في الوقت الذي عمدت فيه الحكومة للترويج عن إجراءات اقتصادية تتجه لتطبيقها لمجابهة التحديات التي تواجه البلاد سادت أجواء متوترة وأصابت حالة من القلق كل القطاعات الاقتصادية والإنتاجية وجعلت المواطن مرتبكاً بل البعض تلبسه الهلع وراح يُخزن في سلع ستتأثر بالإجراءات الاقتصادية المرتقبة على رأسها البنزين وعلى ما يبدو أن كل السيارات التي وجدت بولاية الخرطوم باتت تناكرها تضيق بما تحمل من مخزون، بل البعض وضع احتياطياً بمنزله رغم معرفته بخطورة الأمر ولم تسلم السلع الأخرى من الإجراء خاصة بعد تصريحات رئيس الامانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني محافظ بنك السودان المركزي السابق صابر محمد الحسن حينما قال إن رفع الدعم يشمل كل السلع ما عدا القمح حيث راح البعض يشتري السكر التجاري بغرض التخزين والأغرب أن البعض قال انه اشتري كهرباء ووضعها وتغذية عداد منزله به بغية التحوط مبدئياً من رفع أسعار الكهرباء. والشاهد أن كثيرين من الاقتصاديين اعتبروا أن الترويج والحديث من (أبواق) مختلفة أضرّ بالقرارات المرتقبة. ويشير الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير في حديثه ل (الأحداث) أمس إلى أن الاقتصاد السوداني خلال العامين الماضيين ظل يتأثر بالتحولات المفصلية التي تشهدها البلاد والشائعات من بينها الانتخابات وتقرير مصير الجنوب وانفصاله. ورأى أن ذلك خلق نوعا من التخوف والحذر وعدم اليقينية واعتبر الامر الذي زاد (الطين بلة) الآن هو أن القرارات الاخيرة المزمع تطبيقها حدث لها تمهيد وترويج أضرّ بها وجعل الاسواق تكون في حالة مراقبة لما يحدث وأصابت المواطن بالهجمة لشراء مخزون من السلع، وحذر من أن يؤدي ذلك لشح في المعروض لجهة قوله إن الطلب في مثل هكذا ظروف يكون غير طبيعي. وبرأي الناير أن القرارات المرتقبة هذه لم يُحسن التصرف في تسويقها وبث روح الطمأنينة لدى الشعب السوداني .ولفت إلى أن مجرد الحديث عنها ومن بينها رفع الدعم عن المحروقات أظهر آثارا سيئة على الاقتصاد، واعتبر أن الاقتصاد قبل الحديث عن الاجراءات كان أكثر تماسكاً. ويرى الناير أن القرارات السليمة التي يراعى فيها أن تكون إيجابياتها من سلبياتها ويمكن تلافي سلبياتها لا تحتاج إلى ترويج وتهيئة، لينبه إلى أنه من الواضح أن القرارات المرتقبه بها شيء غير سليم خاصة بعد أن دفع خبراء اقتصاديين بنصائحهم من منطلق إبراء الذمة فيما يتعلق برفع الدعم ومن ثم التفكير في بدائل أخرى. وقطع الناير بأن ما يحدث الآن من مردود لإلغاء الدعم يحتاج لإعلان واضح وصريح وعاجل بإلغاء قرارات رفع الدعم في المرحلة الحالية وتطمين الشعب السوداني ليس فقط بالحديث عن وجود مخزون من السلع، ولكن بضخ مزيد منها بالاسواق حتى لا يستغل التجار هذه الظروف. واعتبر أن الامر ما كان يستحق أن تخلق خلفه هذه الاجواء المتوترة بل رأى أن الوضع الاقتصادي كان يحتاج لإجراءات غير معلنة تُغني عن اتخاذ قرار المحروقات. وفيما حملت بعض الأنباء احتمالات بعدول الحكومة عن تنفيذ قرار رفع الدعم خاصة بعد أن كان الجميع ينتظر مؤتمرا صحفيا لوزير المالية والاقتصاد الوطني، ولكنه أُجل على مدى يومين على التوالي وعدم مناقشة القرارات في مجلس الوزراء وإحاطة ما ناقشه القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء بجلسة طارئة بقيادة رئيس الجمهورية أمس الاول حيث ألمح البعض إلى أن كل ذلك قد يشير إلى تفكير الحكومة في التراجع عن قرار رفع الدعم امتثالاً للنصائح التي قدمها خبراء اقتصاديون وتحذيرات من خبراء أمنيين