في عموده المقروء «إليكم»، صب الأستاذ الطاهر ساتي جامَّ غضبه على قرار المكتب التنفيذي لاتحاد الصحافيين السودانيين الخميس الماضي، القاضي بتلبية دعوة قدمتها الهيئة العامة للاستعلامات المصرية للاتحاد وبعض الصحافيين والإعلاميين، لزيارة القاهرة في الفترة من 18 إلى 21 يناير الجاري، وهدف الدعوة كما كتب الطاهر هو مناقشة وتجاوز آثار الإساءة التي وجهتها بعض الفضائيات المصرية للسودان، بمناسبة مباراة مصر والجزائر التي أحبطت آمال الفريق القومي المصري في بلوغ مونديال جنوب أفريقيا، وما أعقبه من أحداث واضطرابات بادر إليها المشجعون الجزائريون برغم انتصارهم، رداً على اعتداء وقع على فريقهم يوم التقى الفريقان في القاهرة. غضبة الطاهر في عموده الذي جاء بعنوان: «عفواً يا نقيب.. هذه رحلتي» هي في حقيقتها «غضبة وطنية» مستحقة، دفاعاً عن عزة السودان وأنفة السودانيين، ومنافحة عن كرامة الصحافة السودانية وكذلك عن ميثاق شرفها، وفوق هذا وذاك عن مهنيتها التي تفرض عليها الوعي بما يدور حولها وتحليله واستخلاص نتائجه، وهذا ما «نقشه» الطاهر مشكوراً، وفشل فيه المكتب التنفيذي، من أسف. فمن حيث المبدأ، تجيء الدعوة، ربما لهدف نبيل، هو ترميم الشرخ الذي أصاب علاقات الشقيقين الأقربين «أبناء النيل» كما يحب أن يصفها إخوتنا المصريون، لكن المدخل لهذا «الهدف النبيل» لم يخلُ من «غتاتة» واستعلاء واستخفاف إن لم يكن «استهبالاً»، والاستهبال لغة هو أن تفترض «الهبل» في الطرف الآخر، أو «الطيبة» التي لا تخلو من ظلال «غباء» في العامية المصرية، فجاءت الدعوة على هذا النحو معبأة بمحمولات سالبة وتقول - بالمصري أيضاً - أن «نتاكل أو نتاخد في دوكة»، عبر دعوة توجه لأهل الصحافة في السودان، يقومون على إثرها بزيارة «كاملة الدسم» أو «full Board» لقاهرة المُعز، فيسمعون معسول الكلام ويشاهدون بعض «الأفلام» ويستمتعون بأطايب الطعام، فتطيب خواطرهم وينسون الإساءة ويعودون «آخر بسط»، ليسوِّدوا بيض الصحائف بأجمل الكلمات وعاطر الثناء على كرم وأريحية الأشقاء في شمال الوادي، وعن «سحابة الصيف» التي زالت إلى الأبد وعن دفء «العلاقات الأزلية» الذي بدد تلك «القشعريرة» العارضة التي أحدثها بعض الإعلاميين والفنانين غير المسؤولين. كان من الطبيعي - كما لاحظ الطاهر - أن يقوم وفد صحافي أو إعلامي مصري، ما دام الأمر يهم هيئة الاستعلامات المصرية، بزيارة الخرطوم والتقاء المسؤولين الرسميين هنا والاعتذار عن الإساءات التي لحقت بالدولة السودانية وهيبتها، عبر الاتهام بالتقصير في حماية المشجعين المصريين من غلواء أشقائهم الجزائريين ومنابزات أخرى لسنا معنيين بتعدادها أو تكرارها، لكن أن تدعو الهيئة اتحاد الصحافيين السودانيين فذلك - على الأقل - مخالف لمنطق الأشياء والسلوك السوي. وقد سمعنا وقرأنا بالفعل أن وفداً صحافياً مصرياً قد زار السفارة السودانية بالقاهرة وعبر عن رغبته في زيارة الخرطوم، وأن السفارة قد وافقت وأبدت عدم ممانعتها، لكن الوفد قد خرج ولم يحضر مرة أخرى لإكمال الإجراءات والترتيبات المتعلقة بالزيارة، فهل وجهت الهيئة المعنية الوفد بالانتظار إلى حين حضور الوفد الصحافي والإعلامي السوداني أولاً، وأن «يتتقل» من قبيل «التُقْل صنعة» كما يقول المثل المصري. حقاً وصدقاً، لسنا من الراغبين في «تقليب المواجع» التي تنطوي عليها مسيرة العلاقات السودانية، فهي كثيرة ومريرة، تبدأ ب(غزوة الباشا) في 1821 وحملات «الدفتردار الانتقامية» مروراً بإعادة الفتح وموقعة كرري 1898 وما تلاها، لكنها كلها أحداث ومواجع أصبحت في ذمة التاريخ، على الشعبين في شمال وجنوبالوادي قراءتها كما يقرأ الألمان والفرنسيون والإنجليز والبولنديون والروس أحداث ومواجع الحرب العالمة الأولى أو الثانية، ليتجهوا لبناء علاقات أشد متانةً وأكثر نفعاً وجدوى لمستقبل الشعبين الجارين الشقيقين، وهذا لن يتأتى إلاّ باعتراف الطرف المصري بقدرة السودانيين على فهم وتحليل كل خطوة أو عمل يقومون به تجاه السودان، ويزِنون كل أفعالهم وأقوالهم بميزان هذا الاعتراف، ليس إمعاناً في «الحساسية» ولكن منعاً للتجاوزات التي تثير مثل تلك الحساسيات. من هنا، أتوجه للإخوة في اتحاد الصحافيين السودانيين لدعوة المكتب التنفيذي للاجتماع، وإعادة النظر في قراره بقبول دعوة هيئة الاستعلامات المصرية، أو على الأقل إرجائها إلى حين حضور الوفد الإعلامي المصري إذا كان في نيته الحضور، حتى نحفظ للوطن عزته وللصحافة كرامتها. وفي كل الأحوال السودانيون لديهم القدرة على تجاوز ما حدث ووضعه وراء ظهورهم بدون أي «مجهودات صحافية» أو إعلامية، مثلما تجاوزوا وتناسوا كل أحداث الماضي وأقبلوا على أرض الكنانة وشعبها بكل آيات المحبة والمودة والرجاء في مستقبل أفضل. وإلاّ انطبق علينا المثل السوداني القديم «اللضينة دقو واتعضرلو» مع إضافة «ناديهو» ولا تذهب له، وهذا قطعاً غير مقبول، فالذي يريد أن يعتذر عليه أن يبادر بالحضور.