عجبت لاقتصاد أقطابه ورواده وصنّاعه الحديثون وركّاب قطاره المفتخر وهم يتنادون بالتحرير صباح مساء ثم هم لا يستطيعون ولا يطيقون الآخرين إذا ولجوا ساحة التحرير!! عجبت لاقتصاد يُقال إنّه حَّر وحداة ركبه - ليس كلهم بالطبع - يفشلون في جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية إلا في مجالات غطّت شوارع المدن الكبيرة والصغيرة وكأننا بلد قحط جرداء من لوازم ال«كلو وأشربو». التي جاءتنا من الخارج فنعمنا وسمنّا وتسممنا وجعلنا الطبخ فناً بيننا، إنّه الغزو المبطن لتوجيه اقتصادنا ليكون هكذا، ولكن حديثي هذا لا يمنع وجود إشراقات اقتصادية صناعية لنا وقفة معها إن شاء الله. يزداد عجبي وحيرتي عندما يشار لوقوف اقتصاد فئوي حجر عثرة في طريق اقتصاد قومي عاتي ، عارم ، مدروس ويقوده الأساطين، بل ويُقال إنّ هذا الاقتصاد الفئوي سيتحول من حجر عثرة إلى زلزال وبراكين تُدمّر كما يشاع البنية التحتية لاقتصاد الدولة. والأمر هكذا لابد من وقفة لمراجعة اقتصادنا وماهيته، أين مثلثات برمودا التي تبتلع سفن اقتصادنا؟، أين علماؤنا ولماذا عجز فكرهم عن فك طلاسم عجز اقتصادنا؟، أهو في بعض المؤسسات الفئوية أو العامة والتي قامت تحت سمع وبصر الدولة والاقتصاديين بل إن بعضهم أداروها ووضعوا الأسس والقواعد لها ونشهد لهم أنّهم لم يضعوا في قاعدة البناء ما يمتص الزلازل أي أنها ليست فوق الزلزلة القانونية ولا حماية لها من اللافا البركانية. في مقال سابق تعرضت لاقتصاد الاستقلال وما بعد الاستقلال جيلاً ونهجاً، جيل استطاع أن يُسيّس الاقتصاد ويوجهه الوجهة الصحيحة بتفانيهم ونكران ذواتهم وبعد النظر في أحكامهم واستمكان واستكشاف الاستثمار والمستثمرين وفتح الشهية لهم بضوابط معقولة لا مطالب مهولة فا نفتح أفق الاستثمار الداخلي والخارجي، لقد رغّبوا الخارج وشجّعوا الداخل ولم يشجّوا رأسهم. لقد كان في اقتصادهم زيادة المليون جنيه في الدخل القومي تتنزل خيراتها وبركاتها على الصحة والتعليم وحتى الرياضة التي كنّا نبز فيها العالمين العربي والأفريقي والأوروبي كمان. لقد طالت الخصخصة كل شؤون حياتنا العامة، وحتى الخاصة أصبحت فيها خصخصة إن لم تكن خشخشة، ولا أُفسّر! فحيثما قادتك قدماك أو لمست أصابعك أو داعبت خياشيمك أي رائحة تأتيك الخصخصة ورياح التصفية، لقد أفقدتنا هذه الرؤى أو كدنا نفقد أعز مشاريعنا، الجزيرة وصوحيباتها من بنات جيلها أو مثيلاتها وندعو الله أن يحمي الباقيات اليافعات الصالحات الواقفات حتى الآن يصارعن التصفية. الخصخصة المدروسة، والتصفية ذات الغربال الكبير أفقدتنا الناقل الوطني أرضاً وبحراً وجواً. وللعجب حتى صناعة الجلاليب دخلت العولمة من باب الخصخصة والتصفية كيف؟ لستُ أدري؟ أحبتي المهرولين لحد الانكفاء خلف التصفية والخصخصة، نحن معكم إذا خلت إجراءاتها من الفوضى والهوى والتجريد المقصود، نحن معها إذا أريد بها إثبات أو إحقاق حق معتدى عليه، نحن معها وأول المؤمنين بها إذا أحسن الاختيار بعد الاختبار ومراجعة المعيار ونحن نخشى أن يكون الأمر كله زوبعة في فنجان أو افتعال غبار قد يكون من نوع الهبباى أو الخماسين الذي لا يبقي ولا يذر. لتكن التصفية والخصخصة ليس بمعيار المنافسة وإنما بمعيار الجودة والفاعلية أو عدمها لكل الشركات والمؤسسات الهلامية وشركات الاستثمار الاسمية ومنظمات البر التي لا وجود لبعضها على أرض الواقع إلا اسمها. فلتتم الدراسة المتأنية لهذه الشركات والمؤسسات والمنظمات واحدة تلو الأخرى وليتقلص هذا الترهل الاستثماري المخيف الذي اعترى بعض الأجساد الحكومية والرسمية وحتى الشعبية بسبب زمان انشغلت وتغافلت فيه الدولة عن ممارسة الأبوة الانفاقية والإشرافية فأطلقت العنان للحصان الجامح. حصان الاستثمار الحكومي الظاهر والمستتر. يبقى السؤال ما هي حدود المعاملات الرسمية مع هذه الشركات أو تلك من ناحية الجمارك وإعفاءاتها، العوائد ورفع سقوفاتها، الحصانات الأخرى وما هي الكوابح الداخلية والخارجية التي تضمن عدم الانفلات والتفلت وما هي درجة خضوع هذه الشركات والمؤسسات للمراجعات الداخلية والخارجية للدولة ولديوانها المختص. هذه الشركات ليست بدعاً وليست جسماً بلا حدود إنها بشخوصها الاعتبارية في الدولة وبالدولة وفي خدمة الدولة بطريقة أو بأخرى. إنّ البعض في استباقه وجريه خلف عاصفة التّصفية والخصخصة تناسى أو فاتت عليه أمور أو تغافل وتجاهل عنها إلا أنني أقول إن غياب الوعي عما يجري حولنا بالإضافة إلى كثرة الطرق والدغدغة من أصحاب المصلحة على الأمر يجعل التأثير على اتّخاذ القرار سهلاً ويجعل هذه المؤسسات تُبتلع من أصحاب النفوذ بلعاً دون مضغ خاصة أن بعض هذه الشركات جاهزة وسائغة وبارد شرابها. بصراحة ربنا كما يقول الإخوة المصريون لا ضير من مراجعة كل الشركات أداءها وأداء منسوبيها ومستوياتها وجدوى واجهاتها ويكون الفيصل في تصفيتها وخصخصتها فاعليتها وجدواها من الناحيتين الاقتصادية والمهنية وهذه الأخيرة لا أفسر فيها ولا أعتقد أن الواعين يقصرون في معرفة المرمى والمقصد، وهل يذهب ريعها إلى الجيوب والبطون أو أنه يغطي سوءات مسكوت عنها. اقتصادنا المضطرب لا يستطيع أن يواريها. نحن مع التصفية والخصخصة التي لا يسيل وراءها لعاب القطط (السمينة) كما تعودت في كل خصخصة جرت أو تصفية تمت وهي قد دربت قرون استشعارها لتلتمس أين وكيف ومتى تنصب كمائنها ومكائدها! لا يضير أبداً أن تكون لبعض مؤسساتنا الأمنية صروح وواجهات اقتصادية ولكن بلا شروخ، صروح يُرجع إليها عند الحاجات والملمات، صروح تمد اليد كما الروح. فإذا كَبَتْ أيها الاقتصاديون اقيلوا كبوتها وعثرتها وإذا حازت قصب السبق في مجالاتها فقولوا بخ بخ .. قوموها ولا ترجموها فلها اليوم واجباتها معلنة وغير معلنة ولصالح الدخل القومي خذوا منها الضرائب والعوائد والجمارك والفوائد وأظن بعضها يدفع ذلك. وأقول للقطط السمان نافسوها ولا تتقاسموها بليل ويكفي ما ذهب من بعضها.. عليكم بالذهب قبل أن يذهب. نحن مع الخصخصة ولكن بعد حصحصة ومع التصفية ولكن بعد تروية وفي النهاية كما أمرنا سنستقم ونكتم حتى في النفس حتى تموت. فريق ركن