قبل ساعات من إغلاق باب الترشيحات لمنصب والي جنوب كردفان، فاجأ الجنرال تلفون كوكو أبوجلحة الجميع وتقدم ثلاثة من قيادات الحركة الشعبية بترشيح الجنرال تلفون بصفة مستقل مشفوعاً بتزكية ثلاثة عشر ألفاً من أبناء وبنات جبال النوبة في ثالث ترشيح بعد الشريكين (هارون والحلو). المرشحين لمنصب الوالي بعد سنوات من شهر العسل السياسي الذي جمعها في قيادة شراكة بين الوطني والحركة الشعبية، كانت تسير على حافة الهاوية دون السقوط في قاعها، ومضت سفينة هارون والحلو تمخر عباب الجبال رغم كثرة ثقوبها لترسو عند ميناء الانتخابات الذي سيشهد معركة انتخابية وقودها أربعة رجال، كل اثنين منهم كانا تحت عباءة واحدة ولكن (فرقتهم الأيام) كما فرقت السياسة بين معاوية وعلي، وبين الصادق المهدي وعمه أحمد، وبين د. الترابي ونائبه علي عثمان.. وفي انتخابات جنوب كردفان سابقة في التاريخ يكتب وقائعها مواطنون (آثروا) ترشيح تلفون كوكو وهو بعيد عن كادوقلي وتلودي، يقبع في غياهب سجون الحركة الشعبية، يصبح الصباح وسياط جلاديه تقرح ظهره، ويمسى على وقع الأحذية الثقيلة التي تطأ كل كرامة وشهامة، بينما رفيق دربه السابق وزميل كفاحه عبدالعزيز آدم الحلو في نعيم السلطة يقيم الليل والنهار وثنائية (فرقاء اليوم) أخوان الأمس، تشكل حضوراً في المسرح السياسي، حيث يخوض مكي علي بلايل أحد قيادات الحركة الإسلامية ورهاناتها بعد رحيل موسى علي سليمان أصبح منافساً لصديقه مولانا أحمد محمد هارون، وكلاهما من جيل الوسط في الحركة الإسلامية.. ومن مدرسة الواقعية السياسية.. ولكن الأيام بين الناس دول،من سره زمن ساءته أزمان.. فقد وضعت الانتخابات هارون في وجه مكي بلايل وكلاهما ينشد الأميرة الحسناء التي تذهب بالعقول.. وسلطة الوالي في وطن وولاية وإقليم استفحل مرضها وتعددت وصفات علاجه، وغالبها كان الفشل مصيره!! تلفون من غياهب الجب وضع الجنرال تلفون كوكو وأنصاره وأتباعه وعاشقو ذلك الفتى صارم القسمات، وضعوا الشريكين في مأزق أخلاقي، فكيف يرتضي هارون منافسة ومقارعة منافس مصفد في الأغلال، معصوب العينين محروم من رؤية حتى منافسه في حلبة النزال، وكيف لمفوضية الانتخابات أن تسمح لنفسها بإجراء انتخابات يفترض فيها العدالة والمساواة وأحد المرشحين محروم من رؤية زوجته، قعيداً في سجون الحركة الشعبية دون حق الحياة وحق المحاكمة حتى لو كانت ظالمة!!.. وهل للجنرال عبدالعزيز آدم الحلو أن يجهر بالحق ويسعى لمرؤوسيه في جوبا من سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب، وحتى أصغر شاويش في استخبارات الحركة الشعبية لإطلاق سراح تلفون كوكو حتى ينال حق المنافسة في ولاية أو منطقة في سبيلها حمل السلاح لأكثر من خمسة عشر عاماً، وحينما أصبح الصبح وأضاء فجر السلام ظلامية جبال النوبة، أودع تلفون السجون ولم يجد عطفاً من المؤتمر الوطني، ولم تشفع له سنوات نضاله من أجل المنطقة.. تخلى عنه اللواء خميس جلاب ودانيال كودي وآثر الفريق جلال تاور مصالحه، ودفن محمد إبراهيم بلندية جزءاً من ريشه في رمال المجلس التشريعي واختار مركزو