الأخ الكريم الأستاذ مؤمن الغالي : تحايا بطعم الشهد.. بعطر البنفسج والياسمين والورد.. وانحناءة لهذا القلم الوسيم الجسور.. المترع بقضايا الوطن.. المثقل بمهموم الناس. عشرون عاماً عجافاً وشخصي الضعيف عاطل تماماً عن العمل، إلا من عمل طيب لوجه الله.. وبذلك أصبحت من قدامى العاطلين، وأكثرهم خبرة وعطالة، فالعيال كبرت، وشالت الشيلة، والحمد لله. الحاجة أديها العافية أصبحت دادة للأحفاد.. وبذلك أصبحت خالياً من الدسم والدهنيات، فأدمنت القراءة والكتابة، ومتابعة الفضائيات، والمواظبة على حضور كل المناسبات والزيارات.. فإن كنت لا تعلم أين تذهب، فكل الطرق تؤدي إلى هنالك. في العام الأخير من الثمانينات، أو ما يسمى بعام الرمادة أحلت المعاش للصالح العام، ضمن زملاء آخرين، لم أحزن ولم آسَ، باعتبار أن ذلك كان قدراً وأمراً مقضياً. ولكن ما أحزنني حقاً ذلك الطوفان الكاسح باسم الصالح العام، والذي اجتاح غدراً وظلماً آلافاً من العاملين بمرافق الدولة، وفي أعناقهم وضعت ديباجة: (انتهت الصلاحية) كان من ضحايا ذلك الطوفان أخوة أعزاء، ربطت بيننا زمالة المهنة فكانوا أكثر الرجال قدرة وعطاءً وتفانياً في العمل، وفي أكثر أقاليم الوطن قسوة وشدة. ومع ذلك بترت أعناقهم تحت مقصلة الصالح العام، دون حيثيات تتلى، أو محاكمة تعقد، بل فقط بالحمية حمية الجاهلية الأولى. صحيح هنالك من ارتكب أخطاءً ولكنها لم تكن أخطاءً تجازى بذلك الحد الأليم، اللهم إلاّ قلة لا تذكر. فالبشر كل البشر خطاءون، وفي ذلك قال السيد المسيح: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) فلم يقع على تلك المرأة حجر. أو تلك الحكمة الجميلة الوضيئة: (كلنا قمر له جانب مظلم) ولكن أنّى لأولئك القوم من هذا الفهم. إذن الصالح العام ما كان إلا غطاءً زائفاً، لشعار نازي بغيض، وآخر إسلامي مكذوب: (من ليس معنا فهو ضدنا ومن هو ضدنا فليس منا) وكان أيضاً سانحة لحملة الأحقاد والبغض والضغائن، فحصدوا فيه ثمارهم وقطوفهم الضياع. منهم من رحل عن دنياه شقياً محروماً، ومنهم من بقى فيها حزيناً مهموماً، يمتهن، ورغم المقام، مهناً يسد بها الرمق وتكفيه شر السؤال. ما ساقني سرداً لهذه المأساة هو أننا على أبواب حكومة جديدة، نرجو ألا تكون امتداداً لسلفها (فكل حية لا تلد إلا حية مثلها) وأنها سترث تركة مثقلة بقضايا الوطن، وهموم الناس، ومع ذلك يجب أن تكون أولى مهامها لاسترداد حقوق المحالين للصالح العام، فيكفيهم عشرون عاماً ظلماً ووعوداً، كانت كغيرها أكاذيب، ووعوداً جوفاء، ويكفيهم عشرون عاماً من شظف العيش ووطأة الحياة. وإلى كل ضحايا ذلك الطوفان أذكرهم بقول السابقين: (إننا لا نستطيع أن نمنع طيور الهم أن تحلق فوق رؤسنا، ولكن نستطيع أن نمنعها بأن تعشعش فيها). أحمد حسن أحمد أم درمان/ حي العمدة من المحرر: الأخ الجنرال.. أحمد حسن أحمد لك الود.. وها هي كلماتك.. تضيء.. عتمة هذه المساحة.. لن أواصل معك النواح والبكاء.. والنحيب على طوفان الظلم الذي أغرق.. كل رجل أو امرأة.. شاءت أقدارهم السعيدة.. أو الشقية.. ألاّ يكونوا من (إخوان) مسلمي هذه البلاد.. فهذه المناحة.. أنا أهدرت وأهرقت.. وأسلت لهولها.. طوفاناً من الأحبار.. وأحياناً الدموع ومرات النزيف.. ولكن... دعني .. ألتقط.. آخر السطور في عرض حالك الحزين.. وهو بالمناسبة أيضاً عرض حال.. كل من ذبحته من الوريد إلى الوريد.. سكين الصالح العام الوحشية.. الدامية.. التترية.. التقط كلماتك المفعمة بالأمل.. السابحة في فضاء رحيب بأجنحة.. التفاؤل.. والأماني.. بانقشاع محنة، وتسلل بعض الأشعة.. لتبرد.. حلوكة ليل الظلم البهيم.. أنت تأمل في حكومة جديدة.. راجياً ألاّ تكون امتداداً لسلفها.. وحتى.. أفتح معك أبواب التفاؤل مشرعة.. أقول.. إن الرئيس المنتخب.. وبالأمس فقط قد خاطب الشعب السوداني قاطبة.. شاكراً لهم.. التصويت .. في الانتخابات.. وهنا دعني أقول للرئيس .. إن الشكر الذي أرسلته إلى هذا الشعب المبدع الصبور.. يكون فاعلاً وفعالاً.. أنيقاً وبديعاً لو حولت كل حرف فيه إلى برنامج.. إسعافي.. قاطع.. صارم وعادل.. وهو .. إيقاف نزيف أوردة كل من انتاشته سهام الصالح العام.. إن الشكر يكون فاعلاً وفعالاً.. لو راجعت كل كشوفات الصالح العام.. الذي أطاح.. بأبرياء وأنقياء.. ومهرة.. وعلماء.. وأكفاء.. كنستهم يد الثورة الباطشة .. إلى الشارع العام.. لا لذنب أو جريمة ارتكبوها... غير أنهم مواطنون.. غير موالين.. للذين.. كانوا يمسكون بالسكاكين.. إخلاءً للأرض.. والمكاتب.. والوزارات لرجالات التمكين، إن الشكر الذي يستحقه هذا الشعب هو رد اعتبار.. وإعادة المفصولين للصالح العام.. مؤمن