وإذا كانت القاعدة قد تمكنت خلال السنوات الماضية من نشر قواتها، وحركة تنظيمها، بخلق مراكز انطلاق جديدة في كل من بلاد المغرب العربي- خصوصاً الجزائر والمغرب وموريتانيا- وفي العراق، فها هي اليوم تستغل ظروف اليمن المضطربة لتعظم من تواجدها، الذي لم يكن جديداً على وجه الإطلاق، لكنه في الحقيقة تنشيط، وتكريس، وتعظيم، وإعلان يقول لأعدائها: «سهر الجداد ولا نومو»، وهو سهرٌ تحقق فعلاً بإغلاق تلك السفارات، وقيام «ديدبان» الحراسة فيها بالإبقاء على عيونهم مفتوحة طول تلك الليالي، وعليهم أن يبقوا كذلك إلى ما شاء الله بينما عززت السلطات اليمنية الانتشار الأمني في العاصمة صنعاء، ونشرت قوات أمنية باللباس المدني حول القنصليات الأجنبية، وكثفت الشرطة حواجز التفتيش على الطرقات، خصوصاً ذلك الذي يقود إلى المطار الدولي. وفي محاولة من وزارة الداخلية لطمأنة البعثات الديبلوماسية، قالت وزارة الدفاع اليمنية في بيان نشرته على موقع وزارة الدفاع: «إن الحمايات الأمنية للسفارات جرى إعدادها، وتدريبها، على نحو ممتاز، وعلى مستوى عالٍ من المهنية، وهي قادرة على القيام بأعمال الحماية على أكمل وجه» وأن عمليات مكافحة الإرهاب مستمرة على مدار الساعة، وأنه خلال اليومين الماضيين وحتى الثلاثاء، تم ضبط خمسة من العناصر الإرهابية في كل من محافظات صنعاء، والجديدة غرب، وأمانة العاصمة، بالإضافة إلى الاثنين اللذين قتلا في أرحب»، هذا طبعاً غير تلك السفارات التي شنتها القوات الجوية اليمنية في 17 و24 ديسمبر الماضي وأدت لمقتل عشرات المتشددين. مهما يكن من أمر، فإننا نجد أنفسنا بإزاء واقع جديد يتعاظم على أراضي اليمن التي هي على مرمى حجر أو «قنبلة» من حقول النفط في الجزيرة والخليج العربي، وتلك نقلة نوعية، لأنها في جانب القاعدة تعني إعادة «الكر بعد الفر»، فجميعنا يذكر العمليات الخطيرة التي أقدمت عليها القاعدة قبل سنوات مضت في الخُبر والطائف ومناطق أخرى من المملكة، وتمكنت السعودية من ملاحقتها وتدميرها، بالرغم من نجاحاتها الجزئية، وانتهى ذلك إلى شيء من الهدوء النسبي، الذي لم يعكره إلا محاولة ذلك الشاب القادم من اليمن قبل شهرين، للقاء الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي، مدعياً التوبة، بينما كان يخفي في ثيابة قنبلة لاغتيال الأمير الذي شاء الله له النجاة. اختيار القاعدة لليمن لتكون مركزاً لانطلاقتها الجديدة لم يأت من فراغ، فالقاعدة بلا شك تدارست قياداتها واقع اليمن التي تشكو من الاضطرابات في شمالها بالحرب على الحوثيين، وفي جنوبها من خلال «الحراك الجنوبي»، والمقاومة السلمية التي يشنها عبر التظاهرات والمسيرات اليومية، والذي بدأ نشاطه ينتقل إلى بعض أجزاء الشمال كتعز وما حولها، بالإضافة إلى بيئة الفقر والبطالة، والطوبوغرافيا اليمنية الصعبة، ذات الجبال والأحراش التي تشكل حصوناً منيعة، لأي حرب عصابات. لذلك قررت إقلاق نيام العالم، والغرب ذي المصالح الضخمة في شبه الجزيرة العربية والخليج، من خلال نقل نشاطها الفعال إلى اليمن. فلم يكن غريباً إذن أن نرى قائد القوات الأمريكية في المنطقة، ديفيد بترويس، يهرع لليمن ويعلن من هناك استعداد بلاده وقواته لتقديم كل ما هو مطلوب منها لاجتثاث الإرهاب، ذلك المطلوب الذي حدده وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، في الحاجة إلى «التعاون الدولي في تدريب وإعداد وحدات مكافحة الإرهاب اليمنية والدعم التنموي، فالمشكلة أيضاً- كما قال- مشكلة اقتصادية.