كثير من الأقلام اتّجهت للبكاء على الوحدة؛ انطلاقاً من أحكام متسرّعة، بأننا قد أضعناها، وأنّنا سنضيع معها، وكذلك حال كثير من المجالس، ففي إحدى المناسبات الاجتماعية بحيّ العرضة بأم درمان، قال أحدهم: إنّ السودان سينتهي بعد أشهر، ليتحوّل بعد جملته تلك صيوان الغداء إلى منبر سياسيّ، يتجادل فيه المتشائمون، مع قلة المتفائلين، الذين قال أحدهم: إنّكم لا تعرفون المؤتمر الوطني، ولا تعرفون الحركة، وقد صدق الرجل، فالحركة، كما ذكرت أمس أن القرار فيها بيد الفريق سلفا كير، الذي يجيد اللعب على كل الحبال في وقت واحد، مثلما يجيد في النهاية القفز على الهدف، الذي يحقق مصالحه، ومصالح حركته في البقاء في الحكم، دون أن يتحول إلى غابة، وذكرت في حديثي شواهد كثيرة، تؤكّد أنّ سلفا هو صاحب القرار، وملك السيناريوهات في الدقائق الأخيرة في حركته، كما فعل في إخراج عرمان من السباق الرئاسي وغيرها من الشواهد الكثيرة، وقلت: إنّ سلفا الذي يلعب الآن على كل الحبال، والّذي نجده مع الانفصال أحياناً، ومع الوحدة أخرى، رجل يعرف كيف يضغط على الشمال لتحقيق المكاسب للجنوب، ويلعب على العالم؛ ليستفيد من دعمه له، وبضغطه على الحكومة، سيجعل الأشهر القادمة أغلب الأموال تتّجه للجنوب، كما يستفيد من رهانها عليه في مواجهة خصومه من أولاد قرنق.. ولهذا يصبح أيّ حديث أو تصريحات من الجنوب عن رغبة الغالبية في الانفصال، يجب ألاّ نبني عليها مسبقاً أحكامنا، كما يجب ألاّ نتجاهل قدرات المؤتمر الوطني، الذي قال عنه الرجل: إنّ الذين يتحدّثون عن عدم قدرته على جعل الوحدة في آخر لحظة هي الخيار، لا يعرفونه، أو يصرّون على مغالطة الحقائق، فالتجارب أثبتت أن المؤتمر هو حزب التحدّيات والرهانات، فعندما راهن د. الترابي على سقوطه عقب المفاصلة، فاجأه بمضاعفة قوته، كما فاجأ أوكامبو، الذي ظنّ أنّ إعلان قرار الجنائية سيحدث فوضى بالخرطوم، ففاجأه بتماسك وطني غير مسبوق، وبالمثل فاجأ د. خليل، الذي ظلّ يراهن على تشاد، باستقطاب تشاد إلى جانبه، للدرجة التي طردت فيها حليفها السابق من المطار، كما فاجأ من قبل مولانا محمد عثمان الميرغنيّ، الذي كان يهتف من الخارج: «سلّم تسلم» عندما تحركت الجيوش من كل دول الجوار، بدعم أمريكي، بتسليم مولانا، ومن معه للأمر الواقع، بأن الوطنيّ صعب المراس، وتأكّد لهم أن لديه قدرات عالية، على التكتيك، وكسب الرّهانات، وهي التي جعلت د. خليل لا يعرف أين يذهب بل جعلته عندما دخل أم درمان يخرج منها هارباً.. وقطعاً أنّ كل هذه المعطيات تجعلنا نتفاءل، بأنّ سلفا كير والوطني لا يجدان مفراً في الآخر، من ترجيح كفّة الوحدة، فالسياسة ليست هتافات، ولا أمانيّ، وإنما واقع، تعرضه الحسابات التي لا يمكن تجاوزها، والتي تقول: إن سلفاكير مستقبله السياسيّ في الوحدة، وإنّ الوطنيّ، بكروته الكثيرة لن يخسرها، وإن المرحلة تقتضي ألاّ نتشاءم مثلما تشاءمنا كثيراً من قبل، في مواقف صعبة، انتهت بسعادة، تجاوزنا إليها بما نمتلكه من قدرات. أخيراً سيقول الواقع أمام سلفا كير : إن الوحدة الجاذبة ليست في الطرق المسفلتة، أو الجامعات الكثيرة، أو غيرها من أشكال التنمية، وإنما في الأمن الذي يضمنه الجنوب من الخوف والجوع، حالة جعلها الخيار، بحكم أنّ أيّة تنمية في غياب الأمن إلى زوال، وسلفا القائد يدرك حقيقة الوضع حالة الانفصال والتيارات الكثيرة التي ستتجاذب الجنوب من داخل، وتعصف بملكه، وبأحلام الجنوبيّين في الاستقرار والأمان.