قرأت بجريدة الوطن وبصفحة الجريمة وتحت عنوان (قصص واقعية لأطفال مجهولي الأبوين). بعض فصول هذه القصص وهي فصول لقصص مؤلمة ومحزنة فقد أدمعت عيناي دماً من شدة هولها وكاد قلبي أن يتوقف حزناً على هؤلاء الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة حتى يدافعوا عن أنفسهم ووجودهم وهم لا ذنب لهم في ذلك، إنها حقاً لجريمة تستحق أن توقع على مرتكبيها أقصى عقوبة ممكنة حتى ولو كانت عقوبة الإعدام ذلك لأنه من قتل نفساً بريئة فكأنما قتل الناس جميعاً لكن من هو المجرم الحقيقي الذي قام بارتكاب هذه الجريمة؟ هل هما الفتى والفتاة اللذان ارتكبا هذه الجريمة على حين غفلة وجريا لإشباع شهوتهما الجسدية دون التفكير في العواقب المحتملة والمتوقعة من فعلتهما تلك؟!! أم أن المجرم الحقيقي هما والدا الفتى والفتاة اللذان قصرا في تربية أبنائهما وتركاهما يهيمون على وجوههم دون رقيب أو حسيب؟!! أم أن المجرم الحقيقي هو المجتمع الذي ماتت فيه القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة وروح التكافل والتراحم وأخذ يؤمن بقيم وعادات بعيدة عن دينه وأخذت تشكل عقبة كبيرة أمام الشباب الذي يريد أن يحصن نفسه ولا يمكن تخطيها؟؟ أم أن المجرم الحقيقي هو الدولة التي تنصلت عن كل واجباتها تجاه مواطنيها وأخذت تنتهج سياسات اقتصادية لا تأخذ بعين الرحمة؟!! إن قضية الأطفال مجهولي الأبوين تعد في تقديري الآن واحدة من أهم القضايا التي يجب علينا جميعاً رعاة ورعية أن ندرسها بكل تجرّد وإخلاص وشجاعة حتى نضع لها الحل الجذري وبالتالي نحافظ على مجتمعاتنا سليمة معافاة ومترابطة. إنها كقضية لا تجدي معها أنصاف الحلول كإقامة الزيجات الجماعية كما درجت الحكومة وبعض المنظمات القيام بذلك لأن القضية لا يمكن حلها بإقامة زيجات جماعية أو فردية بل هي أكبر من ذلك. وهي قضية لن تحل بالخطب والمواعظ أو الكتب والمقالات كما أنها لن تحل بزياة عدد الدور التي تأوي هؤلاء الأبرياء أو توسعتها كما هو جار الآن ولن تحل أيضاً بالعقوبة ذلك لأن الإسلام الذي ندين به لا يُقيم بناءه على العقوبة بل على الوقاية من الأسباب الدافعة إلى ارتكاب الجريمة وعلى تهذيب النفس وتطهير الضمائر. إن حل هذه القضية لن يتم إلا إذا تضافرت جهود الجميع وتعاونوا على ذلك لأن لكل طرف من الأطراف المسؤولة دور يجب عليه أن يؤديه ذلك لأن المجتمع بأطرافه المختلفة في حركته في الحياة أشبه بالسلسلة إذا فقدت منها عقدة واحدة اختلت الموازين فللدولة دور تؤديه وللمجتمع الكبير دور يؤديه وللمجتمع الصغير ممثلاً في الأسر دور يؤديه وللشباب والفتيات دور يؤدونه ولكن الدور الأكبر لحل هذه القضية هو دور الدولة لأنه وكما جاء في الأثر «إن الله ليزع بالسلطان مال يزع بالقرآن» فماهو دور الدولة في معالجة هذه القضية؟؟ هل يقتصر دور الدولة فقط في إقامة الزيجات الجماعية وزيادة وتوسعة دور إيواء الأطفال مجهولي الأبوين؟! إن للدولة أدواراً عظيمة لتؤديها إذا أرادت حلاً جذرياً لهذه المشكلة إذ كيف لدولة أن تدعي أنها أدت دورها كراعية لهذا المجتمع ويقف شبابها عاجزاً عن الزواج، الأمر الذي يدفعه لارتكاب الفاحشة إشباعاً لرغبته الجسدية ويحدث هذا من جراء إنتهاج الدولة لسياسات اقتصادية لا تنظر بعين الرحمة!!! إن أول عمل يجب أن تقوم به الدولة في سعيها لحل هذه المشكلة، إذا كانت جادة في ذلك هو أن تقوم بإعادة النظر في سياسة الأجور ذلك لأن الحد الأدنى للأجور بالدولة لا يكفي العامل ليُنفق منه على نفسه لأداء عمله، دعك من أن يفكر أن يدخر منه شيئاً ليتزوج فهذا الفتى يقف عاجزاً عن تقديم أي مساعدة لأسرته التي عانت كثيراً لتوفر له ما يُعينه على مواصلة تعليمه فمعظم الأسر السودانية إن لم تكن كلها تنتظر أبناءها لينهوا دراستهم ليعملوا ويعينوهم على نفقات الحياة لذلك لابد أن تعيد الدولة النظر في سياسة الأجور الحالية ليصل الحد الأدنى للأجور للمستوى الذي يمكّن العامل من إدخار شيء منه كما يجب على الدولة أن تُعيد النظر في علاوة الزواج وعلاوة الأطفال لأن الفئات التي