الصمت، وسخّرت الحركة الشعبية صغار كتابها لينهشوا في جسد تلفون كوكو الذي لا نملك غير دعمه معنوياً بآيات من لطائف ورقائق الحاردلو.. الخبر الأكيد تلفون متربس جوه ما بنتخلى عنك حتى إن بقت في هوه ساعة الدرك ما بننسى شرط الخوه وكبّاس للدهم وقت البقول يا مروه!! ü نعم من حق تلفون أن يصرخ في وجه الجلاد والسجان، ومن حق أهله وعشيرته حمله على الأكتاف في معركة الانتخابات التي وضعت الحركة الشعبية شروطاً مسبقة قالتها بوضوح إذا فاز عبدالعزيز الحلو فالانتخابات حرة ونزيهة، وإذا فاز أحمد هارون فهي مزورة ومضروبة ولن تعترف بها الحركة الشعبية، وتلك لعمري ديمقراطية جديدة ومفاهيم حديثة لحزب تاريخه في النضال السياسي لجد بئيس، ولكنه بدروب السلاح خبير.. فهل يغلب تلفون الطاولة على الجميع من مرقده في سجون الحركة الشعبية؟.. أم تصبح إنجازات هارون ونجاحاته في التنمية والعمران وحب الناس مقعده للولاية القادمة؟! وهارون رقص مع النوبة «الكرنق »ولبس السكسك حتى أضحت الولاية أو الإقليم كما يحلو للبعض تسميته.. كما سالمت فيه البغاث الجوارح وكفت عن البهم الرتع الذئاب وأحبته كادوقلي لأنه دعم فريق الهلال وبنى إستاد مرتا، وشجع المصارعة وعانق أصحاب النعل المقدودة، ولكن السياسة وأقدارها وتصاريفها وأحكامها تجعل من بلايل خصماً لهارون، والحلو خصماً لتلفون.. وبترشيح بلايل أضحى التحالف منشطر الفؤاد بين بلايل والحلو وحزب الأمة حائر بين قاعدة تقف مع هارون وقيادة معجبة بالحلو.. هل أشقاء البشير حراسه؟! عبارة تبخيسية صغيرة وردت في إجابة مولانا أحمد إبراهيم الطاهر في حديثه لصحيفة التيار الأسبوع قبل الماضي، انتزعها الأستاذ عثمان ميرغني من فم رئيس البرلمان وهو يجيب على سؤال الفساد في الدولة، ثم سؤال عن فساد لأخوان الرئيس!! كانت إجابة مولانا الطاهر تبخيسية لتصرف الصحافي عن القضية، وذلك بقوله «سمعت أقاويل»، ولكن عثمان ميرغني جعل من (الأقاويل) قضية تمددت وسلخ كتاب الأسافير جلد الناموس ما بين مروج وساعٍ لتشويه صورة الرئيس الذي يتعرض منذ فترة ليست بالقصيرة لمحاولات اغتيال معنوي وسياسي.. وأثير من قبل خبر (مدسوس) في ثنايا أخبار السودان عن حساب للرئيس البشير بأحد المصارف البريطانية وتم نفي الخبر من المصرف وبدأ الحديث عن ثروة الرئيس وأخوان الرئيس لخوض معركة سياسية تهييء الشارع لغضبة عارمة على الرئيس ونزع صورة الرئيس التي ألفها الشعب السوداني ومن أجلها التف من حوله الملايين وانتخبوه أميناً على الدولة لخمس سنوات قادمات، وحينما تصوب الاتهامات للرئيس وأشقائه فإن غالب كُتاب الساحة ينأون بأنفسهم عن معركة الدفاع خوفاً من أن يطالهم الاتهام بالملق إلا استثناءات كالأستاذ محجوب فضل بدري أحد المخلصين الأوفياء للإنقاذ والرئيس، وكمال حسن بخيت الذي يقاتل من داخل حجرات البيت الرئاسي الكبير!! غلطة اللواء عبدالله البشير اللواء طبيب عبدالله حسن أحمد البشير الذي خاض انتخابات رئاسة نادي الهلال وفشل في الوصول لقيادة النادي تحت كنف مجموعة الكاردينال، تمت (جرجرته) لفخ الإعلام بوعي من طرف