قصص الأنبياء بين عرائس المجالس للثعالبي، وتشذيب الحافظ المحقق ابن كثير، والتراث المعرفي لليهودية والمسيحية، الممتزج بالتراث الوثني الشائع لدى اليونان والرومان، يثير عدداً من القضايا والتساؤلات الحتمية.. فإننا كمسلمين مأمورون بالإيمان بالرسل والاعتقاد الجازم بأنهم من خلص عباد الله الذين أكرمهم بالمعرقة والنبوة، وحملهم مسئولية تبليغ رسالاته.. وقد أورد القرآن الكريم أطرافاً من قصصهم مع أقوامهم، على سبيل العظة والعبرة، وعلى ذات النهج جاءت الأحاديث النبوية الشريفة الموثوقة، التي تصدى لتنقيتها مما داخلها من وضع مشبوه المقاصد، وضعف وتشويه، نفر من العلماء المخلصين، فابتدعوا منهج ثوثيق الرواية غير المسبوق ليضع حداً للتغول على قداسة السنة النبوية المطهرة.. وكان ينبغي أن يستخدم العلماء اللاحقون، نفس المنهج التوثيقي فيما يتعلق بالسير والأخبار.. حتى لا يعتمد منها إلا ما كان موثوقاً.. ولكن ذلك لم يحدث، حيث افتن كثير من مؤلفي السير والأخبار في إقحام طائفة من الأخبار غير الموثقة، مستقاة من المصادر الإسرائيلية والنصرانية، والمجوسية الفارسية والهندية.. يقول المحققون في هذا الباب: ( إن للإسرائيليات منبعًا آخر في غير كتب التفسير - هو أغزر مادة أو أكثر رواية -: وهو كُتب القَصص الخُرافية التي أسندت إلى مؤلفين لا شأن لهم، ككتاب ( عرائس المجالس ) وغيره في قَصص الأنبياء، و ( خريدة العجائب )، وأمثالها، وهي كتب طافحة بالمَوْضُوعات والأكاذيب، كما نَبَّه على ذلك حُفَّاظُ الحديث، حتى كان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - يقول: ( لا يصح في التفسير شيء ). لقد دفعني للكتابة في هذا الموضوع ما صادفته في الكتاب المذكور من قصص وحكايات لا تتسق ونهج الإسلام وروحه وقيمه وتعاليمه السامية.. وأن مرجعية المؤلف في بعض السير والأخبار، غير محددة، ورواياته منقطعة السند، ومعظم الرواة غير مبرئين من الغرض، وقد سبق لنا أن أوضحنا دور الشعوبية في الدس للإسلام، من خلال افتراء الأحاديث النبوية، وترويج الروايات الملفقة عن الرموز الإسلامية المشرفة.. ومن المؤسف أن بعض المصادر اليونانية والرومانية قد نبهت إلى عدم موثوقية كل الأخبار الرائجة عن الأنبياء الأوائل، قبل الطوفان، إلا ما ورد في مصادر إلهية الكتب السماوية غير المحرفة، أو التي اختلطت فيها الشروح التي استعانت بالأساطير الوثنية، بالمتون الإلهية،