غرائب الدنيا وعجائبها، أحلامها وكوابيسها، آمالها وآلامها، مضحكها ومبكيها .. كلها تأتيني يوميا ..سافرة عارية .. على بريدي الالكتروني ! من الذي أطلق هذا العفريت المسمى الإنترنت ؟! والله لا أظن أن الدنيا شهدت هزة كونية كتلك التي أحدثها ذلك العفريت . وستظل البشرية أسيرة لهذه الهزة، بل وأسيرة لتوابعها وتداعياتها، ما بقي إنسان على ظهر البسيطة !! الإنترنت خطر ؟! أي نعم . ولكن من الذي يريد لحياته أن تكون بلا إثارة متوهجة، بلا ألغام يتم اكتساحها، بلا غموض، وبلا غرائب كامنة وراء الأكمة ؟! مجموعات بريدية، ومدونات، وكيانات دينية، وأخرى ثقافية، وبعضها عرقية صريحة، وأخرى جهوية، وغيرها وغيرها، كلها تسبح في الشبكة العنكبوتية، وكلها تتنفس، وتعبر عن أفكارها، وتحيك مؤامراتها، وتمهد أرضياتها، وتصطرع، وتفور، وتمور، وترسل رسائلها، و(يا صابت يا خابت) !! القدرة على التنقيح هي ما قد يفتقده بعض المتلقين. هذا ما يقوله بعض رافعي عصا الرقابة، جاعلين من أنفسهم أوصياء على الدنيا، ولهم ما أرادوا .. طالما بقيت العصا مرفوعة .. دون أن تنزل على الرؤوس ! المشكلة حين تتحول العصا إلى أداة خطيرة، تمارس التكميم، ومصادرة العقول، والتشويش، فتكون أكثر قسوة من سيل العفاريت الزاحفة من خلال الإنترنت. شخصيا، أكترث لما يأتيني، غثا، وسمينا، بل وتأتيني أحيانا أشياء، يملؤني الحياء من ذكرها للآخرين، رغم أنني أهمس بها لبعض من أبناء جيلي .. ممن أصطفيهم، ولا أجد حرجا في البوح بها إليهم !! نعم .. أكترث لكل ما يأتي، ولست ممن باتوا يملكون الحصانة، حتى لو تحولت آخر شعرة في حاجبي للون الأبيض، ففي داخلي، ككل الناس، الناكرين منهم والمقرين، الرافعين للعصا، والهاربين برؤوسهم من خطر العصا. . في داخلي طفل شغوف بمعرفة كل شيء، لا يعرف خطوطا حمراء، بل تستفزه تلك الخطوط الحمراء , وتشعل فيه نار حب الاستطلاع، ولا يهدأ له قرار، حتى يغطس لأذنيه فيما يأتي !! أتعرفون ما أكبر مشكلة في الإنترنت ؟ إنها الحقيقة. فما يلفظه هذا العفريت يجعلك حائرا ، فلا تعرف من الصادق ومن الكاذب، من الذي يدس ومن الذي يمحض النصيحة. لكن عفريت النت، على أي حال، لا يملك أن يسلبك قرارك ، ولا يملك مصادرة خياراتك، هو يأتيك، ويعرض عليك ما يعرض، لكنه ساعة القرار .. يقف نائيا لتقول كلمتك بعيدا عن مجاله المغنطيسي ! النت دنيا، فإما أن نرتضيه غثا وسمينا، ثم نملك قرارنا، وإما أن نلفظه بأكمله .. وندفن رؤوسنا في الرمال !