يحتشد في أمسية يوم السبت عشرات الآلاف من الاتباع والمريدين والاحباب المنضوين تحت لواء الطرق الصوفية لأداء بيعة الموت أمام السيد رئيس الجمهورية وإعلان التعبئة في أوساط ( القوم ) من أهل السجادة واستنفار قواعد الصوفية القادرين على الجهاد وفتح باب التبرع بالمال والنفس والدم دعما للقوات المسلحة وجعل حادثة ( الاعتداء ) على هجليج مناسبة وفرصة تهتبلها الطرق الصوفية للتأكيد على وقفة كافة المتصوفة وشيوخها ورجالاتها خلف قيادة البلاد دعما للمجهود الحربي ورفعا لمعنويات الجيش حيث اختار المنظمون للنفرة الجهادية ميدان وحوش الخليفة بأم درمان مكانا وموقعا ( للجمع ) كدلالة ومؤشر يحمل ويستلهم معاني الجهاد والاستشهاد باستدعاء حادثة اسشتهاد الخليفة عبد الله التعايشي في معركة أم دبيكرات التي قتل فيها الرجل دفاعا عن أرضه ووطنه أمام قوات الاحتلال البريطاني، أو للتعبير عن الصمود والتحدي باعتبار وقوف القبة الخضراء أمام هجمات مدافع هاونات وراجمات ودانات الانجليز الذين حاولوا هدم القبة خلال هجومهم على العاصمة الوطنية أم درمان؛ وهو ذات الأسلوب والسلوك الذي انتهجته قوات العدل والمساواة في العام 2008 م حينما غامرت بالدخول لأم درمان وغزو العاصمة فقامت بضرب القبة التي ترمز لمهدوية الخرطوم إن لم نقل البلاد بأكملها. ويسبق النفرة الجهادية لأهل التصوف ختمة للقرآن الكريم واصطفاف طلاب الخلاوي والحيران للتضرع والدعاء لنصرة الجيش السوداني ورفع روحه المعنوية بالضرب على النوبة والطبول والمديح تحميسا وتشجيعا للقوات المسلحة... وهبّة أهل التصوف اليوم تعتبر النفرة الرابعة من نوعها خلال أربعة أعوام حسوما حيث كانت الأولى في شكل مؤتمر عام جمع غالبية قادة ورموز ( أهل السلسلة ) على صعيد واحد في أم ضوا بان ( 2008م ) أعلن خلاله هيكلة الطرق الصوفية بإيجاد كيان جامع لهم لتوحيد صفوفهم أو على الاقل لتنسيق مواقفهم تجاه التحديات التي تواجه البلاد وتكوين المجلس الاعلى للتصوف كواجهة تنظيمية تستوعب الصوفية وتوحد كلمتهم ومواقفهم. أمّا الحشد الثاني فكان في شمال أم درمان ( الريف الشمالي ) في منطقة ( أم مرحي ود السائح ) مقر مشيخية الطريقة السمانية وبايعت الطرق الصوفية هناك الرئيس البشير في مطلع العام ( 2009م ) ثم كانت الهبّة الشهيرة بالعيلفون لرد اعتبار الصوفية في وجه من حاولوا استفزازهم بحرق وإضرام النيران في بعض الاضرحة قبل عدة شهور ثم أخيراً نفرة اليوم الجهادية التي تم الترتيب الدعوة لها عبر مشايخ الطرق الصوفية والمجلس الاعلى للذكر والذاكرين أطلقوا عليها ( النفرة الصوفية الجهادية الكبرى ) باستنفار سجادة الطريقة الختمية – الانصارية – السمانية – التجانية – الشاذلية – الاحمدية – الدسوقية – الرفاعية – القاسمية – الخلوتية – النقشبندية – الادريسية – المكاشفية وغيرها من الفروع والبيوتات الدينية ومحبي ( الرسول صلى الله عليه وسلم ) بل وحتى القادرية التي يقف على أحد فروع قيادتها الشيخ العركي عبد الله أزرق طيبة الذي تجمعه مع الحكومة قصة عداء مستحكم وخصومة أو العكس صحيح باعتبار أن مواقف الرجل المناهضة للنظام ووقوفه في خندق المعارضة أو لقربه من الحركة الشعبية هو الذي جلب له عداء النظام ووضعه في مواجهة مباشرة مع أجهزة الحكم والسلطة.. فحتى القادرية تشارك اليوم ... لكن خروج رجالات وقادة التصوف من حدود وحوائط المسيد والخلوة ومفارقة اللوح والدواية والشرافة والاتجاه لمعسكرات التدريب ولبس ( الميري الأخضر ) والتوجه لمناطق العمليات في أدغال وأحراش هجليج هو موقف جديد لأهل ( السجادة ) حيث لم يعرف عن ( القوم ) حبهم للجهاد والقتال والوقوف في الصفوف الأمامية في خط النار .... فهل النفرة الجهادية موقف جديد أم أن الامر كله تظاهرة سياسية وإعلامية الهدف من ورائها إرسال رسالة مفادها ان الانقاذ ومن خلال عملية الاعتداء على هجليج استطاعت جذب واستقطاب كل مكونات المجتمع خلفها والتعاطف معها بما في ذلك طبقات الطرق الصوفية ؟؟ هل سيكوّن الصوفية متحركات وألوية خاصة بهم أم أن القضية ( حماس وفوران لحظي ) لا يتعدى حدود حوش الخليفة الكبير ؟ فالسوابق تقول إن كثيرا من المشائخ الذين كانوا جزءاً من منظومة وتوليفة الحكم كانت لهم مبادرات جهادية حقيقية حيث فتحت لهم فرص التدريب وامتشاق البندقية وحزم حقائبهم للهجرة نحو مسارح العمليات في غابات الاستوائية وأعالي النيل وجبال تولوشي بجنوب كردفان والانقسنا بالنيل الازرق، لكن غلب على هؤلاء – الاتجاه والمسحة السلفية – رغم تقدم سنهم أمثال الشيخ عمر صبير ورفيقه شيخ المجاهدين سليمان طه حيث تدرب الرجلان في معسكر القطينة كأول دفعة تخرجت في كتبية الاهوال الاولى في العام 1990م التي فتحت الطريق في اتجاه الجنوب انطلاقا من شمال أعالي النيل مرورا ب ( ملبوك – جلهاك – فلوج وحتى حدود ملوط ) ثم ظهر بالكاكي الشيخ عبد الرؤوف التكينة ثم الشيخ تاج السر عبد الباري والبروف أحمد على الإمام والشيخ عطية محمد سعيد. ويروي شيخ عطية طرفة حدثت بعد رجوعه من ( الميل 40 ) إلى جوبا حيث كان يرتدي زيه المميز «عمامة ملونة وشال مزركش ومطرز» ويقوم بصبغ شعر لحيته ب «الحنّة» مع لبس العباءة أو القفطان. وكثيرون يشبهونه بالشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني فقام مصور قناة فضائية غريبة بتصوير الشيخ عطية محمد سعيد ونشر الخبر ( المصوّر ) بأن قوات الدفاع الشعبي يقاتل معها بعض شيوخ الافغان من حركة طالبان ... لكن نادرا ما يظهر ( أهل الدين والعجين ) في طوابير البيادة حيث يكتفون ويحصرون أدوراهم في الجهاد الأكبر وتهذيب السلوك والوجدان وهندسة النفس البشرية وتدريبها على الزهد في مباهج الدنيا وزينتها الفانية والنأي عن السياسة وتصويب أسلحتهم لمحاربة الشيطان ونفخه ونفثه والتركيز بالوقوف على حدود الله لا الارتكاز في موقع أو نقطة عسكرية، فالدواس والكوماج لا يمثل مشروعا أو برنامجا في سلم أولوياتهم لكن مع ذلك كان بعضهم يدعم خط الجهاد ويستضيف المقاتلين ويرفع من روحهم المعنوية كأمثال الشيخ ( خالد الصائم ديمة ) صاحب مسيد أم بدة الشهير وكانت ساحة ومقر خلوته مفتوحا للمجاهدين بقوات الدفاع الشعبي وكذا الحال بالنسبة لشيخ مسيد ( ودفتاّي ) بجبل الأولياء حيث عرف عن الرجل حبّه للمجاهدين والترحيب بهم في مسيده، وكذلك مسيد السادة المكاشفية بقرية الشيخ الكباشي ببحري، بل وقدمت أسرة الكباشي بعض الشهداء خلال حقبة الجهاد الاولى للانقاذ لكن بعض قادة التصوف وربما نكاية في الانقاذ – وليس لموقف من الجهاد كانوا متحفظين في الخوض في مطبات الحكومة وطرقها الوعرة أو أن لحظات التجلي والعرفان والصفاء الروحي والاشراقات لا يراد لها أن تدنس بالسياسة ومماحكاتها ومعاركها التي لا تكاد تنتهي ... لكن بدا أن الطرق الصوفية تتجه وعقب حادثة هجليج إلى تأكيد التحامها وولاءها للإنقاذ أواهتبال الفرصة وتوظيفها كعربون صداقة مع النظام حيث تقدم الطرق الصوفية وبعد تحرير هجليج مزيدا من عمليات الاسناد المدني وتأكيدا لوقوفها خلف القيادة وظهر ذلك جليا في وفد من الطرق الصوفية يقوده زعيم طائفة الانصار الامام الصادق المهدي للقيام بزيارة تفقدية لجرحى العمليات بمستشفى السلاح الطبي وسبق ذلك إصدار بيان ودعاء لنصرة القوات المسلحة من المرشد العام للطريقة السمانية الطيبية القريبية الحسينية الشيخ محمد الحسن الشيخ الفاتح قريب الله طالب فيه الحكومة وأحزاب المعارضة بالسمو إلى المصلحة الوطنية العليا والاجتماع على كلمة سواء تدعم المقاتلين. ودعا كافة أفراد الشعب السوداني للوقوف صفا واحدا خلق القوات المسلحة ودعمها بالنفس والمال ونصرتها بالدعاء. وسار على الدرب راعي الطريقة الختمية مولانا السيد محمد عثمان الميرغني الذي أكد على شمالية هجليج وحق السودان بالرد على الجنوب والدفاع عن حدوده وأراضيه ولسان حاله يقول : ( يا رب بهم وبآلهم عجّل بالنصر وبالفرج ) ... !!