العربات تمر بسرعة رهيبة بشارع النيل ولا أحد ينتبه للضفاف.. محدثي يسألني ماهذا الذي يحفرونه ويمتد بمحاذاة النيل ؟! قلت له وعلى طريقة كل السودانيين والذين «ينظّرون» في كل شيء: «ده كورنيش .أو مسبح أو نهر صناعي موازي.. لا أحد يعرف».. وعلى طريقة عادل إمام هل أنا أعرف أكثر من الحكومة!! انهم يفعلون ما يريدون ولا أحد يسألهم ...! نقلت لمحدثي بعض ضيق أشعر به بعضه خاص وأغلبه عام.. وهل ينفصل العام عن الخاص في هذه البلاد!! انه كما يقول الياس أبن عمتنا «زهج فاخوري».. وامتدت ونسة «الزهج» ونحن جوار وزارات النيل. قلت يريدون نقلها من هنا وربما تذهب «سوبا» أو «الوادي الأخضر» !! محدثي قال لي غلبهم «البسووه»!. قلت له بل هؤلاء يعرفون ماذا يفعلون.. تحدثنا عن ما نعرفه عن عالم الإنشاءات والمقاولات الرهيب!! إنه عالم من السمسرة والمرابحة وشيلني وأشيلك.. الحكومة تتحدث عن ترحيل الوزارات من هذه المنطقة التاريخية والسياسية وبعض الحكومة لازال يبني أبراجاً عالية تناطح السحاب!! أبراج «خضراء» ونوافذ ذهبية وعالم من المتعة والدهشة. ومرضى غسيل الكلى وأطفال السرطان ينهشهم المرض اللعين وماكينات الأشعة العادية معطلة في المستشفيات «العامة» المخصصة «للعامة».. إنه المثل بذاته «بئر معطملة وقصر مشيد» حكومة تمني نفسها ب«الرحيل» وحكومة تشيد في القصور في ذات المكان وتنفق على البناء انفاق من لا يخشى الفقر!! مافائدة المكاتب الأنيقة والدائرية وغرف الجلوس الفاخرة والمزهريات.. ولا خدمة «عامة» تقدم «للعامة»! كيف يستقيم كل هذا يا هذا؟! ضحكنا على اسم البرج المقترح إنه اسم على غير مسمى ومتى تطابق «المظهر مع الجوهر» ومتى توصلنا لمعرفة الفرق بين الشعار والواقع؟.. نظرت ثانية للنيل وبأسى تذكرت الطيب صالح وولعه بالنيل الذي يهب الحياة. لا أثر هنا لصوت الماكينات وأهازيج المزارعين وحركة الدواب والزرع والنماء!! هذه الحكومات التي تبني الأبراج وتشيِّد «الكورنيشات» لماذا لا تنظر للنيل مرة واحدة من باب إستراتيجية النقل والذي ما انفك يمثل مشكلة كبيرة لساكني العاصمةالذين يعانون مر المعاناة من أزمة المواصلات!.. لماذا لا تلتفت الحكومة لهذا النهر وتملأه بالبصات النهرية التي تنقل الناس بين الضفاف والمسافات الطويلة من شمال الخرطوم لجنوبها بدلاً من هذه الكوارنيش» و«الأبراج» و«الخزعبلات» التي لا تقدم ولا تؤخر!! لماذا لا تفعل هذا ولماذا لا تقوم بكل ما هو مفيد للناس بدلاً من هذه «الملعبة» هنا وهناك. قلت كل هذا مع هذه الزهجة على النيل وسألت نفسي هل يذهب الناس للنهر ليزهجون؟! لم أجد إجابة ولكنني تذكرت إدريس جماع النيل من نشوة الصهباء سلسلة وساكنو النيل سمار وندمان وخفقة الموج أشجان تجاوبها من القلوب التفاتات وأشجان كل الحياة ربيع مشرق نضر في جانبيه وكل العمر ريعان تمشي الأصائل في واديه حالمة يحفها موكب بالعطر ريان وللخمائل شدو في جوانبه له صدى في رحاب النفس رنان إذا العنادل حيا النيل صادحها والليل ساج فصمت الليل آذان حتى إذا ابتسم الفجر النضير لها وباركته أهازيج وريحان تحور النور من آفاقه طرباً واستقبلته الروابي وهو نشوان.