كلنا يذكر كم كان التفاؤل الذي غمرنا جميعاً عندما وُقِّع في ظهر الأحد التاسع من يناير 2005م إتفاق السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان ، والذي وضع حداً لأطول حرب استمرت قرابة الخمسين عاماً .. فبهذا الاتفاق أُرِّخ لمولد« سودان جديد» نفض عن عاتقه كل الأغلال والأثقال وتخفف من الحروب ونوازع الشر وآثار القتال وأضرار حروب «الغوريلا» ، وتحقق السلام على مستوى الطاولة والتوقيعات والشهود وعلى مستوى الأرض والعمليات .. وفقدت البنادق كل زخمها وأهميتها ولم يعد لها من دولة ولا صولة.. إلاَّ صولة يوم يدعو داعي الأوطان لحماية الحدود والثغور. أما أحزاب المعارضة «جوبا2009» والتي كان منها على الحكم، وهي صاحبة الرصيد الكبير في «الديمقراطية ؟؟!!» والتي عجزت عن تحويل آمال الشعب السوداني من جنوبه وشرقه وشماله وغربه إلى حقائق ملموسة في حياة الناس .. في فُرص التعليم ورفع مستوى المعيشة وفي جودة الحياة عبر توفير الخدمات والصحة والتعليم والوصول إلى المواطن السوداني إلى أعلى مستويات المنافسة في كل المجالات وعلى المستوى العالمي وعبر هزيمة الفقر في كل ولاياتنا بل القضاء على العشوائية في حياتنا وفي بنائنا ... إلخ؟؟!! ، وكذلك أخفقت في حل حرب الجنوب، بل حتى توفير أبسط احتياجات القوات المسلحة آنذاك .. ولا ننسى أن نذكِّرهم بأن أزمة دارفور اندلعت في عهدهم !! لأنهم كانوا بعيدين كل البعد عن الآلام وويلات الحرب التي يواجهها أهل السودان جميعاً آنذاك. وعندما تحدث الراحل زعيم الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان والمفكر الثورى الكبير د. جون قرنق دي مبيور في فاتحة عهد جديد.. والذي قال عنوانه «السلام والمصالحة والآمال العراض في بناء سودان جديد يتسع للأحلام الكبيرة» وعلينا أن ننظر في حل مشاكل أخرى في شمال السودان ومن خلال السودان الجديد ، وهناك العديد من الناس من شمال السودان يشاركوننا معتقداتنا في الحركة وهم مؤمنون بالمبادئ «اليسارية» ومبادئ العدالة والمساواة. وأوضح قرنق أن فكرة السودان الجديد ترتكز على مبدئين أساسيين هما التنوع الثقافي والتاريخ المعاصر ، وأن التغيير الذي تنشده الحركة هو تغيير في المفاهيم السياسية القديمة ، مشيراً إلى أنه يتيح ممارسة الحريات في التنقل والتعبير والمشاركة في السلطة دون تميز عرقي ، وفي الإطار السياسي تلتزم الحركة الشعبية بأنها ستتبنى مسألة لتحويل الزراعة التحويلية إلى زراعة تجارية وسوف تهتم ببناء قاعدة صلبة من الزراعة والإعتماد على عائدات البترول وتطوير الري سيكون مهماً جداً ،وستقوم الحركة أيضاً بسياسة تهدف لأن يتحول الناس من المدن إلى الإرياف وليس العكس من الأرياف إلى المدن وأن تنمية وتخطيط الريف ستكون أيضاً من ضمن اهتماماتها ،وستعالج القضايا السياسية والاقتصادية وهنالك العديد من المشاكل التي تقتضي أن تعالج في مجال الصحة والزراعة وتقديم الخدمات اللازمة وتوفير مياه الشرب بإنشاء الخزانات الصغيرة وطاقة الكهرباء في كل المناطق وأنها ستبذل قصارى جهدها لتعزيز شبكة المواصلات بالجنوب ، وتستصحب في برامجها التنمية في جبال النوبة وأبيي ، وجنوب النيل الأزرق، وأن الجمهورية الأولى في السودان قد انتهت ، وأشار إلى أن الحوار الجنوبي الجنوبي الغرض منه تضميد الجراح وإنشاء الصداقات حتى تتألف كل القوى السياسية في جنوب السودان وعلى المستوى الوطني، والحوار الجنوبي ليس هو فقط على السلطة ولكنه مسألة ديمقراطية لمنع التنازع السياسي بين الجنوبيين .. والديمقراطية سواء كانت في الجنوب أوالشمال يجب أن لا ينظر إليها باعتبارها نزاعاً حول السلطة ... ستكون هنالك فرص لكل السودانيين والجنوبيين في حكومة الحركة الشعبية، وأؤكد للإخوة الجنوبيين أن هذه الاتفاقية لن يتم خيانتها ونحن في الحركة والمؤتمر الوطني ملتزمون بتنفيذها. وقال إن إتفاقية السلام الشامل لها ضمانات وأن الحركة ستعمل في شراكة مع المؤتمر الوطني لتجسيد معاني هذه الإتفاقية وتنفيذها روحاً ونصاً، وأن الاتفاقية واجهت مشاكل السودان الحقيقية وأهمها الفشل في الاعتراف بالتمايز في السودان ، ومضي قائلاً إن التمازج سيكون إيجابياً ويساعد على الوحدة الوطنية لكن عدم الاعتراف بهذه الحقيقة سيؤدي إلى التفتيت وسنعمل من أجل أن نتفاداه، وأن ذلك يتطلب إعانتنا حتى يتحقق التحول الديمقراطي في البلاد. ذلك الحديث أثلج صدور الكثيرين وبدأت تسرى نغمة أننا موعدون ب«سودان جديد» من نوع خاص للتاريخ والإنسانيات .. ولقد بالغ الكثيرون في التعاطي مع الخطاب فمنهم من اعتبره إيذاناً بفتح جديد.. ومنهم من اعتبره «نبياً» أرسلته العناية الإلهية ليملأ السودان بالديمقراطية .. ومنهم من رأى نفسه أنه سيصبح يوماً زعيماً لأحد أحزاب الاحتكار ؟؟!! وتبشر في ذات الوقت بحياة لا فرق فيها بين شمال السودان وجنوبه ، وبين غنى وفقير ، ومنهم من قال إن السودان «الجديد» سيولي اهتماماً من نوع خاص للمهمشين والجياع ؟؟!! وامتلات أرجاء السودان بالسعادة الغامرة .