1.إنّنا نشيد باهتمام السيد/ الصادق المهدي، بالتصدّي لكلّ القضايا المهمّة، على المستوى العالميّ والإقليميّ، ومنها قضايا المياه، على الصعيد العالمي والإقليمي، والعربي، والإفريقيّ، ولكنّنا نرى أنّ معظم ما طرحه من آراء حول قضية مياه النيل لم تكن مؤسسة على حيثيّات صحيحة.أمّا اتّهامه بغياب التفكير الاستراتيجيّ نودّ أن نؤكّد له أنّ لدى وزارة الريّ استراتيجية للتعاون مع دول حوض النيل، منذ بداية الستينات، وتم وضعها على أرض الواقع، في إطار مشروع الدارسات لحوض البحيرات الاستوائية، الذي استمرّ منذ عام 1967م، حتى أواسط التسعينات، وكان ذلك بمبادرة السودان، وافقت عليها مصر، ثمّ وافقت عليها دول حوض النيل بالهضبة الاستوائية، وأقنع السودان إثيوبيا أن تنضمّ لذلك التعاون، بصفة مراقب، وقد حدث ذلك فعلاً، ثم أنشأنا، منذ عشرين عاماً، اللجنة السودانية الإثيوبية المشتركة لمياه النيل، وظلّ التعاون مع إثيوبيا قائماً في ذلك الإطار، ثمّ قمنا بتطوير الاستراتيجية الخاصة بمياه النيل، عند وضع الاستراتيجية العشريّة 192- 2002م، ثم في إطار الاستراتيجية الربع قرنية، ثم عملنا مع وزارة الخارجية، ومع جهاز الأمن القوميّ لإنشاء إدارات لاستراتيجيات المياه في وزارة الخارجية، وفي جهاز الأمن، وكان السودان أول دولة من دول حوض النيل تضع سياسات مائية واستراتيجية واضحة المعالم بشأن مياه النيل، وهذا كله يدحض اتهام السيد الصادق لوزارة الريّ بانعدام التفكير الاستراتيجي. 2. أخطأ السيد الصادق حين وجّه اتّهامه بأننا نرفض التوجيهات المفيدة، التي تنص عليها الاتفاقية الإطارية، وهي (1) عدم تسبيب الأذى لأيّ طرف في الحوض، و (2) أي إجراء يتّخذ من أية جهةٍ، يجب أن تعلم به كل الأطراف لتجنب الضرر، و (3) هنالك آليات لفضّ الخلافات سلمياً، و (4) تم وضع تصور لمفوضية مشتركة بين دول الحوض وتنمية موارد مياه النيل والسلامة البيئية النيلية. ونود أن نردّ على اتّهام السيد الصادق، بأنّنا نحن، في السودان ومصر، الذين بادرنا بهذه التوجهات المستمدّة من قانون المجاري المائيّة للأمم المتحدة، وأقنعنا بها دول المنابع، وضممناها في بنود الاتفاقية الإطارية وهناك اتفاق وتوافق تامّ بشأنها من كل دول الحوض، وإذا كان هنالك أيّ رفض لأيّ منها، فهو ليس من جانب السودان ومصر، بل إنّ السودان استضاف مقرّ السلامة البيئيّة النيليّة في الخرطوم، ولذلك فإنّ اتهام السيد الصادق لنا بأننا نرفض تلك التوجّهات غير صحيح. 3. أشار السيد الصادق إلى أنّ مواقف دول المنبع ليست عدائيّة، ونؤكد له كذلك أنّ مواقفنا الرسميّة لم تكن، ولن تكون عدائية، وأننا لن نسمح بالتدهور. 4. وجه السيد الصادق اتهامه بأننا نواجه بالرفض والاتهام، كلام دول المنبع عن أنّهم أيّ دول المنبع يحترمون الحقوق المكتسبة، ويطالبون بحقوقهم. ونودّ أن نردّ على ذلك بأنّ حديث السيد/ الصادق غير صحيح، حيث إننا وافقنا على تضمين نصّ حقوق الأمن المائيّ لكل دول الحوض في البند (14 أ) و (14 ب) من الاتفاقية الإطارية، ولكن دول المنبع عادت، ورفضت تضمين البند (14 ب) الذي ينصّ على عدم إحداث آثار سالبة على الاستخدامات والحقوق الحاليّة، أي الحقوق المكتسبة، وهذا هو منشأ الخلاف الأساسيّ، بين ما تسمونه دول المنبع ودول المصبّ (أي عدم الاعتراف من جانب دول المنبع بالاستخدامات والحقوق الحالية) بينما أكّدنا نحن