دارت خلال الأشهر الماضية جملة من الحوارات المتصلة على الأصعدة الاجتماعية والقانونية والمنظمات المهتمة بقضايا المرأة حول قانون الأحوال الشخصية للعام 1991م, لتخرج أصوات يطالب بعضها بطرح قانون جديد, وطالبت أخري بتعديل القانون, ولم تخلو حتى التصريحات الحكومية في الأسبوع قبل الماضي من انتقاد صريح لقانون»1991م, فما هي أبرز ما توقف عنده المهتمون بالقانون؟ وعلى أي أرضية بحثية بنت المنظمة السودانية للبحث والتنمية «سورد» رؤاها المطروحة حول القانون البديل المقترح حيث تنظم «سورد» المؤتمر الأول للأحوال الشخصية بعد غد الأربعاء؟ ويبقى السؤال الأهم هل يمكن أن تفضي جهود منظمات المجتمع المدني والأجهزة الحكومية الى قانون يحقق العدالة النوعية كما يقول المهتمون؟. قانون 91 وتجربة التطبيق في إطار مجهودات منظمة سورد للبحث والتنمية، لتحقيق المساواة والعدالة النوعية في السودان، ولأهمية دور البحوث التي تُقوي وتزيد من فاعلية مجهودات التوعية بحقوق النساء، والعمل على نيلها والتمتع بها، واستجابةً لتوصيات الناشطات والناشطين وشركاء المجتمع المدني، والمدافعين عن الحقوق، وكانت المنظمة السودانية للبحث والتنمية قد تولت إجراء بحث على قانون الأحوال الشخصية لعام 1991م من حيث أثر تطبيقه على أرض الواقع وعكس تجارب النساء في المحاكم، ويهدف البحث إلى إيجاد الدليل على معاناة النساء في سبيل الوصول والحصول على العدالة في مجال الأسرة، ودعم الجهود من أجل وضع قانون بديل للأحوال الشخصية في السودان تقوم فلسفته على المساواة والأهلية الكاملة للمرأة، وعملت المنظمة من خلال البحث لإثبات أو نفي الافتراضات في مقدمتها الوعي والمعرفة بقانون الأحوال الشخصية لعام 91 ضعيفة ومشوشة لدى الجميع بما في ذلك الفئات التي يرتبط مجال عملها بالقانون، وأن تطبيق القانون ينقصه الاتساق والانسجام والتطابق، ويشوبه الكثير من الاعتباط والذاتية وعدم التوافق، ونجد أن النساء بشكل عام والنساء المستضعفات على وجه الخصوص يعانين من أثر التمييز والعنف المنزلي والمجتمعي والمؤسسي في إطار محاولتهن للوصول لأجهزة العدالة، والفاعلات والناشطات من النساء وحتى المؤسسات ذات الصلة ينقصها التفكير الإستراتيجي والتحليل النقدي والرؤية المستقبلية لبديل أو بدائل تحقق العدالة النوعية وتحفظ كرامة النساء وتحترم التنوع الإثني والثقافي والعقائدي في السودان، واعتمد البحث الذي أجرته (سورد) في منهجيته وطرقه على المشاركة الفاعلة والتي تمثل المرتكز الرئيسي لمنهجية البحوث، كما أن الوعي والاهتمام بتكاملية وترابط المعلومات الكمية والنوعية يضيف الى عمق التحليل وسد الفراغات وتثبيت النتائج ودعمها، وتم إعداد استبيان اُستهدفتْ به عينة من النساء بعد تجربته واختباره وإجراء التعديلات اللازمة، حيث استهدف الاستبيان «130» امرأة لهن تجارب في المحاكم أو يسعين اليها في مدن الخرطوم وبحري وأم درمان بالإضافة إلى أخذ عينات من شندي وكوستي ونيالا وكسلا، وتمثل الإجابات على الاستبيان المصدر الأساسي للمعلومات الكمية والتحليل الوصفي، كما تمت الاستعانة ببعض العاملات والعاملين في مجالات الإعلام والقانون والطب النفسي والبحث الاجتماعي ومنظمات الأممالمتحدة والنساء المتضررات، وذلك لإعداد قائمة أسئلة محورية، لتكون المرجعية لعمل مجموعات الارتكاز، وتمت مقابلات فردية للقضاة والجهات الرسمية. دراسة: معظم النساء يعانين من المشكلات الأسرية وهنَّ في سن الإنجاب ويشير البحث الذي أجرته (سورد) انه وبعد التحليل تم الوصول إلى بعض النتائج والتوصيات، منها أن الفئة المستهدفة بالبحث ما بين أقل من «20» وأكثر من «50» عاماً. الا أن «50%» منهن لا تتفاوت سنهن ال»30»، وكذلك «81%» منهن سنهن في الفئة العمرية بين «20 – 40» عاماً على الرغم من أن العمر لم يكن من معايير الاختيار. وفي هذا دليل على أن معظم النساء يعانين من المشكلات والإشكالات الأسرية وهن ما زلن في سن الإنجاب وفي سن