وبحسن نية كما بدا من جهة اللواء عبدالله ليتحدث في قضايا سياسية وأسرية ساهمت إجاباته في تمدد هامش القضية المصنوعة، وقصة عبدالله البشير في انتخابات الهلال تمثل الوجه المضيء لديمقراطية السودان، فالرئيس عمر البشير (هلالابي) يتفطر قلبه لهزيمة الأزرق وحينما خاض شقيقه الانتخابات ضمن قائمة رجل الأعمال الثري أشرف الكاردينال الذي ينتمي سياسياً للحركة الشعبية، ويملك من الثرورة ما يجعله مؤهلاً لقيادة نادي الهلال. اختار شقيق الرئيس من أجل إسناد ظهره وحمايته، ولو أشار الرئيس بيده في جلسة أسرية دعماً لشقيقه عبدالله البشير لأصبح اليوم نادي الهلال يقوده الكاردينال وعبدالله البشير، لكن الرئيس لاذ بالصمت وظل يراقب الأحداث كأنها تجري في بلاد البلقان وليست العرضة شمال، وسقط شقيق الرئيس في انتخابات نادي الهلال.. وهل تستطيع عضوية نادي الاتحاد جدة إسقاط شقيق الملك.. وهل بمقدور نادي في يوغندا حرمان شقيق موسيفيني من رئاسته.. وحتى أوباما في الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا أقدم شقيقه على خوض الانتخابات في أي من الولايات سيحقق الفوز المبتغى والمرتجى.. إلا السودان سقط شقيق الرئيس ولا تصدر قرارات من الرئاسة تجمد انتخابات النادي، ولكن عبدالله البشير انزوى بعيداً بعد انتخابات نادي الهلال ليتحدث أخيراً في السياسة كأنه الأمين السياسي للمؤتمر الوطني في سياق الدفاع عن النفس والأسرة والرئيس، واللواء عبدالله حسن أحمد البشير ليس فتحي شيلا ولا د. كمال عبيد حتى يتصدى إعلامياً لحملة خطط لها ودبر لها لجر الرئيس وأسرته لمعركة انصرافية في الصحف والشبكة العنكبوتية واستغلال غباء الإعلام الذي يفترض تصديه للحملة.. ولكنه اختار إما الصمت المريب أو الدفاع العشوائي على طريقة أثير توماس في مباراة القمة الأخيرة!! هل يحق لضابط في الخدمة مهما بلغ من الرتب الرفيعة والصلة الوثيقة بقيادة الدولة، الحديث لأجهزة الإعلام كما تحدث اللواء عبدالله البشير؟ وهل ثمة جهة في الدولة والقصر الرئاسي هي من يحدد من يتحدث باسم الرئيس وأسرته؟..أم المسألة يحددها أشقاء الرئيس يتحدث عبدالله عن أخيه العباس الذي لا يعلم الشعب السوداني عنه شيئاً وعن نشاطه التجاري إلا جملة وردت على لسان اللواء عبدالله البشير.. والسودانيون غير معنيين بشقيق الرئيس المغترب في بريطانيا.. ولكن الشعب السوداني بوعيه وحصافته يعلم نزاهة البشير وعفة يده.. ومن أسرة الرئيس صحافيون يسألون ثمن جالون الوقود، أقرب الصحافيين للرئيس ابن أخته صالح محمد علي الذي يعمل موظفاً في شركة زين ، وراشد عبدالرحيم الذي أسند إليه أخيراً رئاسة تحرير صحيفة الرائد، وكمال حسن بخيت وسلوى حسن صديق والصحافي محمد لطيف وعثمان عبدالرحمن في الصحافة الرياضية، فهل ظهرت على هؤلاء مظاهر ثراء؟.. وهل يصغى إليهم الرئيس ويدخلون القصر وبيت الضيافة كأسرة.. أم لا فرق بين هؤلاء وعادل الباز ومحجوب محمد صالح؟ ولا يحق للواء عبدالله البشير قيادة حملة دفاع عن شقيقه البشير الذي تدافع عنه سيرته وحزبه والصحف الوطنية والأقلام المنصفة!!