متى نبدأ العمل بوصية الإمام علي كرم الله وجهه ونكاتف جميعاً للقضاء على الفقر، كما جاء في مقولته الشهيرة عنوان هذا المقال. في مقدمة النظام الأساسي لإحدى منظمات المجتمع المدني جاء مايلي: يجب على المنظمات غير الحكومية تأسيس مثلث فاعل، أضلاعه الحكومة والمجتمع المدني والسوق؛ لأن الحكومات أدركت أهمية الدور الذي تلعبه هذه المنظمات في التنمية والتعليم والصحة، وامتدت هذه الشراكة الذكية بين القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني حتى دائرة اتخاذ القرار. السؤال الذي يحيرني هو: لماذا لا تدعو الحكومة منظمات المجتمع المدني للاشتراك في الأنشطة التي تهمها مثل ملتقى مجلس تنمية المجتمع؟ ورغم أن الملتقى كان محضوراً إلا أنه لم يذكر اسم منظمة وطنية واحدة بين الحضور. فلماذا ياترى هذا التهميش؟ والى متى يظل؟ ولفائدة من؟ وهل كان يضير منظمي اللقاء أن تحضر بعض من هذه المنظمات، والتي تعمل في مجال مكافحة الفقر في البلاد بصفة مراقبين مثلاً؟. كل ما ذكرته سابقاً رأيت أن من المفيد تسجيله قبل أن أبدأ في التعليق على ما ورد في التقرير الذي كتبه الأستاذ مبارك ود السما تحت عنوان «المناداة بتضييق فجوة الفقر بالبلاد» والمنشور في صحيفة الأحداث الصادرة في يوم الخميس 10/ 4/ 2012م. إذ بدأ التقرير بما ذكره د.عبد الرحمن الخضر في شأن أهمية تلك الاجتماعات المتخصصة للتفاكروالخروج بسياسات وخارطة طريق تعين على التصدي لتحديات المرحلة، ثم أوضح أن قضية الفقر موجودة وحاضرة، وهي قدر لا يمكن استئصاله، ولكن علينا أن نجتهد في تضييق فجوته. لقد أكد الوالي حقيقة وجود الفقر، حسناً، ولكن الفقر ليس قدراً؛ لأن الفقر يدل على تدني دخل المواطن بسبب قلة موارد البلاد، أو سوء استخدام تلك الموارد على كثرتها، وإن كنا نستطيع تضييق فجوته فلماذا لا نخطط لاستئصاله كلياً؟ والحقيقة أن الإسلام قد سبق الدول الحديثة في كل أنحاء العالم وحدد كفاية المأكل والمشرب والعلاج، فلماذا لا تعاني معظم هذه الدول الحديثة من حالة الفقر التي نعاني منها نحن؟، أليس ذلك بسبب اتباعهم للتخطيط السليم للاقتصاد والاستغلال الأمثل لموارد البلاد الطبيعية والبشرية؟، ونعلم جميعاً أن مقاييس التنمية البشرية الحديثة تضع مؤشر الفقر كأحد أهم المؤشرات الثلاثة لقياس مدى تقدم التنمية البشرية في البلد المعين مع التعليم والصحة. وللنظر سريعاً للأرقام التي أوردها الوالي والسيد مساعد الأمين العام لديوان الزكاة محمد عبد الرازق، والتي خصصت لمشروع الدعم الاجتماعي، فالأول يشير إلى أن عدد الأسر المستهدفة والتي تم دعمها كان 298 الف أسرة أي حوالي مليون ونص شخص. أما مشروع صندوق الزكاة الذي طرحه مساعد الأمين العام لديوان الزكاة، فهو مشروع طموح، حيث من المنتظر أن يستهدف الدعم المقدم 500 الف أسرة أي حوالي مليوني ونصف المليون شخص بتكلفه تبلغ 1.8 مليار جنيه سوداني لمدة ثلاث سنوات، أو 2.4 مليار جنيه اذا كانت المدة المقررة للمشروع هي أربع سنوات. إن صعوبة الحصول على تلك المبالغ السابق ذكرها والمخصصة لمكافحة الفقر قد أكدها تقرير أداء الربع الأول لموازنة العام الجاري 2012 والذي قدمه وزير المالية علي محمود، أمس الأول، لمجلس الوزراء. وسيقدمه بعد غد للبرلمان والذي يتحدث عن جملة من التحديات تحاصر الموازنة، منها: ارتفاع معدل التضخم وعجز ميزان المدفوعات وفجوة في سعر العملة الوطنية ثم توقف ايرادات عبور نفط الجنوب عبر السودان (مقال الصحافية رحاب عبد الله بعنوان «التحديات تحاصر الأداء» والمنشور في صحيفة الأحداث الصادرة يوم السبت بتاريخ 5/ مايو/ 2012). والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يساعد تعديل الموازنة المرتقب في استيعاب كل هذه التحديات بغرض الخروج بالموازنة لبر الأمان لما تبقى من العام الجاري والوفاء بكل الاستحقاقات المرصودة في الموازنة ومن بينها دعم الأسر الفقيرة؟ وإذا كان هذا الدعم خاص بولاية الخرطوم فقط، فما هو مصير الفقراء قي الولايات الشمالية الست عشرة الأخرى؟ أما التنوير الذي قدمه الأمين العام للمجلس القومي للسكان البروفيسور ست النفر محجوب حول وثيقة السياسة القومية للسكان، فلديّ عليه بعد الملاحظات. وأبدأ بالعوامل التي يمكن للإنسان أن يتحكم فيها لتقليل نسبة الفقر وأذكر منها التعليم، أمن الإنسان، وتحسين العوامل البيئية (محاربة الجفاف والتصحر)، تنمية سوق العمل وزيادة الاستخدام ومنع الهجرة والنزوح بايقاف الحروب ونشر السلام في ربوع البلاد. كذلك يمكن العمل على تحسين ظروف المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وتشجيع الزواج وتوعية الأسرة وتحسين الرعاية الاجتماعية وتطوير الاقتصاد. وكل ذلك سيؤثر دون شك في تقليص نسبة الفقر بين السكان. ويقول التقرير إن الملتقى أكد أهمية مشروع المسح الاجتماعي للفقراء باعتباره يمثل قاعدة معلومات غير مسبوقة والعمل على تحديث معلوماته سنوياً مع توخي الدقة!!. الجدير بالذكر أن نسبة عدد الأسر الفقيرة الى النسبة الكلية لعدد السكان لم يرد ذكرها أبداً في هذا التقرير وكنا قد سمعنا من المسئولين أن النسبة حسب تقرير المركز القومي للإحصاء حوالي 46% والسؤال هو هل زادت هذه النسبة أم نقصت لأن هذا الرقم كان قد عمم قبل عامين تقريباً. وإذا كانت الخطة القومية للسكان هي جزء من الاستراتيجية القومية الشاملة، فلا أحد خارج دائرة المسئولين يعلم عنها شيئاً، أما إذا كانت وثيقة منفصلة وتحتوي على مبادئ ومرتكزات ومرجعيات السياسة القومية للسكان، بالإضافة إلى الهدف الاستراتيجي والأهداف الفرعية، فلماذا لم تطرح للنقاش لتشارك فيها كل الجهات المعنية بالأمر مثل الوزارات والخبراء والمسئولين والقطاع الخاص والمنظمات الطوعية الوطنية والعالمية والجمعيات الخيرية ومنظمات الأممالمتحدة؛ حتى تصبح وثيقة رسمية يتداولها المختصون داخل وخارج السودان؟. أما توصيات الملتقى، فهي روتينية ومكررة مثل دعم المشروع الاجتماعي للفقراء (من أي جهة؟ وأي آلية ينفذ بها هذا الدعم؟)، توسيع دائرة المستفيدين (إن هذا لا يتم إلا من خلال مسح اجتماعي علمي ودقيق). كيف نؤكد أهمية السياسة القومية للسكان ونحن لا نعلم عنها شيئاً؟، كيف نحقق السلام الاجتماعي وأغلب السكان في بعض مناطق السودان لاجئون؟، وكيف تتم العودة الطوعية للنازحين واللاجئين الى مناطقهم ولم توفر لهم الخدمات الضرورية والأساسية بعد؟ واختم بما جاء في نفس المقدمة سالفة الذكر والتي تقول: يشكل القضاء على الثالوث «الجهل والفقر والمرض» هاجساً دائم الحضور في حياة الناس، والقليل من البلاد قطعت شوطاً بعيداً في هذا المضمار والسودان ليس استثناءً من هذه القاعدة وعلى أبنائه العمل المتواصل والدؤوب للفكاك من أسره وهيمنته؛ لأن العمل الرسمي والحكومي له سقف معين ولا يمكن له أن يلبي كل احتياجات المواطنين كما تعلمون. وعليه، فإن معظم البلاد تلجأ الى العمل الطوعي الجماهيري ممثلاً في منظمات المجتمع المدني وأهمها المنظمات التطوعية والجمعيات الخيرية.