لم تجدِ كل المجهودات التي بذلتها الحكومة منذ مجيئها عام 89 وحتى اليوم في تغيير الموقف الأمريكي من السودان، منذ العام 1983 عقب إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر من عام 1983 بإدارة سودانية حرة، وفق توجهات الشعب السوداني ورغباته، في أن يعيش في مجتمع يعبر عن عقيدته ويحافظ على سلامته الفكرية والروحية والصحية.. وقبل ذلك كان المجتمع السوداني تائهاً بين التيارات الفكرية اليسارية منها واليمينية.. أي كان تابعاً سياسياً واقتصادياً، بل وحتى روحياً، حيث لم يترك المستعمر من روح الثورة المهدية سوى الأبدان وقليلاً من الطقوس وشكليات الأمور، حتى صار الإنسان السوداني مجرد بطاقة شخصية أو رقماً في وثيقة ثبوتية.. وقتلت فينا الروح الوطنية حتى صار سب الوطن والتعبير عن عدم الانتماء سمة بارزة وشعاراً مرفوعاً في المنتديات والملتقيات وصار اسم السودان(رجل افريقيا المريض)، كانت تلك رغبة المستعمر الذي قرأ وطالع تاريخ الشعب السوداني وتكويناته المختلفة وحضارته المتجذرة في أعماق التاريخ.. فعمل على إثارة الأخ على أخيه، والقبيلة على الأخرى، حتى صارت القبيلة أيضاً عاملاً من عوامل التفرق، ليتسنى له أن يحكم هذه البلاد وما جاورها، ويحقق مآربه دون مقاومة تذكر.. فعمل على تقسيم البلاد شمالاً وجنوباً.. وقام ما قام به من فرض المناطق المقفولة بالقوانين وبقوة الحكم.. حتى بلغنا مرحلة الانفصال في أطول سيناريو لقانون فرق تسود. الإدارة الأمريكية مثل حصان الكارو.. وجدت قراراً عمره ثلاثة عقود فسارت عليه رغم المتغيرات الكثيرة التي حدثت سواء في تغيير الحكومات أو نظم الحكم، تعددية شمولية ثم تعددية، وحرب في جنوب السودان ليست الشريعة طرفاً فيها، وإنما الحرب ظلت دائرة من قبل إعلان الشريعة واستمرت لما يزيد من الستين عاماً ويزيد.. الإدارة الأمريكية تسيطر عليها قوى الضغط الصهيونية وفي خضم تداول السلطة ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي يظل موقف الإدارة الأمريكية يراوح مكانه.. وعقب توقيع اتفاقية السلام الشامل...أو كان من ضمن مشهيات الوصول إلى نهاية للحرب رفع العقوبات المفروضة على السودان من قبل أمريكا، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ولكن بعد التوقيع لم يتغير الموقف الأمريكي، الذي وعد بتقديم حوافز تتمثل في إعادة بناء الشمال والجنوب وإزالة آثار الحرب في المنطقتين.. ولكن شيئاً من ذلك لم يتم، وبدلاً من مكافأة قيادة البلاد بقلادة من الذهب والماس وجائزة نوبل للسلام.. كانت الجنائية المفبركة من قبل أمريكا ضد البشير هي الجائزة، وهي التقدير السليم لتحقيق أكبر اتفاقية سلام أدت إلى إيقاف نزيف دم استمر لخمسين عاماً.. ثم تكررت الوعود الكاذبة للإدارة الأمريكية بأن رفع العقوبات وتطبيع العلاقات بين البلدين رهين بإنفاذ بنود الإتفاقية كاملة.. وقد تحقق ذلك أولاً بالعمل على اجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر عن التحول الديمقراطي الصحيح.. ثم اجراء استفتاء جنوب السودان دون إراقة نقطة دم واحدة في الفعاليتين.. ولكن ظلت الإدارة الأمريكية وصقورها يقفون في مكانهم، بل صاروا يزايدون وببنود مواقف جديدة متولدة من تقارير ونصائح من باقان اموم وزمرته، الذين يحقدون على الشعب السوداني منذ ميلادهم، وبحسب نشأتهم الحاقدة ضد كل ما هو سوداني.. الإدارة الأمريكية حقيقة تضيع المصالح الأمريكية في السودان دون أية مبررات يمكن أن يقبلها الشعب الأمريكي الذي لا يعلم أي شيء، بل معني بالسياسة الخارجية المعلنة.. وهي تفقد مصداقيتها أمام العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي ودول العالم الثالث في آسيا وافريقيا بصيغة خاصة.. فهي تمارس سياسات ضد حقوق الإنسان، وتطلق يد قواتها في أكثر من مكان في العالم الثالث، دون أي واعز من ضمير أو أخلاق أو إنسانية.. أنهم يقتلون البشر ويحرقونهم أحياء من بلادهم ويعاملونهم معاملة الحشرات والجرذان.. ورغم كل هذا الموقف المتفتت ظلت الدبلوماسية السودانية تتعامل وتسعى لإصلاح ذات البين، وتظهر حسن النوايا بأسلوب حضاري متقدم جداً.. أما إذا كان الأمريكان يفكرون بأن ثمن عودة العلاقات أو رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب هو التراجع عن الشريعة الإسلامية، فليتأكدوا بأن ذلك لن يحدث أبداً.. لأنها إرادة شعب وعقيدة أمة.. والشعب يريد تثبيت الشريعة، وتلك واحدة من الثوابت التي لا يمكن حدوثها حتى لو كان الثمن فناء الشعب السوداني كله.. ولعلهم لم يسمعوا هتافات أهلنا الغبش في الشمالية وهي من أكبر مناطق السودان تهميشاً، إذا كان التهميش يعني عدم قيام تنمية حقيقية في المنطقة، حيث أكدوا مراراً (الشريعة شريعة وإلا نموت.. الإسلام قبل القوت!! ). كانت واحدة من هتافاتهم الشهيرة في وقت كانت تعمل فيه بعض القوى السياسية للتراجع عن الشريعة في ثمانينيات القرن الماضي.. إذن لا يوجد أي مجال لتحقيق هذه الغاية أو السبب الذي لأجله أساءت الإدارات الأمريكية فهمنا، وفرضت علينا مثل هذا الحصار الجائر الذي يتعارض مع جميع الشرائع والقوانين والأعراف.