من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في عملية التنمية الإجتماعية وتحديداً فيما يلي الأطفال قضية التشرد، ورغم أن هذه القضية تعرضت للطرق من جهات مختلفة وتداخلت في معالجتها أطراف سودانية ودولية، فإنها ظلت هاجساً يؤرق الجميع، يمتلك المجلس القومي لرعاية الطفولة . وهو الجهة المعنية قانوناً بحماية ورعاية الأطفال آلية تختص بعملية لم شمل الأطفال المنفصلين وغير المصطحبين، وهي شريحة محددة من شرائح المشردين المختلفة.. «الأحداث» جلست الى مسؤول هذا البرنامج بالمجلس نجاة عبد الصادق الأسد للتعرف على كيفية عمله وحجم المهمة التي يعمل على انجازها.. * ماهي مهمة هذا البرنامج وأهم الأهداف التي يعمل لأجلها؟ - البرنامج يحمل اسم رعاية وحماية الأطفال المنفصلين وغيرالمصطحبين، ويتم تنفيذه عن طريق شبكة قومية تضم في عضويتها عدداً كبيراً من الجهات الحكومية العاملة في مجالات الطفولة، مثل مفوضية اللاجئين ومفوضية العمل الإنساني ووزارات الرعاية الاجتماعية ووزارات الشئون الاجتماعية ووحدة شرطة حماية الأسرة والطفل ومجموعة من المنظمات الوطنية العاملة في مجال رعاية الأسرة والطفل. * وماهي المنظمات الوطنية المشاركة معكم؟ - منظمة تنمية الأطفال اليافعين ومنظمة صباح وهذا على المستوى القومي، وأما على المستوى الولائي توجد شبكات ولائية يتم التنسيق بينها وبين الشبكة القومية. وتضم في عضويتها مجلس الطفولة الولائي في الولاية المعينة ووزارة الشؤون الاجتماعية في ذات الولاية. * وهل هناك شركاء آخرون؟ - من أهم شركائنا جمعية الهلال الأحمر السوداني، ثم هناك أيضاً جمعية القديس منصور. * ومن أين يمول هذا البرنامج؟ - يمول هذا البرنامج من منظمة اليونسيف ومنظمة رعاية الطفولة السويدية، ولكل منهما دور في دعم البرنامج، ولكن المجلس القومي لرعاية الطفولة يقود هذا العمل كشبكة قومية. * حدثينا عن كيفية عمل هذا البرنامج؟ - يمر البرنامج بمراحل كثيرة تبدأ بحصر الأطفال، ويتضمن ثلاث فئات، الأولى هي الأطفال الموجودون في الشارع أي أطفال الشوارع بفئاتهم المختلفة إن كان تشردهم كليا أو جزئيا، والأطفال الموجودون في الدور الإيواء وهي تابعة لوزارة التوجيه والتنمية ولاية الخرطوم، والفئة الثالثة الأطفال الموجودون في دور الإصلاح والتربية. * ما هو تعريفكم للأطفال المنفصلين غير المصطحبين؟ - الطفل المنفصل هو الطفل الذي انفصل عن أسرته «الأم والأب» أو حتى الأسرة الممتدة، وغير مصطحب تعني بأنه طفل موجود بدون رفق أي أن وضعه اكثر حرجاً من الطفل المنفصل، لأنه منفصل عن والديه ولا يجد حتى أسرة راعية، أو مقدم رعاية آخر إن كان باحثاً اجتماعياً أو غيره. * وماهي أعمار الأطفال التي تقع في هذه الفئة؟ - فئة الأطفال التي نستهدفها تمتد أعمارها من يوم الى أقل من «18» سنة، أي كل الأطفال والعدد الأكبر من الأطفال المنفصلين هم من دولة الجنوب بعد الإنفصال، وقبله كانوا من أطفال الولاياتالجنوبية، كما أن هناك عدداً كبيراً جداً من أطفال ولايات السودان الأخرى علاوة على أن ولاية الخرطوم ولاية كبيرة جداً، وتضم عدداً كبيراً جداً من الأطفال، وربما وجود أطفال في مواجهة ظروف صعبة يتمثل ويتبدى أكثر في هذه الولاية، فعدد من أطفالها أطفال شوارع وأطفال عاملون وأطفال متسولون، وحتى الأطفال الذين يتم احتطافهم وتجنيدهم من قبل الحركات المسلحة نتعامل معهم نحن بإعتبارهم جزءاً من الأطفال المنفصلين، لأنهم عملياً ينفصلون عن أسرهم وعن مجتمعاتهم وينفصلون أيضاً عن بيئتهم وعن ثقافتهم ويكتسبون أشياء مختلفة بفعل استغلالهم بأشكال مختلفة، ويقع على هؤلاء كشريحة من الأطفال الكثير من المعاناة والضغوط النفسية. * وهل تجدون فيما يخص هذه الشريحة من جهات أخرى من المجتمع أو الدولة؟ - نعم.. نجد عوناً في ذلك من مفوضية نزع السلاح والتسريح ورعاية الدمج، لأنهم يعملون أيضاً على لم شمل الأطفال بعد تسريحهم من الحركات المسلحة، وإعادت تأهيلهم نفسياً وإعادتهم إدماجاً في المجتمع وبرامجهم عادة ما تأخذ فترة طويلة من الزمن. * نعود لنسأل عن كيفية عمل هذا البرنامج؟ - كما قلت هناك مراحل كثيرة يمر بها بداية من تسجيل الطفل نهاية بلم شمله مع أسرته وإدماجه في المجتمع مرة ثانية، وهذه المراحل تستهلك وقتاً طويلاً وإمكانيات مقدرة. فالمرحلة الأولى والتي تتصل بحصر وتسجيل الأطفال تتم بجهد عدد كبير من الباحثين الاجتماعيين فهم يقومون بحصر الأطفال وتسجيلهم في استمارات معينة، ومن خلال هذه الاستمارة يتم التعرف على قبيلة الطفل والمنطقة التي خرج منها، وأسباب انفصاله وابتعاده عن أسرته، وهذا يتوصل إليه الباحث بصعوبة من الطفل لأنه يحتاج لوقت ما حتى يمد جسور الثقة معه ويطمئن إليه الطفل، وهو ما يستعدي تكرر المقابلات والزيارات بين الباحث والطفل، وكل هذا يعكس أهمية دور الباحث الاجتماعي في هذا البرنامج، وتعد قياساً بهذا مرحلة تسجيل الأطفال في الدور والمراكز سهلة؛ لأن الطفل الذي يتواجد في الشارع متنقل باستمرار وربما يقدم معلومات غير صحيحة للباحثين، ويتخذ أساليب مضللة، ويقدم معلومات مغلوطة ينبني عليها تقييم غير صحيح، المرحلة التالية هي إدراج كل هذه الإحصاءات في المركز القومي للمعلومات والمركز القومي للمعلومات بالمجلس القومي لرعاية الطفولة، وتوجد هناك قاعدة بيانات للأطفال المنفصلين بعدها يتم التنسيق مع الشركاء في البحث عن الأسر والتقصي، وهي المرحلة التي تستهلك وقتاً طويلاً وتشترك فيها الشبكة القومية مع أكثر من أربعين شريكاً والولايات، وذلك في ظل اتساع السودان وتفرعه وتباعد القرى والأرياف، وهو ما يستهلك الوقت الذي أشرنا إليه. * وماذا يتم حال التعرف على أسرة الطفل؟ - بعد ذلك يصل الباحث للأسرة المعينة ويتأكد من رغبة الأسرة في عودة الطفل اليها من جديد وفق استمارة قانونية محددة، وبعد ذلك يتم لم شمل الطفل مع أسرته بمرافقة الباحث النفسي والاجتماعي إن كانت أسرته في العاصمة أو الولايات، وبعد ذلك يتم إغلاق ملف الطفل. * وماذا عن أطفال الدور؟ - الأطفال الموجودون في دور الرعاية يجدون حظاً أكبر من غيرهم؛ لأنهم يجدون رعاية خاصة ويتم تعليمهم وتدريبهم، كما أنه يتواجد في بيئة نظيفة حاميه له ليس كالأطفال الموجودين في الشارع، وهو ما يتطابق مع وضع الأطفال الموجودين في دور الإصلاح والتربية، ثم أن هؤلاء يتلقون رعاية إجتماعية ونفسية؛ لأنهم يدخلون دور الإصلاح لجنح بسيطة ومختلفة. ونحن كشبكة نساعد حتى في جمع تبرعات لهذه الشريحة إن كان الأمر يتعلق بغرامات أو دية ونعمل على توفير أموال من الخيريين أو حتى من الوزارات أو الذكاة؛ حتى يتم إطلاق سراحهم او إدماجهم وهذا دورنا في الشبكة. * هل انطلق هذا العمل في «2008»م؟ - لا.. انطلق البرنامج في العام «2005»م بولاية جنوب كردفان، في الأوقات التي تلت توقيع إتفاقية السلام، وتم تنفيذه بصورة مصغرة في الولاية نتيجة للظروف الولاية الخاصة من نزاعات وغيرها، لكنه تحول في «2008»م الى شبكة قومية مسؤول عنها المجلس القومي لرعاية الطفولة، إلا أن الاتفاق مع حكومة الجنوب أبرم في أواخر «2010»م كمذكرة تفاهم بين الدولتين لرعاية وحماية الأطفال المشردين الموجودين من دولة الجنوب في دولة الشمال، وبنفس النظام الذي يتبع في تسجيل الأطفال وإرسال بياناتهم للبحث عن أسرهم إن كانت أسرهم في الجنوب أو موجودة هنا، ومواقفهم من عملية رجوعهم من عدمها؛ لأن هناك عدداً كبيراً منهم منفصل بدون رفقة أو عائل وبعد عمل الباحث الاجتماعي يتم تسجيل قاعدة البيانات، وهناك تنسيق مع الآليات والجهات المشابهة في وزارة دولة الجنوب النظيرة، وذلك لإرسال البيانات والتقصي عن أسرهم في الجنوب، وعند إيجادها يتم إرسالهم الى هناك، وذلك بالتعاون مع منظمات الأممالمتحدة مثل منظمة الهجرة الدولية، وينتهي دورنا بذلك لأن وزارة الرعاية الإجتماعية هناك تصبح هي الجهة المسئولة عنهم، الإتفاقية مع الجنوب إنتهت وتم تجديدها وسينتهي هذا التجديد في «30» يونيو القادم. * كم عدد الأطفال الذين أعيدوا للدولة الجنوب؟ - حتى الأن تم لم شمل «493» طفلاً من أطفال الجنوب، والآن لدينا عدد كبير جداً منهم جاري البحث عن أسرهم في الولاياتالجنوبية، وهي من أصعب المراحل لأنها تأخذ وقتاً طويلاً يتراوح ما بين «3 – 4» شهور وعدد المسجلين لدينا من أطفال الجنوب «1018» طفلاً مصنفين كذكور وإناث وكفئات عمرية مختلفة والمقارنة بين العدد والمسجل، ومن تم لم شملهم كبيراً لما تواجهنا من مشاكل في عملية البحث، والتقصي في دولة الجنوب، ونرجع ذلك لأنه لا يتم بذات النظام والسرعة التي نتبعها هنا. * هناك أرقام متداولة عن عدد المشردين في شوارع الخرطوم والبعض يؤكد أنهم وصلوا من الأطفال فقط الى «13» ألف طفل؟ - المفهوم السائد لدى الناس أن أي طفل يشاهد في الشارع هو طفل متشرد، لكنا نحن كمختصين لدينا تصنيفات مختلفة للإطفال الموجودين في الشارع فهم «5» فئات، الأولى فئة التشرد الكلي، وهذه الفئة لا تملك أي شيء. فالشارع يمثل لها البيت والحياة نفسها والممات، والفئة الثانية تخرج من منازلها في الصباح لتقضي يومها في الشوارع هرباً ربما من جو أسري ضاغط أو مشاكل فقر، لكنه يعود في المساء لأسرته، والثالثة هي الفئة العاملة من الأطفال، وتقع على هذه الفئة مسؤولية العمل والإنفاق على الأسرة إن كان عائلها موجوداً أو غير موجود، وهؤلاء يشاهدون بكثرة في الشوارع المختلفة، وهناك أيضاً فئة المتسولين، وعادة ما لا يكون مبرر هذا التسول هو الحاجة؛ لأننا نعلم كمختصين أن بعض الأطفال يدفعون للتسول؛ لأن ثقافات بعض القبائل تتعامل مع التسول كمهنة، وهي فئة أيضاً تعود لأسرها نهاية