بسم الله الرحمن الرحيم وسائل السياسة الخارجية تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال الخاص بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية عن موضوع "تفسير اتخاذ قرارات السياسية الخارجية" الذي استعرضنا فيه بعض أشهر النماذج في مجال تحليل السياسة الخارجية مثل النموذج الاستراتيجي ونموذج صنع القرار ونموذج السياسة البيروقراطية والنموذج التكيفي وغيرها من النماذج. وذكرنا أنه بما أن قرارات السياسة الخارجية يتخذها الأفراد فلا بد أن يكون للبعد الإنساني تأثيرا مباشرا على خيارات السياسة الخارجية. لذا فإن الخبراء في هذا المجال تناولوا أيضا العوامل المشتركة بين البشر التي تؤثر في طريقة إدراكهم وتعاملهم مع بيئتهم الدولية وعن مدى تأثير العوامل الشخصية في تبني خيارات سياسية بذاتها. وسنستعرض اليوم أكثر وسائل السياسة الخارجية شهرة واستخداما. في مجمل الحديث يمكن القول إن هناك شبة اتفاق بين المعنيين في هذا المجال مع وجود بعض الاختلافات غير الجوهرية، ومن بين أهم هذه الوسائل: - الدبلوماسية - المساعدات الخارجية - الأحلاف - الحرب - الموارد الطبيعية - الرمزية والاستخباراتية - العلمية والتكنولوجية - الدعائية والنفسية وسنحاول في طرحنا أن نركز على أهم هذه الوسائل وأشملها. أولا: الوسائل الدبلوماسية يرجع أصل كلمة "دبلوماسية" إلى الكلمة اليونانية (Diplun) التي تعني "يطوي"، حيث كان الرومان يطلقون كلمة "دبلوما" (Diploma) على وثيقة السفر المختومة والمطوية. وقد أخذت هذه الكلمة في التطور واتسع نطاق استخدامها بمرور الوقت حتي صارت مرتبطة بالأعمال والوثائق الرسمية المتعلقة بالعلاقات الدولية. كثيرا ما نجد أن هناك لبس عند البعض بين مفهوم الدبلوماسية وبعض المفاهيم الأخري ذات العلاقة بالدبلوماسية. فهناك من يستخدم هذا المفهوم كمرادف لمفهوم السياسة الخارجية، في حين تطلق كلمة "الدبلوماسية" كصفة للشخص اللبق ذي التصرف الحسن والتهذيب الرفيع والمتسم بالحذر والحيطة. غير أن مصطلح "الدبلوماسية يطلق من قبل المختصين للتعبير عن عملية التفاعل بين الدول فيما يتعلق بإدارة وتنظيم العلاقات الدولية بواسطة التمثيل والتفاوض. ومن بين أشهر التعريفات لمصطلح الدبلوماسية أنها (مجموعة القواعد والأعراف والمبادئ الدولية التي تهتم بتنظيم العلاقات القائمة بين الدول والمنظمات الدولية والأصول الواجب إتباعها في تطبيق أحكام القانون الدولي، والتوفيق بين مصالح الدول المتباينة، وفن إجراء المفاوضات في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية، وعقد الاتفاقات والمعاهدات). وهناك من يعرف الدبلوماسية بأنها (عملية إدارة وتنظيم العلاقات الدولية عن طريق المفاوضة وهي طريقة تسوية وتنظيم هذه العلاقات بواسطة السفراء والمبعوثين). من مجمل هذه التعريفات نخلص إلى أن الدبلوماسية تتضمن صفة الرسمية على كافة مستويات التفاعل الدولي فهي تنصرف إلى عملية التمثيل والتفاوض التي تتم بين الوحدات الدولية في نطاق العمل على تنفيذ أهداف السياسة الخارجية، أي إنها تمثل الوجه التنفيذي لصانع السياسة الخارجية. أنماط وصور الدبلوماسية على خلاف النمط التقليدي الذي كان يتسم بالسرية في معظم جوانبه، وبمحدودية نطاقه، نجد الدبلوماسية المعاصرة قد تخلت عن طابع السرية وتحولت إلى انتهاج دبلوماسية علنية، مع ظهور فئة من الدبلوماسيين المحترفين يتولون مهام تنفيذ أهداف السياسة الخارجية للدولة التي يمثلونها في العمل الخارجي، وكذلك اتساع وتنوع أدوات وأساليب الدبلوماسية بدرجة أكثر مما كانت عليه في الماضي. من بين أهم أنماط الدبلوماسية المعاصرة الدبلوماسية الثنائية أو التقليدية وهي تعد أقدم صور العمل الدبلوماسي وهي معنية بتنظيم علاقات التفاعل بين دولتين. وهناك كذلك الدبلوماسية المتعددة أو التعددية