من أن يقود الامر لنتيجة عكسية لا تحسب عواقبها. بيد أن الناير يرى أنه الدولة كانت جادة في قرارها حتى إن موافقة ولاية الخرطوم على زيادة تعريفة المواصلات أكدت ذلك حينما وافقت على الامر ولكنها اشترطت عدم المطالبة بزيادة بعد رفع دعم المحروقات إلا أن الناير اعتبر الترويج الخاطيء ربما هو الذي يقود الحكومة للتراجع. ويؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة السودان الدكتور عبدالعظيم المهل أن الحكومة تفهم تماماً أن هذه الاجراءات صعبة على المواطن، ومتأكدة من انها ستؤثر سلباً على المواطن بكل طبقاته وعلى الفقراء بصورة أكبر ماعدّه السبب الذي بموجبه أُستبقت الاجراءات بتلطيف الاجواء ومحاولة لمسح مخ للمواطن بغرض تدريج القرار. وأشار إلى أن الاعلان الذي سبق إجراء رفع الدعم كان الهدف منه التمهيد لكنه أدى لجوانب أخرى في السوق وعدم الوضوح وبالتالي اصبحت الاسواق مترقبة وامتنع التجار عن عقد الصفقات وتوقف التبادل التجاري والانتاج في بعض القطاعات، ورأى أن ذلك كان يمكن أن يؤدي إلى جفاف السوق من بعض السلع خاصة البنزين. وأضاف انه بالتالي هنالك آثار سالبة أدت إلى نوع من الهلع. وأضاف أن البعض يرى أن زيادة تعريفة المواصلات للولايات خطوة استباقية الهدف منها عدم المطالبة بزيادة مع تطبيق قرار رفع الدعم عن المحروقات لجهة معرفة الحكومة أن زيادة تعريفة المواصلات دائماً تقود لاحتجاجات لذا عمدوا إلى تطبيق الزيادة على المواصلات للتدرج في امتصاص غضب الشارع. ورأى المهل أن الافضل للحكومة التراجع وإرجاء تطبيق قرار المحروقات إلى حين تكوين حكومة جديدة وهيكلة الدستوريين لجهة أنه ربما لم تحتاج الحكومة لرفع الدعم الآن. ونبه إلى أنه يجب أن ينظر لقرار رفع الدعم عن المحروقات في اطار انه عامل يساعد في ارتفاع الاسعار ويؤثر على الاستثمار والبيئة والانتاج وقدرة المواطن على الادخار وتأثيره على الحكومة نفسها لجهة انها أكبر مستهلك للمحروقات، واعتبر أن الحديث عن الاجراء ولّد خلال الشهر الماضي حالة من الاحباط في نفوس طبقات المجتمع وانعكس على الانتاجية وزاد من عدد السودانين الراغبين في الهجرة حيث شهدت سفارتا السعودية وليبيا زحمة غير معهودة، ورأى أن ذلك مؤشر بأن كفاءات بدأت تشعر أن تحل مشكلتها الاقتصادية بالهجرة لتحسين مستوى معيشتها. ويؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية السابق بالبرلمان دكتور بابكر محمد توم أن المسائل الاقتصادية فيها جانب نفسي كما أن تصريحات المسؤولين لديها أثر قوي في تصرفات الناس وترقبهم للاسواق، بالتالي شدد دكتور بابكر على ضرورة ضبط التصريحات وشرح للواقع، غير أن دكتور بابكر دعا لضرورة أن لا يحصر المواطنون والقطاعات الاقتصادية الاجراءات في رفع الدعم عن المحروقات فقط، مشيرا إلى أن الاجراءات هي إصلاح اقتصادي كلي، وان كلمة إصلاح تعني مصلحة عامة. ونبه لضرورة التسويق بصورة أفضل لإجراء خفض الانفاق على أن يتم إجراؤه بأعجل ما تيسر والتنبيه بأن المقصود توجيه الموارد للقطاعات الانتاجية والقطاع الزراعي ومنح المزارعين أسعارا تشجيعية، واعتبر أن الامر يقصد به خطة إصلاح ورأى أنه قد يصلح أمر تخفيض الانفاق وزيادة الايرادات لأن يكون العلاج ويتم إلغاء إجراء رفع الدعم وجدد تأكيده بضبط تصريحات المسؤولين والتركيز على المطوب إصلاحه، وأعاب على المسؤولين عدم شرح البرنامج الثلاثي الذي وضع من قبل لمعالجة الوضع الاقتصادي. وانتقد التوم السياسات الاقتصادية وعدّها فوقية ورأى الاجدى أن تنبع من أدنى إلى أعلى أي من القواعد.