحافة فى جنوب السودان والرجل الذى رحل قبل مايزيد عن العام ورغم قلة كلامه وتحفظه فى التواصل الاجتماعي العفوى كان يرى ألا بد من قيام صحافة جنوبية محلية يكون لها كوادرها ومطابعها وقد حدثني حينها أن هناك اتفاق مع منظمة العون الكنسى النرويجية لاستجلاب مطبعة متقدمة لطباعة الصحف المحلية حتى تكون معبرة عن القطاعات الشعبية من الجنوبيين . وحتى مغادرتى موقعى فى مجلس الصحافة قبل مايزيد عن العام لم تدر ماكينات هذه المطبعة ولم تطبع صحف محلية وعملت جهات رسمية خلال الفترة الانتقالية لتأهيل صحفيين جنوبيين محليين من خلال دورات تدريبية صحفية وفقاً لأعمال اللجنة الإعلامية المشتركة إلا أن هذه الدورات لم تنعقد بل ولم يكن مرحب بها فى أوساط بعض المسؤولين بوزارة الاعلام بحكومة الجنوب . من المؤكد أن حكومة الجنوب اوفدت بعض الصحفيين لدورات تدريبية خارجية وعقدت دورات محلية بالشراكة مع بعض المؤسسات الصحفية والمنظمات الخارجية إلا أن كل هذه الاعداد لن تفى صحافة دولة وليدة تواجهها تحديات التأسيس خاصة وأن التحدي الأكبر هو اللغة التى ستصدر بها هذه الصحف هل هى الانجليزية كما «خرطوم مونتور» و «ذى سيتزن» و «ترييون » و «جوبا بوست» ام بالعربية كما « أجراس الحرية» . أم باللغتين العربية والانجليزية «Bilingual» أم ستصدر صحف محلية ببعض اللغات المحلية المكتوبة والى متى ستصدر هذه الصحف من عواصم الدول الخارجية الخرطوم ذ نيروبي ذ كمبالا . الواجب علينا وقبل نهاية فترة الانتقال وحتى بعده أن نسهم وبحكم الوطن والصداقة أن نتقاسم مع زملائنا بحكومة الجنوب هم قيام صحافة وطنية لاتقل وظيفتها عن مجالسها التشريعية والنيابية وقد تتعداها وتتقدمها .