بسهولة المواصلات وسرعتها وارتباط العالم بشبكة محكمة من وسائل النقل، أصبح في مقدور المجرم التنقل في أرجاء العالم بسرعة متناهية، تفادياً للقبض عليه، وهرباً من وجه العدالة، ولإقامة تواصل مكاني بين ضحاياه ومطارديه. وقد أدت الأحداث الدولية المتعاقبة، وخاصة الحروب إلى الهجرة والاختلاط بين شعوب العالم، مما مهد السبيل لارتكاب الجريمة على نطاق دولي، وأوجدت ما يعرف بالمجرم الدولي. فما هو المجرم الدولي؟ في الواقع لا يستند تعريف المجرم الدولي إلى فكرة قانونية، إذ ليس ثمة قانون يجرم الدولية، وإنما يستند إلى اعتبارات عملية اقتضتها الظروف الحديثة.فإذا قتل رجل إمراة ثرية في بلجيكا وهرب إلى باريس، أو مارس لص نشاطه في أكثر من دولة يعد مجرماً دولياً.. ومن الواضح أن صفة المجرم الدولي مستقاة من نوع الجريمة وظروفها، ومن هنا نشأت فكرة البولس الدولي.ولم يكن هذا البوليس وليد مرحلة واحدة، ولكنه تنقل عبر التاريخ ففي سنة 1914م اجتمع عدد من رجال البوليس وفقهاء القانون في إمارة موناكو، بدعوة من الأمير البرت لوضع أسس وقواعد التعاون بين بوليس الدول المختلفة، ولكن نيران الحرب العالمية الأولى وما تبعها من سوء علاقات الدول أسدل الستار على هذا المشروع.وفي عام 1933م انعقد المؤتمر الثاني للبوليس الدولي في فيانا، حيث عرض جوهان شوبر مدير بوليس فيانا مقترحات مؤتمر موناكو فأقرتها عشرون دولة، ونشأت لأول مرة هيئة البوليس الدولي الجنائي، وباشرت أعمالها حتى بداية الحرب العالمية الثانية في النمسا.وفي عام 1946م اجتمع في بروكسلببلجيكا بناءً على اقتراح من الميسو ولوفيج المفتش العام للبوليس البلجيكي، والأعضاء القدامى للهيئة، التي أوقفت بسبب الحرب، لإحياء فكرة التعاون الدولي في شؤون البوليس، وقد أسفر الاجتماع عن نقل مقر المنظمة إلى باريس، حيث وضع لها قانون سميت حينئذ بالانتربول (INTERNATIONALP OLICE) كما نص على أن تجتمع الهيئة سنوياً، ويختار لها رئيس كل أربع سنوات. الأهداف العامة للهيئة: أولاً: تنمية التعاون المتبادل بين جميع سلطات البوليس في العالم، في حدود القوانين المعمول بها في مختلف البلاد، وطبقاً لروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ثانياً: تطوير مختلف الهيئات لمنع الجريمة ومكافحتها، دون القيام بنشاط ذي صبغة عسكرية أو عنصرية أو دينية، والوسيلة إلى ذلك هي تبادل المعلومات البوليسية بين الدول الأعضاء، وتحقيق شخصية الأفراد المراد القبض عليهم، والقاء القبض على الهاربين بمقتضى أوامر صادرة من هيئة قضائية مع تقديم طلب قانوني لتسليمه.ولا شك أن لكل دولة مطلق الحرية في حبس الشخص المقبوض عليه، أو تسليمه، مما حدا بالكثير من الدول خاصة تلك التي يربطها حسن الجوار أو العلاقات المشتركة إلى عقد اتفاقيات تبادل المجرمين. وإذا نظرنا إلى تعدد صور الجريمة، أدركنا أهمية قيام روابط وثقيقة بين أجهزة البوليس وقواته في شتى دول العالم، وإنشاء نظام متعارف لتبادل المعلومات والنشرات، وأثر ذلك في منع الجريمة، إذ عندما تصل أوصاف المجرمين وأنواع نشاطهم إلى دولة هم في طريقهم اليها، أمكن لسلطات الأمن في تلك الدول منعهم من الدخول، أو مراقبتهم، أو اتخاذ أي إجراء وقائي آخر يمنع ممارستهم لنشاطهم الإجرامي، وللمنظمة مجلة رسمية هي مجلة البوليس الجنائي الدولي، والتي تنقل للعالم أجمع أفضل وأحدث الأفكار والأساليب في مكافحة الجريمة، كما تنطوي على دراسات حيوية أخرى للدور الاجتماعي الذي يضطلع به رجل البوليس الحديث، ووسائل ممارسة التدريبات الفنية والعلمية في ميدان التعاون الدولي، لأن أسمى أهداف المنظمة إتاحة الفرص لمندوبي الدول التعارف وتبادل الآراء، وعرض المشكلات في مجال اختصاصهم خاصة.ومواجهة الجريمة تقتضي في المجال الأول دراسة المشاكل التي يواجهها البوليس، والاستفادة من خبرات الغير في التغلب عليها، وأهم المشاكل التي تحتاج إلى حلول مهمة وعاجلة وحاسمة، تقوية أجهزة الشرطة وإعادة تنظيمها وتزويدها بالوسائل الفنية، التي تمكن من اكتشاف الجريمة الحديثة التي يسخر فيه العلم، وهي دراسات تتكفل المنظمة بها، كما تضع الاحصائيات عن إزياد الجرائم وأنواعها، وتركز بصفة خاصة على الجرائم الخلقية كالدعارة والاتجار بالنساء.وما يسر له أن السودان عضو عامل في هذه المنظمة منذ الاستقلال، يفي بالتزاماته كاملة تجاهها.وفي كثير من الأحيان تعاون عن طريقها مع دول أخرى وتمكن من قبض الهاربين وتقديمهم للعدالة. كيف تعمل المنظمة؟ أن الأسس الرئيسية التي تعمل على هديها منظمة البوليس الدولي في مجال البوليس تقوم على ما يأتي: أولاً: إنشاء أجهزة خاصة مهمتها توثيق العلاقات مع أجهزة البوليس في الدول الأخرى. ثانياً: إيجاد وسائل سريعة للاتصال بين الأجهزة المختلفة. ثالثاً: تنسيق المعلومات التي تصل من الدول الأعضاء للسكرتارية العامة ونشرها على نطاق واسع.