«اللسان جبَّادة البلاء» بهذه الكلمات البسيطة التي كانت تتسلل من بين الحزن والحسرة ختمت سعدية بائعة الشاي التي اتخذت ركنا قصيا في سوق مدينة الدمازين حديثها معي حول مدى تحسن الأوضاع الأمنية بالولاية بعد أن تفجرت قبل شهور بين القوات المسلحة والجيش الشعبي بعد أن دخلت الولاية في موجة الحرب بين القوات المسلحة والجيش الشعبي بعد إصرار مالك عقار على أن تلحق النيل الازرق بتومتها ولاية جنوب كردفان التي سبقتها في حرب مع الحكومة. وفلسفة سعدية تنطلق من أن السكوت هو صمام أمان الولاية وحارسها من شبح الحرب.. وكانت تتحدث تارة معي وتركز اهمامها الكبير مع يديها التي كانت بين لهب نيران «الكانون» لتعيد أكوام الفحم لتغلي ماء الشاي وتهمهم بعبارات على ما يبدو أنها كانت تستعيد بذاكرتها شريط الأحداث والأيام السوداء التي عاشها مواطنو المدنية وهم يندسون من الدانات والرصاص.. وتمني نفسها بأن لا تعود هذه الايام.. اختصرت بحسرة النتائج التي افرزتها الحرب وتركتها تعيش في دوامة من الاسى وتنكأ الجرح القديم.. فمواطنو النيل الازرق أصبحت وجوههم تشوبها أقسى درجات الخوف والحذر.. والكل في المدينة تجده مسرعا وكأن الغدر أصبح سيد الموقف بعد أن تجلى أمره قبل شهور بعد منتصف الليل مما جعل مواطني المدينة يهجرون منازلهم. كشف المستور نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم فور وصوله حرص لدى حضوره احتفالات وزارة السدود والكهرباء توقيع عقودات لتنفيذ ثلاثين مشروعا تنمويا بولاية النيل الازرق؛ حرص على تصويب سهام نقده للوالي السابق مالك عقار واتهمه بتبديد أموال المركز التي خصصها لتنمية الولاية وإصراره المتكرر على ضرورة أن يتسلم شخصيا الأموال، وان يقوم هو بتنفيذ المشاريع دون أي مشاركة من قبل المركز الذي طالبه عقار أن يسدد المبالغ فقط.. هذه المطبات أسكنت الولاية في فقر تنموي يبدو ظاهرا للعيان الذي يدخل المدينة التي مازالت تحتفظ بآثار الحرب دون أن تغادرها برهة، ولكن بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها الولاية والتي بموجبها أصدر المركز قرارا يقضي بإقالة الوالي مالك عقار بعد أن خرج إلى قيادة التمرد بنفسه بعد أن فشلت كافة المساعي في تجنيب الولاية شبح الحرب. مملكة السدود والكهرباء ويبدو أن وزارة السدود والكهرباء المركزية أصبح لها دور كبير في تنفيذ المشاريع التنموية بولاية النيل الازرق ضمن المشاريع المصاحبة لمشروع تعلية خزان الروصيري الذي تقوم بتنفيذه وزارة السدود والكهرباء الامر الذي جعل نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم لدى حضوره في الايام الماضية حفل توقيع تنفيذ ثلاثين مشروعا تنمويا بقيمة 188 مليار جنيه يصوب سهام نقده تجاه الوالي السابق مالك عقار ويتهمه بتبديد أموال التنمية ويتصرف فيها وكأنها مالك خاص دون أن يولي التنمية أدنى درجات الاهتمام، ويحرم مواطني الولاية من حقوقهم في المشاريع التنموية التي كفلها لهم القانون. ويرى وزير السدود والكهرباء أسامة عبدالله بأن هذه المشاريع تأتي مصاحبة لتعلية خزان الرصيرص التي ستعمل على استفادة السودان من حصته في مياه النيل وبالاضافة إلى إقامة مشروعي كنانة والرهد. رسائل للدخل وللخارج بعد انجلاء العمليات العسكرية بين القوات المسلحة وقوات الحركة الشعبية في مدينة الدمازين قبل شهور اتهم الوالي المكلف السابق اللواء يحيى محمد خير صراحة بعض قيادات المؤتمر الوطني بأنهم «طابور خامس» يعمل لصالح مالك عقار وقطع بأن القوات المسلحة ستعمل على تطهير الولاية من الطابور الخامس الذي يعمل بالصباح مع المؤتمر الوطني وفي الليل مع مالك عقار.. هذه الاتهمات التي ظلت عالقة في اذهان الكثيرين منذ أن فجرها الوالي المكلف السابق اللواء يحيى محمد خير جعلت نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم يشدد على ضرورة عدم وجود شخص بين مواطني الولاية يدعم المتمردين ويمدهم بالمواد الغذائية والبترولية. ونبه إلى أن موقع الولاية الحدودي الحساس لا يجعل البعض يستغله ويعمل على التجارة بين البلدين، مشيرا إلى أن المرحلة الحالية لا تقبل وجود شخصيات لها موقف «بين بين» وهدد الحاج بحمل الدولة للسلاح على هذه المواقف قبل أن تحملها على الذي تمرد. وعلى الرغم من اللهجة الشديدة التي خرجت من نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم الا انه عاد وطلب من أبناء الولاية الذين اتهم عقار بالتغرير بهم والكذب عليهم بأن ينفضوا من حوله ويتركوا السلاح ويعودوا إلى الولاية للعمل مع الجميع في التنمية والسلام والاستقرار. الجيش حديث ذو شجون أثناء دخولي إلى مقر الفرقة الرابعة مشاة بالدمازين دارت في مخيلتي ذكرى ذلك اليوم المرعب حينما كنا مجموعة من الصحفيين نهم بالخروج من المدينة وساعتها دوى صوت الدانات في سماء الدمازين الكالح السواد ولعلعت الذخيرة من كافة الاتجاهات وكانت نهاية حياتنا على مشارف النهايات لولا لطف الله وخبرة أفراد القوات المسلحة في توفير الحماية لنا ومد الله في عمرنا وبين التشكيل العسكري الكبير الذي شكلته القوات المسلحة قوات الشرطة وجهاز الامن والمخابرات كانت شعلة الحماس سيدة الموقف وكل البنادق مشرعة في السماء ويلوحون بها في مشهد تناسقي مع إيقاعات الانقسنا الجميلة وهم في انتظار حسم كل ألوان التمرد في الولاية وتحقيق انتصارات وتنزيل توجيهات نائب رئيس الجمهورية بالقضاء على جيوب التمرد وطردهم جنوب حدود مطلع يناير 1956م وإيقاف تجارة الحدود وقبل أن أخرج من مباني الفرقة الرابعة تذكرت حديث سعدية بأن «اللسان جبادة البلاء».