نعم.. ربما أصبح (العقيد) الليبي ما بين غمضة عين وانتباهتها هو (الفقيد) الليبي.. والفقد هنا فقدان إما (فقيد) بمعنى راحل إلى العالم الآخر، أو بمعنى أنه مفقود بعد أن يكون قد غادر مخبأه المحصن في منطقة ومعسكر (باب العزيزية) حال محاصرته هو وأعوانه من ثوار ليبيا. سألني قبل نحو أسبوع زميلي وصديقي الأستاذ عبد العظيم صالح عما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا بحكم معرفتي بها وخبرتي في العيش على أرضها لعدة سنين، وهو ممن يحسنون الظن بالتحليل الذي أقوم به للأحداث بناء على المعلومات والخبرة في التعامل. قلت للأستاذ عبد العظيم صالح إن العقيد معمر القذافي يعاني من ثلاث مشاكل شخصية مركبة أثرت على تصرفاته وقراراته، وأولى هذه المشاكل هو أنه مريض بداء العظمة ويحب لفت الأنظار نحوه ويسعى لأن ينال قدراً عالياً من التقدير- غير المستحق- وينال حجماً أكبر من حجمه، مثله مثل «هتلر» و«ستالين» وغيرهما من الطغاة. أما المشكلة الثانية فهي (العناد) وانفراده بالقرار، وعدم استعانته بالغير للتشاور مهما كانت خبراتهم ومعارفهم وقدراتهم، لذلك لم يعد إلى جانبه إلا الضعفاء الذين يُؤمِّنون على كل ما يقول به، حتى وإن كان عين الخطأ..(!) وهنا تكمن المشكلة الأكبر إذا وقعت الواقعة، حيث لا يجد الناصح الأمين، بل يجد أن بناءه البشري المحيط به آخذ في التهاوي والتلاشي والزوال. أما المشكلة الثالثة فهي الجبن والخوف، لذلك يحاول دائماً أن يظهر بمظهر الرجل الشجاع الذي لا يهاب شيئاً ولا يخاف من أحد أو شعب أو ضمير، وهو صاحب الشعار (المقدس) كما كان يقول، وهو (طظ طظ في أمريكا)، إلا أنه وبعد الهجوم على حصنه الحصين بالطائرات فرّ إلى الصحراء وغاب إلى أن هدأت الأحوال.. وهو الذي- كما تقول عنه الروايات في ليبيا وغيرها- صفى زملاءه الواحد تلو الآخر بتدبير حوادث غامضة.. ولا نستبعد الآن أن يكون قد فعل فعلته القديمة مع آخر من تبقى له من زملاء الأمس وأصدقائه ونعني اللواء أبو بكر يونس الذي لم يظهر منذ الأحداث ولم يسمع له أحد صوتاً. قلت للأستاذ عبد العظيم صالح إن العقيد معمر القذافي سيواجه مصيراً يكاد يكون معلوماً لكل من اقترب من (ملف) العقيد القذافي الذي هو (الملف) الليبي.. فالعقيد لن يصمد لأكثر من أيام قليلة وستتهاوى حصونه الواحد تلو الآخر.. وينسحب عنه الأقربون بحيث لا يبقى معه إلا قلة قليلة مكونة من أبنائه وبعض الأقارب والمقربين.. وسوف يحدث الانهيار غالباً إما يوم (الأحد) أو (الاثنين) والله أعلم، لكن مصير العقيد سيكون إما بتصفيته من قبل الثوار في مواجهة دامية يحاول فيها الهرب من مصيره المحتوم، أو بتصفيته من قبل أحد مرافقيه بعد أن يهرب ومعه أتباعه إلى الصحراء لقيادة المقاومة من هناك.. أو بالموت حسرة وصدمة نتيجة لما لم يكن يتوقعه أصلاً.. اللهم انصر الشعب الليبي الحر، وادحر أعداءه ومكنه في الأرض طالما كان ينشد رفع راية: (لا إله إلا الله.. محمد رسول الله).