وكأن حلقات مسلسل المفاوضات بين دولتي السودان وجنوب السودان تأبى أن تصل الى خواتيمها ففي بداية كل جولة تفاوضية يتفاءل البعض بأنها قطعاً ستكون الأخيرة وأن الطرفين سيحتكمان الى صوت العقل ويجلسان بأنفاس هادئة ورغبة أكيدة وحقيقية للوصول الى حلول في كل الملفات العالقة بينهما ولكن قبل أن يجف المداد الذي تكتب به تفاؤلات المراقبين يفاجئهم المتفاوضون برفع طاولة المفاوضات دون الوصول الى حلول واضحة ودون توقيع أي اتفاق ويحددون تاريخاً آخر لبدء التفاوض من جديد. وهذا الأمر - تحديداً - جعل المراقبين يمضون الى أن الوفود المفاوضة لا تملك تفويضاً كاملاً من حكوماتها لهذا يعودون الى دولهم بعد كل لقاء تفاوضي لنقل ما توصلوا اليه وحتى إن وافقت حكومتهم عليه عادوا لتوقيع الاتفاق وهذا الرأي هو ما مضى اليه المحلل السياسي عزالدين المنصور في حديثه ل(الأحداث) عبر الهاتف أمس مؤكداً أن الأمر يبدو واضحاً بأن الوفدين المكلفان من دولتي السودان الجنوب يبدو من تصرفاتهما وكأنهما غير مفوضان تفويضاً كاملاً من حكوماتهما لهذا يعودان الى الحكومة لأخذ المشورة فيما توصلا اليه، وكان الوفدان في المرة الأخيرة قاما برفع المفاوضات المنعقدة في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا على أن تبدأ مرة أخرى خلال الأسبوع القادم. وفي الأثناء خرج رئيس وفد تفاوض دولة جنوب السودان باقان أموم بتصريح مفاده أنهم سيأتون للجولة القادمة من المفاوضات دون شروط مسبقة الأمر الذي جعل الحواجب تنعقد دهشة من تغيير الرجل للهجته الحادة حيث إن باقان أموم عرف دائماً بالتصريحات الحادة والمتعنتة الأمر الذي جعل البعض يمضي بتسميته بال(عاصفة التي لا تهدأ) نسبة لهذا فقد حجز الرجل نفسه في خانة عداء المؤتمر الوطني بجدارة واضحة بمجرد وجوده في أي مفاوضات بل إن كثيرين - داخل المؤتمر الوطني - يعتبرون وجوده مدعاة لعدم التفاؤل. وظهر هذا الاعتقاد مجدداً عند ورود اسم باقان كمفاوض رئيس باسم دولة الجنوب وذلك تبعاً للتاريخ غير البهيج في العلاقة بين الرجل وقيادات المؤتمر الوطني. وفي تلك النقطة يقول المحلل السياسي عزالدين المنصور إن باقان غريب الأطوار حيث إنه أصبح انفصالياً بالرغم من أنه كان موجوداً ضمن الثلاثية المسماة ب"أولاد قرنق" برفقة ياسر عرمان ودينق ألور وقد تمت تسميتهم بذلك لتمسكهم بأفكارهم حول تحقيق السودان الجديد وإرساء الوحدة على حد سواء، بعد زعيم ومؤسس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق. وأضاف المنصور أن باقان ظل يرفع مع أستاذه قرنق، شعار وحدة السودان - على أسس جديدة - يتساوى فيها السودانيون بقيم العدالة والحرية والكرامة، وبناء دولة السودان على أسس جديدة إلا أن باقان جاء مؤخراً ليكون – والحديث للمنصور - قائداً للخط الانفصالي والدافع له ولم يهدأ له بال الى أن تحقق انفصال الجنوب. عداء المؤتمر الوطني مع باقان لم يأتِ من فراغ حتى إن بعض أعضاء المؤتمر الوطني تضجروا كثيراً عندما اختارت دولة الجنوب باقان رئيساً لوفد تفاوضها مع دولة السودان وأكد المحلل السياسي عزالدين المنصور أن المؤتمر الوطني له حق في تضجره من اختيار باقان رئيساً لوفد التفاوض، مؤكداً أن باقان بشخصيته المتعصبة من الممكن أن يجهض الجولات التفاوضية. وأضاف أن مواقفه تحمل الكثير من التعنت الذي لا تخطئه عين. ومعلوم أن مواقف باقان بدأت في التخلق بطريقة واضحة للعيان حتى قبل أن يجف المداد الذي وقعت به اتفاقية السلام الشامل ولا تلبث تلك المواقف أن تهدأ تارة إلا وتصعد مرة أخرى الى السطح بطريقة أشرس، لهذا عندما أعلن باقان أنهم سيأتون الى الجولة التفاوضية القادمة دون شروط مسبقة مضى المراقبون الى أن تصريحات باقان قد تكون إعلاناً بأن الاتفاق بين الدولتين أصبح قاب قوسين أو أدنى بحيث أن باقان الممسك بملف التفاوض هو من يجعل مواقف دولة الجنوب متعنتة وأنه في حال أصبح الرجل مرناً فقد يصل الطرفان الى اتفاق، وهو الأمر الذي لا يروق للمحلل السياسي الدكتور صديق تاور، منوهاً في حديثه ل"الأحداث" أمس الى أن الثقة في موقف باقان أو الرهان على خياراته يبقى رهان على متحرك، لجهة أن باقان ومجموعته يفتقرون الى المصداقية والثبات على المواقف التفاوضية والسياسية. وزاد: "باقان ومجموعته لا يملكون إرادة حقيقية لتحقيق السلام بين الدولتين"، مشدداً على أن حديث باقان عن نيته خوض الجولة المقبلة دونما اشتراطات مسبقة لا يعطي مؤشراً لتحول العقلية والإرادة لدى وفده المفاوض. ومضى يقول: "إن ما يجعل ولادة اتفاق أشبه بالمستحيل، يكمن في أن الدولتين لم تكونا موفقتين في اختيار كاوادر التفاوض، خاصة أن وفد دولة جنوب السودان تتولاه المجموعة الانفصالية، بينما يتكون وفد الحكومة السودانية من ذات الوجوه التي أنتجت نيفاشا التي قادت الى انفصال الجنوب".