السياسة الخارجية تنعكس سلباً أو إيجاباً على السياسة الداخلية للدولة والعكس بالعكس صحيح، والاثنتان تؤثران بصورة مباشرة على حياة المواطن الذي هو أصلاً هدف التنمية والاستثمار لدى الحاكم العاقل المسؤول. والدبلوماسية هي وجه الدولة الخارجي الذي تظهر به في المنظمات الدولية والمؤتمرات والسفارات الخارجية، وهو وجه يجب أن تهتم الدولة بتجميله وتزيينه بالمساحيق والألوان الهادئة غير الصارخة حتى يحقق هذا الوجه الجميل بتعامله الأجمل ما يؤدي إلى تحقيق مصالح الدولة العليا مع الدول الأخرى من تبادل للمنافع والخدمات بما يعمل على حفظ الأمن والاستقرار العام.. لذلك تهتم الدول بعلاقاتها مع جيرانها وتعمل على تحسينها- قدر الإمكان- حتى لا تتبدد الجهود في حماية وحراسة الحدود بما يكلف فوق طاقات الخزينة العامة. وأرجو أن يسمح لي القاريء الكريم أن أدخل بجملة اعتراضية (مفيدة) أحيي فيها القمة الثلاثية بين رؤساء السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى والتي سوف تنعقد بعد أيام قليلة لبحث القضايا المشتركة بين هذه الدول والتي أحسب أنها تعني تأمين الحدود وحرية حركة المواطنين المدنيين في المناطق المشتركة في المقام الأول ليأتي بعد ذلك عدم احتواء ودعم الحركات المعارضة لأي دولة في أي من الدول الأخرى لأن ثمن هذا الأمر سيكون باهظاً ومكلفاً على كل المستويات. ونعود لما بدأنا به (بين السياسة والدبلوماسية والإعلام) استناداً على لقاء مطول استمر لأكثر من ثلاث ساعات بين الأستاذ علي كرتي وزير الخارجية وعدد محدود من رؤساء التحرير، نوقشت فيه قضايا كثيرة لكن أهم ما جاء فيه كان هو (تصورات الصحافة والإعلام لسياسة السودان الخارجية بعد التاسع من يوليو القادم) أي بعد الإعلان الرسمي لانفصال الجنوب، وقد تحدث الجميع دون استثناء ولم يختلف المتحدثون كثيراً حول ما يجب أن يكون مع لوم الحكومة على سياساتها الداخلية في مرحلة ما، والتي أظهرتها وأظهرت البلاد على غير حقيقتها وبوجه لم يكن هو وجه السودان الأصيل. الوزير «كرتي» رجل شديد الصمت أمام مايكرفونات الإذاعات وكاميرات التلفزة، وضنين بالحديث أو التهافت للصحف داخلياً وخارجياً، وهو من الذين يؤمنون بضبط الخطاب السياسي والعام، بحيث يكون مكتوباً ومتفقاً عليه حتى لا يحرج الدولة وقيادتها بالألسنة الفالتة والكلمات المنفلتة نتيجة أفعال لا تستوجب ردود أفعال في ذلك المستوى.. والحديث حول اللقاء الطويل.. يطول.