الكثير من المشكلات التي تواجه الحقل الصحي تكمن في شح الميزانيات المرصودة من قبل الحكومة والتي رغم حديثها المستمر عن ايلائها لصحة المواطن الاولوية لكنها لم تنجح حتى الان في توفير الحد الكافي من الاموال والمعينات التي تمكن المستشفيات والمراكز الصحية من اداء مهامها على اكمل وجه . . والشكوى من قلة الميزانيات ظلت تمثل حجة مستمرة لمظاهر القصور التي اصبحت سمة في العديد من منافذ العلاج .. وهي شكوى ظل يعلنها الاطباء قبل المرضى انفسهم .. والحكومة من جانبها تتفهم المشكلة وحاولت ان تجد لها معالجات في ضؤ ماتملكه من موارد مالية ربما لاتسعف كثيرا للايفاء بجميع الاحتياجات مما يجعل الحل جزئيا او معلقا دون حسم واضح في الوقت الراهن على الاقل . وبالامس القريب تكررت الشكوى من خلال برنامج ( صحة وعافية ) الذي تبثه قناة النيل الازرق ويقدمه الدكتور عمر محمود خالد .. حيث كشف ضيوف الحلقة من مستشفى ( احمد قاسم للقلب ) عن العجز الكبير في الميزانية التي تم تخفيضها في السنوات الأخيرة بشكل متواتر ومتضاعف اقعد هذا الصرح الصحي الكبير والحيوي عن اداء مهامه العلاجية وخاصة في مجال اجراء العمليات الجراحية . الطبيبان دكتور ياسر حنفي واسامة الشاذلي تحدثا بصراحة عن اوضاع المستشفى التي ظلت تمثل صمام امان حقيقي لمرضى القلب .. لكنهما ايضا اظهرا تفاؤلا بالمستقبل في ظل الانفراجات التي بدأت تحدث بفضل ( وقفة الوالي ) الذي كما قالا يقدم كل المتاح من اجل استمرارية العمل في المستشفى .. لكن هذا الحديث ورغم ايجابيته لايعني ان المشكلة حسمت بشكل كامل .. فالوالي الذي يدعم المستشفى الان قد لايتمكن من دعمها غدا .. وماهو متاح له من اموال اليوم قد لاتتوفر له في المستقبل .. والمنطقي ان يتم اعتماد مخصصات واضحة ومحددة من ميزانية الولاية للمستشفى بدلا ان يخضع الامر للطلب كلما دعت الحاجة . والسؤال الذي يطرح نفسه دائما هو لماذا ننتظر دائما وقوع المشكلة لنبدأ في الحل الذي قد يأتي احيانا بعد فوات الاوان ؟! فالمستشفيات الحكومية يفترض ان توضع لها ميزانيات كافية والاهم من ذلك ان تكون معلومة ومجدولة ليتمكن القائمون على امرها من وضع خطط محكمة تسخر الميزانية المتاحة وتوظفها على افضل وجه ممكن .. اما ان تصبح ميزانيات مطاطة تتمدد او تنكمش حسب الحاجة فذلك لن يساعد في تجاوز مشكلة قلة الموارد الذي تعاني منه المرافق الصحية المختلفة . ليس ( احمد قاسم ) وحدها التي تعاني من ازمة تمويل وانما معظم المستشفيات الاخرى ان لم يكن كلها .. و ( مستشفى الذرة ) بح صوت العاملين فيها من اجل ان يتم الالتفات الى احتياجاتها الضرورية .. ودائما يبدأ التحرك في ( الوقت الضائع ) وبما يكشف عن غياب ( استراتيجية ) واضحة للكيفية التي ينبغي ان تدار بها مستشفيات الدولة والطريقة المثلى التي يفترض ان تخصص بموجبها الميزانيات الكفيلة بتشغيلها دون حدوث ازمات تهدد بتعطيلها مثلما يحدث دائما .. حيث مازالت قضية توقف مراكز غسيل الكلى في الاذهان والتي تدخلت الحكومة في اعلى مستوياتها لانقاذها ودعمها ولكن ظل السؤال المتكرر قائما عن( التدخل المتأخر ) واسباب الانتظار الى حين وقوع المشكلة وليس قبلها . تبقى الاشارة ضرورية الى اهمية برنامج (صحة وعافية) الذي يقدمه بكفاءة ومهنية الشاعر المبدع الدكتور عمر محمود خالد والذي نجح في جعل البرنامج مظلة آمنة ليس للمرضى وحدهم وانما ايضا للأطباء والعاملين في الحقل الصحي ليعبروا عن همومهم ومشاكلهم .. والتحيه موصولة ل (النيل الازرق ) قناة الابداع والتميز التي ظلت تهتم بصحة وعقل وذائقة الانسان السوداني وبروح سلسة وجاذبة بعيدا عن التحنط والجمود . ماوراء اللقطة : حين تقضي الحكومة على مظاهر الفساد المالي والاداري في المرافق الصحية ستوفر سقفا جيدا من الميزانيات للمستشفيات .. وعندما تعيد رسم خارطة الاولويات ستضع ( الصحة ) في صدارة الصرف الحكومي وخصما على العديد من اوجه الانفاق الاخرى التي لا توازي اهميتها .. فصحة المواطن التي تقول الحكومة انها ( خط احمر) جديرة بأن تسخر لها كل الموارد والامكانيات .