وهي دبلوماسية المنظمات والبرلمانات والمؤتمرات. كما توجد أيضا الدبلوماسية الشعبية وهي التي تسعى الدول من خلالها إلى إقامة دبلوماسية مباشرة مع الشعوب، ويتم فيها التركيز على وسائل الاتصال الجماهيري المختلفة لكسب تأييد الرأي العام الخارجي وشرح بعض القضايا المهمة والتي تخدم أهداف السياسية الخارجية. الإطار المؤسسي الرسمي للعمل الدبلوماسي بما أن العمل الدبلوماسي يعتبر أداة تنفيذية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية فيمكن تقسيم الإطار المؤسسي الرسمي للعمل الدبلوماسي إلى قسمين أولهما في الداخل وثانيهما في الخارجي. القسم الداخلي يتمثل في المؤسسة التنفيذية التي تقوم بإدارة الشؤون الخارجية والتي يطلق عليها عادة وزارة الخارجية أو وزارة الشؤون الخارجية. أما القسم الثاني فيتمثل في البعثات الدبلوماسية في الخارج وهي المؤسسات التي تتولى مهمة التمثيل الدبلوماسي. مرتبة البعثات الخارجية تحدد بحسب الأهمية التي تعلقها الدولة على العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخري، أو بحسب مبدأ المعاملة بالمثل. لذلك نجد أن نجاح أية خطة للسياسة الخارجية لأية دولة يتوقف على نوعية وكفاءة دبلوماسيتها. ومن بين المبادئ الأساسية للعمل الدبلوماسي المبدأ القائل بأن الدبلوماسية أداة السلام، والقوة المسلحة أداة الحرب. ثانيا: الوسائل الاقتصادية من بين الوسائل المهمة التي يتم استخدامها في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية الوسائل الاقتصادية، وذلك لتأثر العلاقات الدولية إلى حد كبير بالعلاقات الاقتصادية. فالسياسة يمكن أن تعرف من حيث علاقات القوة، بينما الاقتصاد يتعلق باستخدام الموارد الإنتاجية النادرة. لذا تعتبر عملية السيطرة على الموارد عنصرا هاما في عناصر القوة. أي إن الدولة التي تمتلك عناصر القوة الاقتصادية تمتلك في المقابل عناصر التأثير التي تدعم سياستها الخارجية. من بين أهم الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية أسلوب المساعدات الاقتصادية الخارجية، حيث تحاول الدول ذات الإمكانات الاقتصادية الكبيرة عبر هذه الأداة التأثير على سلوك الدولة المتلقية للمساعدات. ومثالا على ذلك ما يعرف ب "خطة مارشال" التي قدمت من خلالها الولاياتالمتحدة مساعدات اقتصادية كبيرة للدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية. وهنالك أيضا أسلوب المقاطعة الاقتصادية الذي يسعى الدول من خلاله إلى إيقاع خسائر مادية بالدولة التي تريد مقاطعتها وبالتالي احتمال القدرة على تحريك الرأي العام أو التسبب في إحداث مشاكل سياسية أو الضغط على صانع القرار. هنالك أيضا أسلوب الحظر أو التحريم وهو عادة يطبق على المبادلات التجارية ويقد يكون الحظر على الصادرات أو الواردات وهو قد يكون شاملا أو جزئيا. ثالثا: الوسائل العسكرية يقصد بالوسائل العسكرية مجموعة المقدرات المتعلقة باستخدام أو التهديد باستخدام القوة المسلحة المنظمة من طرف وحدة دولية ما ضد وحدة أو وحدات دولية أخري. إدراج الوسائل العسكرية ضمن وسائل السياسة الخارجية لا يعني بالضرورة أن هذه الوسيلة معتمدة ومستخدمة من قبل كل الدول، حيث أن ذلك تحدده عدة عوامل تتعلق بمخرجات ومحددات السياسة الخارجية كالتوجهات والأدوار والعامل القيادي وغيره من العوامل. الوسائل العسكرية كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية تنقسم إلى عدة أقسام منها ما يعرف بعقد التحالفات العسكرية حيث ترتكز هذه الفكرة على أساس التعاون والتضامن بين الدول لتحقيق هدف مشترك. وقد ظهر ذلك في الحرب العالمية الثانية وفي الحرب على العراق وعلى أفغانستان وفيما يعرف أيضا بالحرب على الإرهاب. وهناك قسم المساعدات العسكرية التي تعد أحدى الأدوات التي تقبل على استخدامها العديد من الدول سعيا