والفوضى في اللغة هم الذين لا أمير لهم ولا من يجمعهم.. قال الأَفْوَه الأوْديُّ.. لا يصلح القوم فوضى لاسُراة لهم ولا سُراة إذا جُهّالهم سادوا والتفويض رد الأمر وفي الحديث فوَّضت أمري إليك.. أي رددته إليك.. والمفوضية مستوى من مستوى الحكم والإدارة عندنا.. والمفوضيات ظهرت بعد تنفيذ اتّفاقية السلام الشامل ثم اتفاقية أبوجا لسلام دارفور.. ولكثرة المفوضيات والمفوضين بالتالي لا يكاد الناس يذكرونها إلا لماماً كلما جاء ذكر الدستور أو الانتخابات أو العون الإنساني.. بيد أن مفوضية أراضي دارفور أمر مختلف.. ومفوض المفوضية أو رئيسها المهندس آدم عبد الرحمن أحمد المتخصص في هندسة البترول رجل مختلف.. فهو يقود فريقاً من الشباب والكهول الوطنيين والأجانب بحنكة واقتدار في حركة دؤوبة لتكييف الرؤية الإستراتيجية لتحقيق رسالة المفوضية وتنفيذ المهام الجسام التي تقع على عاتقها حتى بلوغ غاية السلام الاجتماعي المستدام في ربوع دارفور بتنوعه الثقافي الاجتماعي والاقتصادي السياسي والجغرافي. يقول الباشمهندس آدم في افتتاحية كتاب الإطار الفكري لمفوضية أراضي دارفور: «اكتسى هذا العمل في جزئياته وكلياته بحماس الفكر العقلاني الرشيد لنفر كريم من العلماء والاختصاصيين والمهنيين من أبناء السودان غايتهم إنقاذ دارفور التي ظلت تحترق بسبب التهميش والخلل التنموي المريع في ظل إهمال المركز التاريخي من خلال تطوير وتحديث إحدى عناصر بؤرة الصراع «أسس استخدام الأرض وشح الموارد الطبيعية» ليؤسس على منهج الفكر القويم والسلوك المتحضر لإنسان دارفور في تعامله مع البيئة والموارد المهولة التي وهبها المولى عز وجل لدارفور». وفي ختام افتتاحيته يقول «إن الإطار الفكري للمفوضية ليس خاضعاً لأي شرط إلا شرط المشروع نفسه ودقة معالجته ومبلغ فائدته لا بهدف إرضاء مواطن دارفور وتنوع إثنياته فحسب.. بل بهدف فتح قناة للتحاور المستمر معه وخلق علاقة ودودة بين المفوضية وجمهور النازحين والرعاة والمزارعين وغيرهم من خلال عقد ثقافي لا يقوم الاحترام فيه على الاتّفاق والاختلاف بقدر قيامه على احترام الرأي وطرح العروض والبرامج الهادفة والسياسات الراجحة التي سوف تقابل بسعة الصدر والترحاب وصولاً لعقد اجتماعي دارفوري مثالي ومعافى كما كانت عليه عبر تاريخه الطويل». ومثلما يتنوع مناخ دارفور بين المناخ الصحراوي وشبه الصحراوي والسافنّا الفقيرة والسافنّا الغنية ومناخ البحر الأبيض المتوسط في منطقة جبل مرة.. والسهول والهضاب والجبال والغابات والوديان والأحواض المائية السطحية والجوفية.. بتنوع إنسانها وألسنتها وأولوانها وثقافاتها وخبراتها.. ستة ملايين وتسعمائة وخمسة وسبعون ألف وستمائة وخمسون نسمة «650.975.6» حسب تعداد 2006م.. وهذا يمثل ما يقارب العشرين بالمائة من سكان السودان حوالي «3.19%» ولديهم «250.30» ثلاثون مليون ومئتان وخمسون ألف رأس من الماشية تتزايد سنوياً بمعدلات ملحوظة وهو ما يشكل بالمقارنة مع التدني الملحوظ في الموارد الطبيعية والبنية التحتية ضغطاً عالياً يستوجب إعادة النظر في السياسات والأنماط التقليدية لتربية الحيوان وذلك باستحداث بدائل تقنية وعلمية مدروسة تقود إلى تنمية هذا القطاع المهم المرتبط بالسلم الاجتماعي المستدام في مستقبل دارفور. رؤية مفوضية أراضي دارفور.. وطن آمن مستقر ومزدهر في إطار السودان الديمقراطي القائم على الأمن الشامل والتعددية السياسية والاستغلال المتوازن والمسالم للموارد، والتوزيع العادل المتكافيء للخدمات مع التعايش السلمي وسيادة حكم القانون. الرسالة تحقيق عنصر السلام الاجتماعي مع استدامة التنمية وذلك بتقنين الحقوق.. وتنمية الموارد وإشاعة استخدامها.. توطين النازحين واللاجئين. تعديل وتطوير القوانين بمراجعة الأعراف والموروثات ذات الصلة بالحقوق التقليدية والتاريخية بما يمكن دوائر التحكيم وهياكل ووحدات إدارة الأراضي والموارد الطبيعية من النهوض بالتنمية المستدامة ومعالجة مشاكل التدهور البيئي وفض النزاعات.. لوقف النزوح والهجرات المستمرة.. وتخفيف حدة الفقر. إن إنجاز مفوضية أراضي دارفور قطع شوطاً كبيراً ولو توقف عند وضع الإطار الفكري لكفاه. لكن المفوضية تضع لكل السودان وليس لدارفور وحدها منهجاً متكاملاً يصلح تطبيقه بعد توفيقه على كل حالة من حالات الولايات المختلفة فهناك الأعراف والتقاليد والموروث الثقافي. وكيفية حيازة الأرض.. والإدارة العرفية للأراضي والموارد الطبيعية وما ينشأ من نزاعات وتدهور في البيئة وما يتبعه من تعقيدات في استخدامات الأراضي وهكذا. إن من يعملون في صمت يعيدون الأمل في حياتنا بأن «أمتنا في خير» وأن زوابع الساسة وسياستهم لن تقتلع هذه الجذور الراسخة في عمق أرض بلادنا ونفس أهلها. التحية لمفوضية أراضي دارفور وللمهندس آدم عبد الرحمن أحمد ولشبابه الهميم ولدفء العلاقة وحيوية التواصل مع أفرادها ومع مجتمع دارفور الذي تعمل له وبه من أجل مستقبل أفضل وحتى تقول دارفور وداعاً أيها السلاح.. وهذا هو المفروض..