لهم على حقوق الأمن المائي لكل دول المنابع. ولذلك فإنّ اتّهام السيّد الصادق لنا، غير صحيح. 5. أما عن اتّفاقية السيد الصادق المكوّنة من 26 بنداً، التي نادى فيها بمبدأ قبول المخاصصة، وفتح الباب للمزيد من المياه، والاستقرار في توزيع المياه حالياً، والتعاون لإنتاج الطاقة الكهربائية في مرتفعات أعالي النيل، وأن يستثمر كل طرف حصته في أراضي السودان الخصبة، بالمزارعة، حسب حصص كل دولة في المياه لتحقيق الأمن الغذائي. فإننا نودّ أن نوضّح للسيّد الصادق، أنّ موضوع المخاصصة له معايير، وضعها القانون الدولي للمياه المشتركة، مؤسسة على مدى حاجة الدولة الفعلية من تلك المياه، ومؤسسة على حجم المياه المشتركة، أي أنّه لا تعطى الدولة حصة، هي ليست في حاجة إليها، لتبيعها للدول الأخرى، فهذا يتعارض مع القانون الدوليّ، ومع المنطق السليم.. أمّا المزارعة لتحقيق الأمن الغذائيّ فهذا ممكن، ولكن إذا قرأنا الواقع في حوض النيل، نجد أن دول المنابع ليست في حاجة لهذه المزارعة في أراضي السودان؛ لأنّ لديها أمطاراً غزيرة، وأراضي شاسعة، يمكن زراعتها بالأمطار، وإنّ حاجة دول المنابع لمياه الريّ، التي تمّت دراستها وتحديدها، محدودة للغاية. أمّا عن دعوة السيد الصادق لإنشاء مشروعات الطاقة الكهربائيّة بأعالي النيل، فإنّ هذه موضوعة في خطّة وزارة الريّ، منذ الستينات، وكان من المفروض أن تبدأ بإنشاء خزّان بيدن، ببحر الجبل، عام 1983م، ولكنّ التمرد حال دون ذلك، فهو ليس اقتراحاً جديداً من جانب السيد/ الصادق ونشكره عليه. 6. وزارة الري أوضحت وجهة نظرها فيما يدور بجلاء ووضوح تامّ، وهو أنه ما دامت اتّفاقية دول المنبع لا تعترف بالحقوق والاستخدامات والمشروعات القائمة فعلاً، فإنّ السودان لن يوقّع مثل هذه الاتّفاقية الإطاريّة، التي تستبعد البند(14 ب) إذ كيف يشارك السودان في اتّفاقية لا نعترف بأن هنالك شيئاً اسمه مشروع الجزيرة، ومشروع الرهد، ومشاريع الطلمبات القائمة، وخزان الرصيرص، وخزان سنار، وخزان جبل أولياء، وخزان مروي، وخزان خشم القربة؟؟ هذا هو منشأ الخلاف، وعليه، فإنّ السودان لن يوقع على مثل هذا الاتفاق الإطاريّ، إلا إذا تمّ الاتفاق والتوافق بين دول حوض النيل على نقاط الخلاف، وهذا الخلاف ينسف مبادرة حوض النيل، إلاّ إذا تم تحويل المبادرة إلى مفوضية؛ لاستقطاب التمويل، والإشراف على تنفيذ المشروعات التي ترغب دول حوض النيل، كلّ دول حوض النيل في إقامتها دون تسبيب ضرر، وهذا ما طرحناه في الرسالة الرئاسية التي سلمناها من السيد رئيس الجمهورية إلى رؤساء جمهوريات دول المنبع وناقشناهم فيها. أما بنود الاتفاقية الإطارية، الخاصة بالإخطار المسبق، واتخاذ القرارات بالتوافق، مقدور على الاتفاق حولها، ولكنّ أكثر من 95% من البنود الأخرى متفق عليها بين كل دول الحوض. 7. اتهم السيد الصادق وزارة الريّ بالضعف الداخليّ، والضعف الخارجيّ، ونؤكد له أن هذه اتهامات غير صحيحة؛ إذ إنه بالنسبة لأسبقية تعلية خزان الرصيرص، وإنشاء خزان أعالي عطبرة، والستيت، فالتقصير ليس من وزارة الري، وإنّما من كلّ الحكومات الحزبيّة والعسكريّة، التي تعاقبت على حكم السودان في فترة ما بعد ثورة أكتوبر، وفي فترة مايو، وفي فترة ما بعد الانتفاضة، حيث كان التمويل متاحاً، أكثر مما هو عليه بعد التسعينيات.. أمّا عن اتّهامه لوزارة الريّ بالضعف الخارجيّ في