لتحقيق أهدافها في السياسة الخارجية. وتتخذ المساعدات العسكرية أشكالا عدة منها المبيعات العسكرية الأجنبية وهي تشمل مبيعات عسكرية من دولة إلى دولة أخري لغرض تزويدها بالأسلحة والذخائر والمعدات الحربية وقطع الغيار. كما تشمل أيضا برنامج القروض العسكرية وهو برنامج ممول من طرف دولة ما في شكل قروض تمكن دولة أخري من شراء أسلحة وخدمات منها وفق شروط معينة. وهناك برنامج التدريب والتعليم العسكري وهو يشمل برنامج البعثات التأهيلية في المجال العسكري وإرسال الخبراء لغرض الإشراف على المعدات العسكرية وتشغيلها وأيضا لغرض التأهيل والتدريب للعنصر البشري على هذه المعدات من حيث التشغيل والصيانة. هنالك أيضا قسم استعراض القوة العسكرية وهو يقوم على مبدأ أن السلوك السياسي الخارجي هو في الواقع نوع من أنواع الاتصالات التي تهدف إلى تغيير أو إدامة سلوك دولة ما أو مجموعة دول والتي تعتمد عليها الدولة القائمة بالعمل من أجل تحقيق أهدافها، وهو كذلك نوع من أنواع الإشارات التي ترسلها دولة ما إلى دولة أو دول أخري. وهذه الإشارات تأخذ اشكالا متعددة من بينها استعراض القوة العسكرية، التي يلجأ إليها عندما تريد دولة ما إظهار قدراتها القتالية أمام الآخرين للتأثير على سلوكيات دولة أخري. وهناك قسم آخر يتعلق بالحرب. والحرب ظاهرة موجودة منذ القدم غير أن أشكالها ووسائل استخدامها أصبحت متطورة. وهي مظهر من مظاهر الصراع يتم فيها استخدام السلام بين المتصارعين، حيث إنها تعني استخدام القوة المسلحة بين جماعتين من البشر تخضعان لنظامين متعارضين ولهما مصالح متعارضة. الوسائل الرمزية والاستخباراتية تضم الوسائل الرمزية مجموعة من الأدوات التي تعمل على التأثير على أفكار أو توجهات الآخرين مثل الأدوات الدعائية التي يقصد بها أي نشاط موجه للتأثير في الأفراد أو المجموعات من خلال إقناعهم بتقبل وجهة نظر معينة أو القيام بسلوك معين. وفي إطار السياسة الخارجية تعرف الدعاية الدولية بأنها (تلك الجهود الاتصالية التي تقوم بها حكومة معينة أو هيئا وطنية مختلفة وتوجهها إلى جمهور أجنبي بالدرجة الأولي بغرض التأثير عليه وجعله يتبنى وجهة نظر تلك الحكومة أو الهيئات الوطنية بالنسبة للقضايا المختلف علهيا على الصعيد الدولي). وتهدف الدعاية الدولية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من أهمها تعبئة الكراهية ضد العدو، والحفاظ على صداقة الحلفاء، والحفاظ على صداقة الدول المحايدة والحصول على تعاونها، وكذلك تحطيم الروح المعنوية للعدو. ومن بين الوسائل الرمزية الأدوات الثقافية ويقصد بها هنا الأساليب والعمليات التي تسعى من خلالها دولة ما إلى إبراز وجودها الثقافي ومحاولة التأثير من خلاله على الدول الأخري. وتأخذ هذه العمليات مظاهر عديدة ومختلفة من الاحتكاك الفكري والثقافي كبرامج التبادل الثقافي وإقامة العروض الثقافية ونشر تعليم اللغة القومية وفتح المكاتب الثقافية في الخارج. أما الوسائل الاستخباراتية فيقصد بها (المهارات والموارد المستعملة لجمع وتفسير المعلومات المتعلقة بقدرات وخطط ونوايا وسلوكيات الدول الأخري، وتشمل تلك الأدوات المهارات الخاصة بكيفية جمع المعلومات وتفسيرها، كما تشمل مجموعة من الموارد كأدوات الاستطلاع والرمز وفك الرمز). وتكمن أهمية الأدوات الاستخباراتية كونها تمثل المصدر الرئيسي لجمع المعلومات من البيئة الخارجية والقيام بتصنيفها وتحليلها وبالتالي تقديمها لصانع القرار. لذا فهي تمثل مركز الذاكرة في جهاز صنع القرار. تعتبر هذه الوسائل هي الأهم في مجال تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول وذلك بتوافق جل المعنيين بهذا الأمر. إن قدر لنا سنتناول في المرة القادمة موضوع توازن القوى في السياسية الخارجية والدولية بإذن الله. د. خالد علي لورد [email protected]