بسرعة لا تخطئها العين والفطنة ألقت الأجواء الضبابية في التفاوض، قضايا ما بعد الاستفتاء بين الشمال والجنوب بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بآثار سالبة في مسار عمل لجنة الإشراف المشتركة لمنطقة أبيي بين السودان ودولة جنوب السودان، بعد أن طالب الجنوب مرتين بتأجيل اجتماعات لجنة الإشراف على الرغم من الاتفاق على عقد الاجتماع في البلدة الصغيرة التي كان لها القدح المعلى في العصف بجولات التفاوض السابقة حول النفط والقضايا العالقة، وتجعل الطرفين يعودان دون أي بصيص أمل للوصول إلى حل. وأصبح ما يجري في أديس يرسم صورة ضبابية عن سير الحوار في لجنة الإشراف الخاصة، على الرغم من أن الطرفين اتفقا في نهايات الشهر الجاري على إدارة حوار حول البلدة الصغيرة بعيداًَ عن قطار مفاوضات أديس أبابا الأمر الذي جعل هناك نوعا ما من الاستقرار والسلام في المنطقة بعد أن شهدت اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة والجيش الشعبي في مايو المنصرم على إثره نصب الجيش الشعبي كمينا للقوات المسلحة، ما جعل الرئيس الرئيس عمر البشير يعطي القوات المسلحة الضوء الأخضر للتحرك تجاه أبيي والذي لم يتوان في أن يردع الجيش الشعبي بقوة ويجعله ينسحب بكل قواته إلى جنوب البحر، واستولت القوات المسلحة على البلدة الصغيرة وبعد استيلاء القوات المسلحة على أبيي عين البشير حاكما عسكريا على المنطقة بعد حل إدارية أبيي التي كان يرأسها دينق أروب بعد ان اتهمته الخرطوم بأنه أصبح خميرة عكننة في طريق الحل، وأصبح عائقا لأي حلول بشأن الازمة في ابيي خاصة بعد ان كان الرجل يرتب لإجراء استفتاء أحادي على المنطقة بالتزامن مع استفتاء دولة الجنوب، لولا تدخل رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت وطلب منهم إيقاف أي إجراءات لا تضمن إجراء استفتاء سلس لجنوب السودان. وبعد تدخلات لجنة الوساطة الافريقية برئاسة ثامبو أمبيكي عاد الطرفان إلى طاولة المفاوضات بخصوص البلدة الامر الذي أثمر اتفاقية أديس أبابا التي نصت على نشر قوات إثيوبية في المنطقة، على ان تنسحب القوات المسلحة والجيش الشعبي من البلدة بعد 13 يوما من التوقيع على الاتفاق، ولكن القوات المسلحة اشترطت انسحابها من أبيي بتنفيذ اتفاق أديس أبابا بالاضافة إلى نشر القوات وتكوين الادارية المدنية للبلدة والمجلس التشريعي. وذهبت الحكومة خطوات إيجابية نحو الاتفاق وأظهرت رضاها عنه بعد أن بينت انشغالاتها التي أولها بقاء المنطقة في شمال السودان وشمال حدود 1956، ولكن الجانب الجنوبي خلال الفترة الماضية بدا يظهر تململا من الوجود الأثيوبي بعد ان أظهر الأخير حياداً في التعامل مع الطرفين ورفض أن يصبح منحازا لأي طرف منهم منذ أن وضعت القوات الاثيوبية أقدامها في أبيي. وانتبهت دولة الجنوب لخطوة الخرطوم بإبعادها لملف البلدة عن مفاوضات أديس أبابا وظهر ذلك الانتباه جليا عندما رفض سلفا كير ميارديت التوقيع على اتفاق في أديس أبابا يضمن تصدير النفط والتجارة بين الدولتين وفتح الحدود بحجة ان هناك قضايا لابد ان تتضمن في الاتفاق، وكان يشدد في رفضه بضرورة أن تتضمن أبيي، وان تصدر الخرطوم قرارا بضم المنطقة للجنوب.. هذه الاشياء ظهرت في السطح بعد أن كونت لجنة الاشراف المشتركة بين السودان والجنوب، وحرصت على عقد اجتماعاتها وفق جدول أعمالها في داخل البلدة برعاية اللجنة الافريقية رفيعة المستوى برئاسة الرئيس السابق ثامبو امبيكي. وأصدرت لجنة الاشراف جملة من القرارات في اجتماعاتها السابقة التي كانت تجري في أبيي وكان آخرها تشكيل لجنة مشتركة للدفع بمقترحات لإنشاء شرطة أبيي بالاضافة إلى العمل على قيام مؤتمرات التعايش السلمي والاجتماعي بين المكونات الاجتماعية لأبيي.. واتفقت لجنة الاشراف على قيام اجتماع لها في الثالث والعشرين من الشهر الجاري للنظر في خطوات تنفيذ هذه القرارات، وبعد ان تعثرت العلاقات بين الشمال والجنوب خاصة في مسار المفاوضات بأديس أبابا طالب رئيس لجنة الاشراف من جانب دولة الجنوب لوكا بيونق بضرورة تأجيل لجنة الاشراف التي كان مزمع قيامها في العشرين من الشهر الماضي إلى الثالث والعشرين من نفس الشهر بحجة عدم استعداد دولة الجنوب.. وبعد موافقة الجانب الحكومي على الطلب نادى لوكا بمقترح جديد يقضي بتحويل مقر المفاوضات من أبيي إلى أديس أبابا أو كمبالا، ورفضت الحكومة حتى الدخول في مناقشة المقترح، وشددت لفريق الوساطة بضرورة الالتزام بموقع المفاوضات في البلدة دون تغيير مكانه. وتستند الحكومة في هذا الجانب بأن اللجنة المشرفة مهمتها متابعة القرارات التي تصدرها، وان تكون أكثر التصاقا بالمنطقة حتى تساعد في تذليل كافة العقبات التي تعترض تنفيذ قرارات اللجنة الاجتماعات في أبيي. ويرى رئيس الجانب الحكومي في لجنة الاشراف الخير الفهيم عدم وجود أي أسباب ومبررات تجعل لجنة الاشراف تقوم بنقل مقر اجتماعاتها من أبيي إلى أديس أبابا. مشددا في حديثه ل (الأحداث) بعزمهم على ربط أعمال اللجنة بالمنطقة حتى تستطيع أن تنجز كثيرا من المهام التي توكل إليها. وكشف عن اتفاق سابق يقضي بأن تقوم كافة الاجتماعات في أبيي، منوها إلى ان التأخير في عقد الاجتماعات كان نتيجة كثير من القرارات السابقة للجنة مرتبطة بالوزارات الاتحادية الأمر الذي يتطلب منحه فرصة لمتابعاتها مع الجهات المختصة. مجددا رفضه لعقد أي اجتماع خارج البلدة سواء كان في أديس أبابا أو كمبالا. ويرى المحلل السياسي آدم محمد أحمد ان أولوية الحكومة حاليا للملف الأمني بعكس ما كان في السابق حين كان التركيز على الملف الاقتصادي. ويقلل آدم في حديثه ل (الأحداث) من تشكيل إدارية أبيي بحجة ان هذا الوضع كان في السابق، ويرجح عدم التوافق عليه حاليا لأن هناك آراء قوات دولية في المنطقة وتحت البند السابع، مشيرا إلى أن أبيي لا تشكل خطورة بقدر ما تشكله المناطق الحدودية التي عليها خلافات بين البلدين.