عقب انتقادي للأداء في الإذاعة السودانية وقولي إن أستاذنا معتصم فضل قد آن أوان ترجله عن كرسي قيادة الإذاعة، ومطالبتي لصديقنا عبد العظيم عوض مدير الشبكة القومية بالإذاعة بمراجعة سياساته البرامجية.. عقب كل هذا، أو بعد تأكيدات إحدى العاملات بالإذاعة لما ذهبنا إليه من تدهور للأداء بالمؤسسة العريقة، والذي نشرناه بشواهدها والمقارنة بين الماضي والحاضر، تفاجأت بهاتف من الأستاذ عبد العظيم.. والمفاجأة هنا لم تكن في المهاتفة فنحن في كل يوم نتلقى هواتف كثيرة من الذين لا يروق لهم ما نكتبه عنهم فيعبرون بهواتفهم عن غضبهم واحتجاجهم على ما نكتب .. فالقيادات في بلادنا يريدون أن نصفق لهم دائماً حتى في حالات الفشل والإخفاق.. والمفاجأة جاءت في أن اتصال عبد العظيم جاء مختلفاً، بتبليغه لي بأن الرسالة التي وددت إيصالها قد وصلتهم، وأن الانتقاد الحاد الذي وجهته لإدارة الإذاعة قد أسعدهم، وأنهم سيدرسون ما جاء فيه لقناعتهم بأن النقد هو الساق الثاني للإبداع.. وأن الإداري الذي يرفض أن تُهدى له عيوبه كمن يريد أن يسير بساقٍ واحدة لا تعينه على الانطلاق ولا تقويه على تحمل المشوار.. بل طالبني بالاستمرار في مقالاتي عن الإذاعة لتعينهم على المسار، مؤكداً قناعتهم بأن المستوى دون الطموح وأنهم حريصون على أن يكونوا بحجم رغبة المستمعين.. ليدور بيننا من خلال الهاتف حوار طويل وعميق لم يكابر فيه عبد العظيم الذي كبر في نظري بتأكيده أنه ليس من الذين يطربه المدح وأنه من الذين يهتمون بما يكتب لتقويم الأداء.. فشكراً أخي عبد العظيم فهذه الروح نسأل الله أن يكثر من أمثالها في مؤسساتنا وفي مجالات الإبداع.. فعندما كتبت مرة عن فنان كبير قلت إنه قد «سرق» إحدى ألحان أغنياته من فنان زنجي أمريكي كبير بدون تصرف وبكامل النغمات التي أدخل عليها الكلمات فقط.. فوجئت لدى زيارتي اتحاد الفنانين مساءاً بالكراسي تتسابق نحوي من قذف هستيري قام به الفنان تجاهي. والأمثلة كثيرة لما نتعرض له ونحن نحرص على قول الحقيقة .. عموماً أننا بحاجة إلى هذه الروح التي يتمتع بها عبد العظيم، والتي تشكل حالة نادرة بالرغم من أهمية توفرها في كل من قدم نفسه للعمل في مؤسسات أو أجهزة عامة، إلا أن مشلكتنا أننا لم نستطع التخلص من عقدة الأنا التي استفحلت كثيراً في دواخلنا والتي تجعلنا نعتقد أننا أكبر من النقد، بل أنه لا يوجد من هو أحسن منا لينتقدنا.. ومن الحالات النادرة أيضاً حالة المهندس السعيد عثمان محجوب الذي رمته الأقلام بحجارة تبنى جبالاً، إلا أنه كان يبتسم وهو يقول ما لا يقتلني يقويني، والقوة تأتي من الاستفادة من المفيد في ما يكتب.