اليوم إن لم تكن تعمل معها بالتسول طوال اليوم، ثم هناك أيضاً فئة الأطفال المتسربون من التعليم، والذين يذهبون الى الشوارع تاركين أقرانهم في المدارس. وكل هذه فئات لأطفال تشاهد في الشارع من قبل المواطن العادي فيعتقدها تشرد وحقيقة الأرقام للمتشردين فعلاً ليست كما يتداول، وربما كان رقمها في فترة ما كبير لكنه إنخفض جداً بعد توقيع الإتفاقيات وانفصال الجنوب ونجاح عمليات لم شمل عدد كبير جداً من الأطفال من غير أطفال الجنوبيين. * وما هو عدد الأطفال الموجودين في الخرطوم؟ - آخر دراسة تمت كانت في العام «2008»م أحصت «10» آلاف، لكن الآن الأعداد قلت بشكل كبير. * كم عدد الأطفال الذين تم اعادة شملهم؟ - في العام «2011»م تم إعادة لم شمل «345» طفلاً، بالإضافة الى «493» طفلاً من أطفال الجنوب، وأشير الى أن الصورة الذهنية للطفل المتشرد قد تغيرت تماماً لدى الناس وقانون «2010» الخاص بالطفل عزز من أن الطفل المتشرد ليس بمجرم، وأن أي طفل متشرد هو ضحية لممارسات عنف أو إستغلال أو إهمال إن كان من الأسرة أو المجتمع وأن للدولة أيضاً دوراً، وأعتقد أن دور كل من الدولة والأسرة والمجتمع مهم ومتصل وبتباعده وانفصاله من بعضه قد يؤدي الى التأثير السلبي في الطفل، ويقوده فيما بعد الى التشرد مباشرة. * هل تدفعون بالأطفال الى أسر بديلة؟ - لا.. هذه فئة مختلفة والتعامل معها يتم بشكل مختلف؛ لأن الأطفال المنفصلين هم أطفال الشوارع. * هل تقومون بتابعة أحوال الطفال بعد عودتهم إلى أسرهم؟ - في بعض الحالات تتم المتابعة، لكن هذا البرنامج كما أشرنا يستهلك وقتاً وإمكانيات كبيرة وكل ذلك حتى يتم ضمان أن لا يعود الطفل للشارع مرة أخرى، ويجب أن تتم المتابعة أيضاً من قبل البرامج المكفولة للأسر مثل مكافحة الفقر والذكاة؛ حتى يتم دعم الأسر كي لا يضطر طفلها للتشرد أو يخرج الى الشارع باحثاً عن عمل أو التسول. * وماذا يتم بشأن الأطفال الذين يتم إيداعهم بالدور؟ - غير التأهيل النفسي والإجتماعي هناك نظام تعليمي إن كان أساساً أو ثانوياً، وفيما يتعلق بالأكبر سناً يتم تأهيلهم مهنياً بحيث يكتسبوا المهارات التي تعينهم عند عودتهم الى أسرهم أو المجتمع ولا غنى لهؤلاء عن حرفة تعينهم على الإندماج في المجتمع، وكل هذا يتم بناءً على رغباتهم واتجاهاتهم، وهناك كثير من المنظمات التي تدعم الأطفال بالمعدات في مختلف المجالات مثل النجارة والحدادة والسباكة، كما أن بعضها يكفل لهم فرص عمل، وذلك بالتنسيق مع أصحاب الورش والمصانع. * هل تتواصل عمليات لم الشمل الآن؟ - لم الشمل عملية مستمرة وأي طفل ملفه مفتوح لا تتوقف عمليات البحث والتقصي في شأن حالته، كما أننا لا نؤخر عمليات لم الشمل كي تتم بشكل جماعي، فكل طفل يكتمل ملفه يتم إدماجه في أسرته فوراً. * وماذا عن أبناء المتشردين؟ - هناك جهات كثيرة تعمل في قضية المشردين، وحقيقة فإن المشردين تشرداً كلياً يتسببون في كثير من الآثار الاجتماعية السالبة ووجود الطفل في الشارع يعرضه للانحرافات السلوكية، وهم كفئة يعيشون متضامنين، وبعضهم كون أسراً في الشارع، وأصبح له أطفال لكنهم لا يتخلون عن أطفالهم، ونشاهد ذلك كثيراً في مناطق متعدده من الخرطوم وأم درمان.