إن واحداً من أسوأ سلبيات السياسة التعليمية التي اتبعتها ثورة الإنقاذ الوطني منذ اندلاعها، هو خلق نوع من الطبقية في التعليم.. ليس ذلك على مستوى التعليم العام، بل حتى على المستوى الجامعي.. وهذه الطبقية تعد واحدة من الأسباب التي ساعدت في تدني مستويات الطلاب، حيث تم تقسيم الطلاب إلى طبقتين هما طبقة المتفوقين الذين يحرزون أعلى الدرجات والذين يتم قبولهم بمدارس سميت نموذجية وفرت لها الدولة كل المعينات اللازمة للتفوق، وطبقة غير المتفوقين، أي الذين يحرزون درجات تقل عن تلك التي حددت للقبول بالمدارس النموذجية ويتم توزيع هؤلاء على المدارس العادية التي كثيراً ما تفتقر إلى أدنى المقومات.هذا التقسيم الطبقي الذي تبنته الدولة وقننته بصورة أبعد ما تكون عن دور ورسالة وزارة التربية والتعليم، قد سبقه نوع من التقسيم كان في بدايته لا يقوم على أساس طبقي، حيث كان هناك ما يسمى بالمدارس الأهلية والتي كانت تقوم بتوفير فرص التعليم للتلاميذ الذين لم يتمكنوا من الإلتحاق بالمدارس الحكومية التي كانت كلها نموذجية، تجد الرعاية والإهتمام من الدولة وانضمت إليها مدارس إتحاد المعلمين، إلا أنه ورويداً رويداً بدأ الجشع يدب في عقول القائمين على أمر هذه المدارس لا سيما بعد أن فتحت الدولة الباب على مصراعيه لكل من يريد أن يفتح مدرسة خاصة، حيث أصبحت العملية التربوية والتعليمية عملية تجارية مثلها مثل أي نشاط تجاري يجري أصحابه وراء الربح السريع والفاحش أحياناً، الأمر الذي جعل هذه المدارس مظهراً من مظاهر التباهي بين الناس، إذ أصبح المرء يقاس ثراؤه بعدد أبنائه الذين يدرسون بمدارس خاصة منذ مرحلة التعليم قبل المدرسي وحتى المرحلة الجامعية. هذه السياسة التي قسمت التعليم إلى نموذجي وعام وحكومي وخاص، سوف تترك أثراً نفسياً سالباً في نفوس الطلاب، فلابد من إعادة النظر في هذه السياسة وذلك بأن تضع الدولة خطة لجعل كل المدارس نموذجية كما كان الحال في الماضي، وأن تتحمل الدولة مسؤولياتها تجاه مواطنيها وذلك بتوفير الدعم اللازم للتعليم، فقد اتبعت الدولة هذه السياسة الطبقية في أوساط المجتمع بعد تبني الدولة لسياسة التحرير الاقتصادي، فقد فهمت سياسة الخصخصة فهماً خاطئاً، والخصصة لا تعني أن تتنصل الدولة من مسؤولياتها تجاه مواطنيها، لأن التعليم من الحقوق الأساسية للمواطن ويجب أن لا يحرم منه نتيجة لتبني الدولة سياسات اقتصادية لا تنظر بعين الرحمة إلى الضعاف من مواطنيها. إن واحدة من النتائج السالبة لحصر الطلاب المتوفقين في مدرسة واحدة وترك غيرهم في المدارس الأخرى، هي قتل روح التنافس بين الطلاب وبالتالي سوف يتدهور مستوى الطلاب بالمدارس العادية، وقد ظهر ذلك جلياً في نتائج امتحانات الشهادة السودانية، حيث نجد أن المدارس النموذجية والخاصة تتبوأ المقاعد الأمامية بينما تتوارى المدارس العادية في المقاعد الخلفية، فإذا كان توزيع الطلاب يتم بصورة عادية بأن يكون بالفصل الواحد مختلف المستويات، فإن ذلك سوف يقوي روح التنافس بين الطلاب.إن استمرار سياسة التعليم الحالية سوف تحرم السواد الأعظم من أبناء الشعب السوداني من الإلتحاق بالكليات التطبيقية كالطب والهندسة والصيدلة، ذلك لأن هذه الكليات سوف يستأثر بها المحظوظون الذين توفرت لهم الفرص إم بالقبول بالمدارس النموذجية أو المدارس الخاصة، لذلك أقترح بأن يتبنى المجتمع فكرة المدرسة الثانوية النموذجية الخيرية، والتي تهدف في المقام الأول إلى توفير فرص التعليم المناسب لأبناء الطبقات الضعيفة حتى تستطيع أن تنافس أبناء (المصارين البيض)، وتقوم هذه الفكرة على الآتي: 1. يتم إفتتاح مدارس ثانوية بالولايات وولاية الخرطوم بالأحياء الطرفية والمدن الصغيرة التي تفتقر مدارسها إلى أدنى مقومات العملية التعليمية، هذه المدارس يمكن أن تتكفل الدولة ببنائها أو أن يقوم بذلك الخيرون من أبناء الوطن. 2. تتكفل الدولة بتوفير المعلمين بهذه المدارس وأن تتحمل روابتهم. 3. يقوم الخيرون من أبناء هذه الأمة أفراداً وجماعات، بتوفير دعم مالي لهذه المدارس يقدم كحافز للمعلمين في هذه المدارس حتى يتفرغوا تماماً لأداء رسالتهم. 4. تكون درجات القبول لهذه المدارس أقل من درجات القبول بالمدارس الحكومية، فإذا افترضنا أن القبول بالمدارس الحكومية يتم من 170 درجة فما فوق، فإن القبول بهذه المدارس يبدأ من 169 درجة فما دون. 5. يكرس المعلمون بهذه المدارس كل أوقاتهم لعملية التدريس والمراجعة والامتحانات الدورية. 6. تعمل هذه المدارس على مدار اليوم، حيث تكون الفترة الصباحية لليوم الدراسي العادي، وفترة الأمسيات للدروس الإضافية، وبعد المغرب تفتح هذه المدارس أبوابها للتلاميذ للمذاكرة. وأخيراً أرجو أن تجد هذه الفكرة القبول وسوف تكتمل سعادتي إذا رأت هذه الفكرة النور في العام الدراسي القادم.