مبكرة من حياتهن الزوجية، ومعظم العينات أُختيرت من الخرطوم الكبرى، وتم توخي اختيار أعداد تتناسب والكثافة السكانية قدر الإمكان على أنها عينة غير ممثلة إحصائياً، كما أن تواجد المحاكم ونوعيتها فيما يلي اختصاصها بقضايا الأحوال الشخصية عاملاً أُخذ بعين الاعتبار عند الاختيار، ومستوى التعليم للعينة يشمل جميع المستويات مع ملاحظة أن «50%» منهن تحصلن على تعليم ثانوي وفوق الثانوي، من الواضح أن النساء يلجأن الى المحاكم بغض النظر عن مستواهن التعليمي ولا يمثل عدم تلقي التعليم (19%) متغيراً حاسماً، غير أن الوعي وتلقي قدر من التعليم (58%) قد يكون متغير محفز أو مساعد في تعزيز قدرات النساء للجوء إلى المحاكم وطلب تطبيق العدالة، ومعظم النساء (63%) ربات بيوت أو غير عاملات خارج المنزل، وقليل منهن يعملن بالقطاع غير الرسمي والمهن الصغيرة ولا تخلو العينة من المهن المتخصصة مثل المحامية والمهندسة والممرضة وغيرها. أما السن التي تم فيها الزواج فمداها ما بين «11» و»42» عاماً، ونجد أن «44%» منهن قد تزوجن دون الثامنة عشرة و»6%» دون العشرين. وهذا يدل على أن الزواج المبكر يرتبط نوعاً ما بعدم استقرار الآسرة وتعرضها للتفكك وما ينتج عن ذلك من عنف وتعنيف ضد النساء والأطفال، ومن الملاحظ أن أكثر من نصف العينة يأتين من أسر يكثر فيها تعدد الزوجات، فهن إما زوجات ثانيات أو أن أزواجهن اتخذوا لهم زوجة أخرى بعد الزواج منهن، كما أن «23%» من النساء في العينة سبق لهن الزواج من قبل. مفارقة: نساء يجهلن قانون الأحوال الشخصية وفيما يتعلق بالوعي والمعرفة بقانون الأحوال الشخصية لعام «91» أبانت تحليلات البحث أنها ضعيفة ومشوشة لدى الجميع بما في ذلك الفئات التي يرتبط مجال عملها بالقانون. ونجد أن «72%» من مجموع النساء اللائي لجأن الى المحاكم ليس لديهن معرفة بالقانون، أما من لديهن معرفة وسمعن به «28%» فان مصدر المعرفة يتفاوت ما بين الصلة بالمهنة، أو من الإعلام أو الأقرباء أو المحكمة أو بالسماع فقط، ولا ينحصرعدم الوعي والمعرفة بالقانون أوعلى النساء المتضررات فقط، بل على مجموعات مستطلعة من الإعلاميات، والباحثات الاجتماعيات، والمجموعات الحقوقية، والأخصائيات النفسيات أمنّ على أن هنالك عدد كبير من النساء لا يعرفن ما هو قانون الأحوال الشخصية، وأن هنالك أفراد متعلمين ومثقفين ولا يعرفون قانون الأحوال الشخصية، ولا يعلمون المشاكل الموجودة به، وبعضهم يعتقد أنه لا يوجد إشكال في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية أو بالقانون، تراوحت الفترة التي قضتها النساء في المحاكم حتى الحكم ما بين أقل من شهر وحتى «12» عاما!! وقد أجابت «50%» من النساء أن الفترة لم تتعد «6» أشهر، غير أنه في «31%» من الحالات امتدت المدة إلى أكثر من سنة وحتى «3» سنوات. وهناك حالات لم تحسم لأكثر من «12» عام، وتلجأ النساء للمحاكم طلباً للعدالة وتتعدد الأسباب لتشمل مسائل الطلاق «49%»، والنفقة «34%»، الميراث «8%» وحضانة الأطفال «5%»، وأن النساء لا يحبذن اللجوء للمحاكم وذلك استجابة للضغوط الاجتماعية من جانب الأسر التي ما تزال ترى أن اللجوء للمحاكم يعتبر عيباً، ومن المحظورات الاجتماعية التي تسيء لسمعة الأسرة. كما أن النساء من الطبقات المتعلمة والغنية يفضلن التظاهر بعدم وجود مشاكل زوجية ويغطين على ذلك بالمظهر الاجتماعي. وفي سبيل ذلك تتعرض هذه الفئة للكثير من التعنيف والآثار النفسية. وهذه الملاحظة جديرة بالبحث العميق والدراسة المنفصلة، و»84%» من النساء يلجأن إلى وسائل أخرى قبل اللجوء للمحكمة، وتشمل الأسرة والأصدقاء والوساطة والجودية، ونجد أن أكثر من نصف العينة لم يتمكنّ من استخدام محامي نسبة لعدم القدرة المادية، أو لعدم معرفتهن السابقة بأنهن يحتجن لمحامي أصلاً و»47%» يضطررن إلى الاستعانة بما هو متاح حول المحاكم ويصبحن تحت رحمة العرضحالجية وافتراضاتهم وتحيزاتهم الذاتية، وقد خلُص البحث إلى بعض التوصيات