تدفع الآن زهيدة جداً فلابد من زيادة فئات هذه العلاوات حتى تكون حافزاً لمن يريد أن يتزوج. كذلك على الدولة أن تُعيد النظر في سياسة الاستخدام فالبلاد اليوم أصبحت مفتوحة للعمالة الأجنبية بصورة مزعجة حتى في تلك الأعمال التي قد لا تحتاج إلى خبرة أجنبية كأعمال السباكة والنقاشة حيث أصبح العاملون في مثل هذه الحرف يشكون من تغول العمالة الأجنبية الأمر الذي تسبب في قطع أرزاق بعضهم فلابد من إيجاد معالجة لظاهرة العمالة الأجنبية بالبلاد. على الدولة كذلك إذا كانت جادة في سعيها لإيجاد حل لهذه المشكلة أن تعمل على إيجاد حل لمشاكل السكن فالإيجارات مرتفعة وقيمة الأرض مرتفعة وتكاليف البناء عالية فكيف لشاب حديث العمل أن يوفر من راتبه ما يمكّنه من إيجار منزل ليأويه إذا فكر في الزواج وكيف سيتمكن هذا الشباب من توفير مبلغ ليتمكن من شراء منزل جاهز أو شراء قطعة أرض ليقوم بتشييدها فعلى الدولة أن تضاعف من جهودها لتوفير سكن بسعر مناسب أو بإيجار معقول حتى يتمكن الشباب من إكمال نصف دينهم صوناً لأنفسهم ومجتمعهم. أما المجتمع والذي يأتي دوره في المرتبة الثانية بعد الدولة فعليه أيضاً بعض الأدوار ليؤديها لحل هذه القضية والتي تكمن في تشجيع الشباب ليتزوج في سن مبكرة بدل الانتظار لفرج لا يدري هو من أين سيأتيه فأولى أدوار المجتمع هو التخلص من العادات والتقاليد الضارة التي تشكل عقبة في طريق الشباب للزواج ومن هذه العادات ما تقوم به بعض القبائل من حرمان بناتهم أو أبنائهم من الزواج من قبائل أخرى وإن كانت هذه العادة تطبق على البنات بصرامة شديدة لذلك نجد أن المجتمعات التي تتمسك بمثل هذه العادات، نجد أن نسبة العنوسة مرتفعة عندها لذلك لابد من إعادة النظر في هذا الأمر وأن نلتزم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) فليكن الدين وحسن الخلق هو المعيار الأهم كذلك من العادات الضارة التي لعبت دوراً كبيراً في جعل الزواج غير ميسور هو المغالاة في المهور والصرف البذخي في الحفلات التي تقام بالصالات والتي تكلف مبالغ طائلة وما يدفع للمغنيين فإذا كان المجتمع جاداً في سعيه لإيجاد حل لقضية الأطفال مجهولي الأبوين عليه أن يتخلى عن أي عادة تقف عقبة أمام الشاب عند الزواج لأن هذه القضية لا يحلها إلا الزواج الشرعي والذي لا يمكن أن يكون ميسوراً إلا بنبذ المجتمع لهذه العادات. أما الأسرة فدورها ينحصر في تربية أبنائها وذلك بغرس القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة فيهم وكذلك متابعة أبنائهم ومراقبتهم ومحاسبتهم وألا يتركوا لهم الحبل على الغارب يخرجوا متى ما شاءوا ويعودوا متى ما شاءوا والبنت تلبس ما يروق لها دون مراعاة للآداب العامة فلا بد من التربية السليمة والمتابعة والمراقبة والتوجيه. أما دور الشباب فهو لا يقل أهمية عن أدوار من سبقوهم بل هم يشكلون حجر الرحى لأنهم هم الذين يقومون بارتكاب هذه الجرائم لذلك أقول لهم وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فيا أيها الشباب يجب أن يكون تفكيركم في الزواج الشرعي أقول الشرعي لأن الشباب يمارس اليوم ما يعرف بالزواج العرفي الذي ينافي الدين والخلق النبيل واعلموا أيها الشباب أن من تمارسون معها الفاحشة هي إما أخت أو بنت أو خالة أو عمة أو أم لأحد فهل ترضون أن يمارس أحد الفاحشة مع أخواتكم أو بناتكم أو أمهاتكم لا شك في أنكم سوف تجيبون بالنفي القاطع مع التهديد بالقتل أو الضرب لمن يفكر في ذلك فكيف ترضونه لغيركم لذلك أدعوكم أيها الشباب للتفكير جيداً في العواقب المحتملة من ارتكاب هذه الأفعال قبل أن تقعوا فيها وأما الفتيات فأقول لهن هل يرضيكن أن تكن السبب في جلب العار إلى أسركن وهل يرضيكن أن يخرج من بطونكن أطفال ينبذهم المجتمع ويعيرهم بما ارتكبتن في حقهم وهل ترضى الواحدة منكن بأن تعير وتوصف بأن أخلاقها سيئة؟ فكما دعوت الشباب بالتفكير جيداً قبل ارتكاب هذه الأفعال أدعوكن أيضاً للتفكير جيداً في كل العواقب المحتملة ذلك لأن وقع هذه العواقب وتأثيرها عليكن أعظم من تأثيرها على الشباب.