الشباب هم عماد ومستقبل أي أمة.. وانفجار الاحتجاجات في الشقيقة مصر، كان الشباب- ولا زال- عموده الفقري، بعده انجذب إليه الأحرار من كل الفئات العمرية، وتجاوبت معه كل الأقاليم المصرية، بل إن كل العالم تابعه لحظة بلحظة.. تابع ذلك البركان الهائج.. وذاك البرود الظاهري للنظام، المرتعدة فصائله حقيقة.. تتالت الأحداث وشهدنا التسارع العكسي لتطورها... فبينما يتصاعد مؤشر اتساع حركة الشباب، تتهاوى على الجانب الآخر أركان النظام ومؤسسات حزبه الحاكم تحت معاول الاحتجاج السلمي الهادر، برغم مناورات النظام ومحاولاته امتصاص غضب الجماهير المتصاعد.. واحتواء ثورتها وشق صفوفها بتقديم بعض التنازلات تارة، وإقالة بعض رموز السلطة، والدعوة للحوار تارة أخرى.. معظم المحتجين يرفضون الحوار واشترطوا أن يرحل مبارك وسدنته أولاً.. مع حل كافة مؤسساتهم.. والبعض طالب بالمحاسبة والقصاص.. مبارك «مسمّر» على كرسي الحكم لا يسمع له صوت.. ويتمخض جبل صمته فلا يلد إلا عجباً.. وهو قوله إنه يخشى أن يتنحى فتعم البلاد الفوضى!.. (لا يا شيخ!).. ألم يرَ ويسمع ما لقيه هؤلاء المحتجون من جهاز أمنه وشرطته وسدنته والمنتفعين منهم؟.. ألم يسمع الرفض القاطع له؟ الرئيس مبارك ومعاونوه يشاهدون «مصر المحروسة» تكاد تتحول إلى «مصر المحروقة».. ولا يحركون ساكناً.. بل لعلهم يستمرأون ويستثمرون دوران الزمن.. ولا ندري ماذا في كنانتهم ليوجهونه صوب شعب أرض الكنانة.. ويقيني أنهم الآن في حال لا يحسدون عليه.. منذ اليوم الأول ل«هبة الكرامة» رأينا كيف تصدى لها النظام المذعور بوحشية.. حيث عمد إلى تفريقها بالضرب وبالقنابل المسيلة للدموع.. التبادل بقذف الحجارة.. ضخ الماء من خراطيم السيارات القاذفة لها.. وتطور إلى الرصاص الحي.. وسقوط الشهداء والجرحى.. وتطور السيناريو إلى الدهس بالسيارات المسرعة التي شقت صفوف المحتشدين في ميدان التحرير بسرعة فائقة.. هذه السيارات منها الدبلوماسية والإسعافية وغيرها.. فخلفت وراءها شهداء.. شاهدنا كذلك اختراق الحشود بواسطة خيالة وسمعنا بالإبل بلا وازع من رحمة. شاهدنا قذف كرات اللهب (المولوتوف) من أسطح العمارات المطلة على ميدان التحرير، ميدان الثورة، حقل الغضب. أيضاً كان بلا وازع من ضمير.. ويستمر سقوط الشهداء والجرحى.. وواتتنا الفضائيات بالشريط المصور في الإسكندرية يوم 28/1 لذلك المواطن الأعزل وهو يمشى متئداً فاتحاً (جاكيته) في تحدٍ لمجموعة نظامية على الجانب البعيد المقابل للشارع وهم يختبئون في زاويته.. وبينما كان يستدير راجعاً.. إذا بأحدهم- وبدم بارد، ولدهشتنا جميعاً - يطلق الرصاص على المواطن ويرديه قتيلاً.. ونسمع صرخات أنثوية مذعورة مع اهتزاز للصورة (الكاميرا).. ولعل من كانوا يصورون المشهد، لم يكونوا- مثلنا- يتوقعون هذه النهاية المأساوية الوحشية الفظيعة، والتي لم نشاهدها إلا في أفلام الكاوبوي في الغرب الدامي عند صائدي الجوائز!!.. وبرغم كل ما ذكرنا.. فإن الغضب يزداد ويتصاعد الصمود الطاغي.. وتزداد أعداد الغاضبين.. لأن أهدافهم وسطوع قضيتهم ومطالبهم من أجل الحرية والكرامة.. قد وضحت للجميع.. والرسالة وصلت حتى أولئك الذين (يمشون جنب الحيط) كما يقولون هم وأكدوها صراحة (لا رحيل عن ميدان التحرير قبل رحيل النظام).. وهكذا تنتظم الاعتصامات والتظاهرات وقوافل الشهداء باقي المدن المصرية.. بل ظلت ترفد ميدان التحرير بقوافل الأحرار منها رغم إيقاف النظام لوسائل المواصلات كالقطارات والبصات السفرية.. لكنهم يفدون.. ومن وسط كل هذا الذي ذكرنا لم تنقشع الغيوم بعد عن ماذا بعدرحيل النظام؟.. فلم نسمع عن حكومة ظل أو اتفاق باطلاع الحكماء هم أو مع غيرهم بإدارة شؤون البلاد حتى لا يحدث فراغ دستوري أو سياسي.. ولا زلنا نسمع أن الجيش محايد.. فهل سيظل محايداً أم سيغتنمها فرصة للتدخل وحينها ستكون الطامة الكبرى.. وقد يزيد من غليان أتون الثورة... ونسأل الله أن تنحو الأمور إلى ما فيه خير مصر وشعبها. بقي أن نذكر أن هؤلاء الشباب لفتوا الأنظار وبوعي عظيم إلى إشراقات عديدة ومنها حماية مناطقهم وتضامنهم ونبذ الفوارق الدينية والسياسية والطائفية والانتمائية. لقد شاهدنا حدثاً ملفتاً هو عقد قران الدكتور أحمد سعفان على الآنسة عُلا عبد الحميد.. فكانا«إسعافاً وعلواً».. وقدما رسالة إلى النظام أن الإبادة لم ولن تفلح.. من وسط العرق والحريق والدخان والرماد.. ينتفض الطائر الفينيقي الخرافي مؤذناً بميلاد عهد جديد ممثلاً في إبداعات وإدراك واستمرار حيوية هذا الشباب الذي عمل ما لم يعمله رجالات الأحزاب.. عقد القران في ميدان التحرير في هذا المنعطف الخطير، إعلانٌ بأن الحياة تسير نحو إشراق ونور.. ودمتم منصورين يا أبناء جمال عبد الناصر