معالجة مشكلة الاتّفاقية الإطارية لدول حوض النيل، فإنّنا نرجو منه أن يسأل كل ممثلي دول حوض النيل الأخرى، والخبراء الأمريكان، والأوربيّين الذين شاركوا في المفاوضات، عن دور السودان في مفاوضات الاتّفاقية الإطارية، سيجد أنّ الإجابة أنّ السودان كان له الدور القياديّ في هذا الأمر، وفي إحداث التوافق على أسس علميّة مهنيّة، كلّما احتدم الخلاف، وأنّ مهندسي وزارة الريّ، هم الذين درّبوا معظم الخبراء الوطنيّين، الذين يقودون العمل في قطاع المياه في دول المنابع في الهضبة الاستوائية. 8. اتّهم السيد الصادق وزارة الريّ بالقبول بأن تكون مياه النيل في قسمة السلطة، وليست في قسمة الثروة، وأودّ أن أؤكّد له أنّ الراحل جون قرنق، من المؤكد أنّه لم يعترض على وضع مياه النيل في قسمة السلطة، وليس الثروة، لسبب بسيط، وهو أنه يعلم ان السودان وضع خطة شاملة لاستغلال مياه النيل، تشمل الشمال والجنوب، في السبعينات، بعد إبرام اتفاقية السلام الأولى، في عام 1972م، وقد شاركت في وضع تلك الخطة الشاملة لاستغلال مياه النيل، وزارة الزراعة والري والثروة الحيوانية في حكومة الجنوب آنذاك، المسماة المجلس التنفيذي العالي للإقليم الجنوبيّ، برئاسة السيد أبيل ألير، بعد عام 1972م، وتم وضع تلك الخطة الشاملة بمساعدة أربعة من بيوت الخبرة الاستشارية العالميّة، وكان المفروض أن يبدأ الجنوب في تنفيذ مشروعات ما يمكن أن نسميه قسمة الثروة لمياه النيل، بإنشاء مشروع سكر منجلا، حيث اكتملت تصميماته آنذاك، وكذلك إنشاء خزان بيدن لتوليد الكهرباء، حيث تمكّنت حكومة الجنوب، عام 1983م، وعلى وجه التحديد تمكّن السيد بونا ملوال، الذي كان وزير الصناعة آنذاك، من توفير التمويل من إيطاليا لإنشاء ذلك السدّ، إلى غير ذلك من المشروعات، وقد طلب مني شخصياً الراحل جون قرنق، عند وضع تلك الخطة الشاملة، أن نضيف مشروع البنكو، للزراعة المرويّة في خطة استغلال مياه النيل للجنوب، وفعلنا ذلك بعد الدراسة، ولذلك لم يكن غريباً أن يوافق الراحل جون قرنق على وضع مياه النيل في قسمة السلطة، وصلتي بالراحل جون قرنق آنذاك هي أنه كان يحضر لي بالمكتب لأعطيه العديد من الوثائق والمراجع الخاصة ببحث الدكتوراة، الذي كان يقوم بإعداده، ولذلك فإنني أعتقد أن اتهام السيد الصادق لوزارة الري بعدم التدخل لوضع مياه النيل في قسمة السلطة، اتهام غير صحيح لوزارة الريّ، واتهام غير صحيح للراحل جون قرنق، والحركة الشعبية، اللذين وافقا أن تكون.. هذا وإننا على أتم الاستعداد لمناقشة موضوع مياه النيل، في إطار قسمة الثروة، في مرحلة الاستفتاء.. 9. مما تقدم، إنّنا نرى أنّ المبادرة الشعبية التي يزمع السيد/ الصادق أن يبادر بها، ينبغي أن يتركز عملها لإقناع دول المنابع، بمواصلة التفاوض؛ لأنّها هي التي أوقفت التفاوض فجأة من جانبها، وإنها لم تنفّذ القرار الذي اتّخذته كلّ دول حوض النيل بالإجماع، بإحالة نقاط الخلاف إلى رؤساء الجمهوريات، لدول حوض النيل، لمزيد من التفاوض، وحسم الخلاف. إنّنا نشيد باهتمام السيّد/ الصادق المهدي، بالتصدّي لكلّ القضايا المهمّة على المستوى العالميّ والإقليميّ، ومنها قضايا المياه، على الصعيد العالميّ، والإقليمي، والعربيّ، والإفريقيّ، ولكننا نرى أن معظم ما طرحه من آراء حول قضية مياه النيل لم تكن مؤسسة على حيثيات صحيحة. والله الموفق وزير الري والموارد المائية