بعد أن قالت المعارضة في المؤتمر الوطني أكثر مما قاله«مالك» في الخمر، وجدت ضآلة أخرى.. لتصب نيران غضبها عليها وهي مفوضية الانتخابات تلك المؤسسة التي تجري في شريانها الدماء السودانية الأصيلة. وبعد أن تعبت المعارضة من ترديد «أغنياتها» الهابطة عن تزوير الانتخابات وعدم حيادها والتلاعب فيها.. باتت المفوضية كبش فداء لسهام المعارضة السامة.. ومع أن المعارضة لم تقدم لنا أي دليل دامغ يؤيد ويساند ما تذهب إليه.. إلا أن الجماهير السودانية العريضة تولدت لديها قناعة راسخة بأن المعارضة فاقدة الأهلية وتلقي القول على عواهنه. مفوضية الانتخابات السودانية التي ولدت حديثاً وأنجزت عملاً أشاد به مراقبو الخارج قبل الداخل، لا تستحق كل هذه الانتقادات المدمرة من قبل المعارضة باعتبار أنها مؤسسة سودانية يجري العمل فيها بكوادر سودانية مزودة بالخبرة والكفاءة ومشهود لها محلياً وإقليمياً وعالمياً. ولعل المعارضة بحضورها الدائم في أي مركز اقتراع لتراقب وتحصي حتى نبضات قلب العاملين بالمفوضية تنسى أنها شاهد عيان، وبالرغم من ذلك تتلون كالحرباء لتخفي نفسها وتحميها من نظرات الناخبين الذين فقدوا الثقة والمصداقية في أحزابهم. ü كان الأجدر بالمعارضة الهدامة أن تشيد بأداء المفوضية و بالجهد المقدر لإخراج العملية الانتخابية بهذه الصورة التي أذهلت العالم أجمع. وحسب اللعبة الديمقراطية إن معارضي اليوم قد يكونوا حكام الغد ولذا فمن المستحسن أن يجدوا صرحاً مؤسساً قد أُزيلت عنه كل الشوائب التي تحسن الأداء ما دامت الثغرات التي أُثيرت ليست على المستوى الذي يشوِّه الجوهر والهدف. ألحقت المعارضة أذىً جسيماً بالمفوضية وذهبت إلى الحد الأبعد واتهمتها بأنها شاركت حزب المؤتمر الوطني في تزوير الانتخابات، وهذه تعد أكذوبة من أكاذيب المعارضة.. فالمعارضة أعلنت وقبل أن تبدأ العملية الانتخابية بأنها مزورة وشككت في نزاهتها.. وبما أن المعارضة فاجرة في الخصومة مع المؤتمر الوطني.. فكل ما يصدر منها لا يؤثر طالما أن تفكيرها «اتجاه واحد» وغير قابل لتقبل الحقائق المجردة. مفوضية الانتخابات لها كل الشكر والثناء وقد أجمع كل المراقبين على أدائها وحسن إدارتها لعملية الاقتراع مما جعل جماهير الناخبين تسلك مسلكاً حضارياً راقياً وهم يدلون بأصواتهم.. وأن الأخطاء الفنية والإدارية واللوجستية جاءت لحداثة التجربة ولإرساء معالم صرح دائم لمؤسسة انتخابية سودانية مائة في المائة ولعل الذين صوَّتوا في أول انتخابات بالسودان في بداية الخمسينيات يذكرون جيداً أن السودان استعان بخبير هندي لإدارة العملية الانتخابية. عموما نقول إن مفوضية الانتخابات لن تنال أي إشادة أو شهادة تقدير من المعارضة، بسبب أن معارضتنا لم ترتقِ بعد إلى المستوى الحضاري والسلوك الانتخابي القويم.. والسبب أن المعارضة وهي بعيدة عن كراسي الحكم تعطي إشارات مربكة وسالبة لأي حدث ينقل السودان نقلة نوعية إلى أعلى.. ولعل الهجوم المدمر يذكرنا بمسلك المعارضة في أبريل 1985م عندما رفع الحزب الشيوعي شعار دمروا آثار مايو.. وتوجهت «الرجرجة» الدهماء إلى قاعة الصداقة ومبنى البرلمان لتحطمهما على أنهما أثران باقيان من مايو.. وعندما فشلوا رجعوا خائبين.. والعجب أن الحزب الشيوعي ذاته عقد اجتماعه الخامس بقاعة الصداقة.