ومقترحات العمل: استخدام وسائل الإعلام للتوعية والمناصرة، ولابد من خلق علاقات بين المنظمات ووسائل الإعلام من أجل العمل عبر التوعية وطرح قضايا النساء، وانه توجد فرصة لتغييير القوانين بالاستفادة من وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام «2005م، الأمر الذي يتطلب وضع آليات للتغيير، التي تحتاج الى توعية بكل القوانين، وتوفير قضايا بموافقة النساء لنشرها موثقة بالأسماء والصور، وطرح النتائج في الصحف، وعمل حملة لعدة ايام تستهدف وسائل الإعلام، الأحزاب والمنظمات للحديث عن قانون الأحوال الشخصية وتكوين رأي عام حوله، والدعوة لقيام مؤتمر إقليمي، تُعرض فيه تجارب من الدول الأخرى فيما يختص بقانون الأحوال الشخصية، للاستفادة من تجارب حملات الضغط والمناصرة، وطرح فكرة القانون الجديد على قيادات المجتمع «دينية، سياسية،.. الخ» للانضمام للحملة، وخلص البحث الى أنه من الضروري النظر للقانون القديم بغرض النقد والتحليل ومعرفة أثره على النساء في أثناء عملية تداول وطرح القانون الجديد، بجانب ضرورة مقابلة ومعرفة رأي المجموعة التي صاغت القانون حتى نصل الى نتائج جيدة، وضرورة رفع وعي النساء الحقوقي والقانوني وذلك لتفصيل القانون الجديد نفسه، والتأكيد على أن إجبارية التعليم الأساسي هو مساعد ومساند لوجود قانون الأحوال الشخصية، والمطالبة عبر منظمات المجتمع المدني والجهات المختصة والفعاليات الشعبية بإلغاء هذا القانون ووضع بديل يستوعب ما تقدم من نقاط آنفة الذكر ويستلهم الأعراف والعادات والتقاليد المتوافقة مع روح العصر وضروراته، وفكرة «الجسم» القائم مثل المحكمة للصلح والإرشاد فكرة جيدة يجب تطبيقها كما إن هناك تجربة في الأقاليم تسمى بمجلس الصلح، حيث أنها تحل عدداً من المشاكلات قبل دخولها المحكمة، فضرورة إدراج وجهات النظر النفسية والاجتماعية والمفاهيم الحديثة الواردة في إعلان حقوق الإنسان غائبة تماماً في القانون الحالي، كذلك يجب تدريب القائمين على تطبيق القانون، بتسليط الضوء على ثغرات التطبيق، وتوثيق الحالات للاستفادة منها في الحملة، وتكوين هيئة من مستشارين بتخصصات مختلفة معنية بأمر الأسرة، ويجب أن يتوفر مأوى للنساء اللائي يعانين من المعوقات الأسرية والاجتماعية التي تحول دون وصولهن إلى أجهزة العدالة، وضرورة إدماج قضايا الأحوال الشخصية ضمن قضايا حقوق الإنسان المختلفة، المحامية آمال الزين: قانون «91» يسلب النساء حقوقهن وحول ضرورة وجود قانون بديل والآثار الإيجابية المترتبة على ذلك ترى الأستاذة المحامية آمال الزين أنّ قانون الأحوال الشخصية من أخطر القوانين التي تؤثر على أداء المرأة ومكانتها، وانه من غير المعقول أن يكون التشريع متخلف عن مقدرات النساء، ووجودهن ودورهن في المجتمع. واضافت «قانون «91» يتخلف عن ذلك وسلب النساء الحقوق التى اعطتها لها قوانين اخرى مثل «قانون العمل» مما يرتد بمكاسب النساء اللاتي اكتسبنها في الستينيات» وترى آمال الزين بأن قيام الموتمر- تقصد المؤتمر الأول للأحوال الشخصية المقرر الأربعاء المقبل - سيعطي الفرصة لمجموعات النساء اللائي يرغبن في مقاومة القانون للإنطلاق من موقع متقدم . ومن جهتها ابتدرت الخبيرة القانونية فاطمة أبو القاسم حديثها بأن هنالك حاجة ماسة لقيام مثل هذا المؤتمر، نسبةً للظلم والإجحاف اللذين تتعرض لهما المرأة من تطبيق قانون «91»، وترى أنه من الممكن أن يتم تطوير القانون بدون مخالفة الشريعة الإسلامية، واكملت «ستكون هنالك نتائج إيجابية، ولذا لابد من قيام حملات توعية وتثقيف بالحقوق». وبالرجوع إلى القاضي السابق مولانا محمد الحافظ، والذي عمل في مجال الأحوال الشخصية لسنوات طويلة قال إن العالم الآن يتحدث عن الحقوق والحريات ونتيجة لذلك هناك ضرورة لقيام مؤتمر الاحوال الشخصية, واضاف بقوله: «إننا نلاحظ أن قانون الأحوال الشخصية غير متسق مع القوانين الأخرى اذا القصد من المؤتمر استهداف تطوير القانون أو تبديله».