فاز المؤتمر الوطني بأغلبية ساحقة في الانتخابات العامة، التي شهدتها بلادنا مؤخراً، وإن كانت النتائج النهائية لم تُعلن بعد.. وهو فوز مؤكد.. لكن الأصوات التي ذهبت الى صناديق الاقتراع ليست كلها هي أصوات أعضاء المؤتمر الوطني الذين تضمهم كشوفات العضوية، إذ إن أكثرها جاءت من مواطنين لا علاقة لهم بالعمل السياسي، وهذه حقيقة يجب أن يدركها الفائزون، إذ إن المواطن الآن يختار أو يتوجه حيثما رأى مصالحه.. الى حيث الخدمات المتوقعة، وربما كان فوز المؤتمر الوطني مرتبطاً بفوز الرئيس البشير، إذ إن الرمز واحد، وهو الشجرة.. ولسان حال الناخب والمواطن يقول ويردد الأهزوجة القديمة: يا طالع الشجرة.. جيب لي معاك بقرة تحلب تعشيني .. بالملعقة الصيني أي ارتباط الصوت بالأمل والرجاء في عيش رغد، وحياة رغدة، وخدمات متيسرة، إن لم تكن مجانية، وسيظل الحفاظ على هذا الموقع المتقدم في خارطة العمل الحزبي والسياسي صعباً، إذ إن المواطن سيكون هو الحكم طوال أربع سنوات قادمة بإذن الله، ليقول كلمته مرة أخرى عبر صناديق الاقتراع. بدأت ب(يا طالع الشجرة)، وفي ذهني سؤال خطر على بالي عرضاً، وهو (هل تصبح الأغنيات والأهازيج والأناشيد جزءاً من تاريخنا السياسي والإجتماعي؟ وهل يمكن أن تكون استقراءً للمستقبل؟) الإجابة ستكون ب(نعم) و (لا).. نعم في حالة التعبير الشعري والغنائي عن مرحلة ما.. مثلما حدث في حالة الأناشيد المرتبطة بالأنظمة، بدءاً من ما تناقله الناس عن بعض أغنيات المهدية، التي تربط ما بين البرنامج السياسي للدولة، وما بين قضايا المجتمع الملحة مثل الزواج الذي كان أمره عسيراً، فجاءت ثورة الإمام محمد أحمد المهدي - عليه السلام فأرست قواعد جديدة للزواج بغرض تسهيله من خلال الزيجات الجماعية، أو ما كان يُعرف ب(زواج الكورة).. فتغنت المغنيات ب: المهدي جا.. من دنقلا وقال الفتاة.. بي فد ريال والعزبة .. بالفاتحة أو مثلما جاءت في مسيرة وكتاب الغناء السوداني النسوي إشادة بالتعليم والمتعلمين، عندما غنت البنات للطبيب (البي العصر مرورو) أو (الماشي لي باريس جيب لي معاك عريس.. شرطاً يكون لبيس من هيئة التدريس)، أو (المهندس جا ورسم البنا) وغيرها. ومثلما جاء في الربط بين الشعارات السياسية والأنظمة الجديدة، كما في حالة أناشيد 17 نوفمبر 1964م مثل (بلبل طار وغنا يحكي للعالم عنا)، أو (في 17 هب الشعب طرد جلادو)، ومثلما جاء في أغنيات مايو بدءاً من (مايو اتولد)، مروراً ب(قدم الخير عليك يا بلادنا)، انتهاء بما كان يردده الثنائي الوطني من أناشيد تمجد ذلك النظام. وكان للثورات الشعبية والحركة الوطنية قبلها نصيب الأسد من الأغنيات، مثل أناشيد المؤتمر أو أناشيد أكتوبر أو أبريل. قطعاً هناك قضايا أخرى غير سياسية، لكنها تؤرخ للمرحلة حتى في أغنيات الحقيبة القديمة، ليس في أمر الحب وحده، بل مع الإشارة الى التحولات الثقافية مثل ظهور السينما وانبهار بعض الشعراء بنجوم السينما، مثلما في حالة الشاعر الكبير عبد الرحمن الريح، الذي أعجب بالفنانة فاتن حمامة، ليجد نفسه بعد نهاية الفيلم ينظم واحدة من أجمل القصائد والأغنيات السودانية هي (مع السلامة يا حمامة ظللت جوك الغمامة، طيري في جوك المعطر، وأنشدي شعرك المسطر.. قولي للشادن المبطر-زيد دلال وزيد وسامة) الغناء يوثق للمجتمع.. ويعبر عن الآمال في المستقبل.. لكنه لا يفعل ذلك في بعض الأحيان.. وإن جاء الأمر مصادفة في مثل (يا طالع الشجرة) الأولى، رغم أن هناك ثانية كتبها الشاعر محمد نجيب محمد علي يقول مطلعها: (يا طالع الشجرة.. جيب لي معاك أفراح.. من سكة المطرة.. وأنا في الدرب سواح). .. و.. جمعة مباركة