تماما كما تلاحظون على ترويجات البرامج الرمضانية في الفضائيات السودانية التسعة - حتى التي تنادي بمدح الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام - أنها أغانٍ.. وأغانٍ فقط، فالمدائح ذاتها (تأرغنت) على أصابع (الأورغن) السحرية، و(تكمنجت) على أوتار (الكمنجات) المستلقية على كتوف عازفيها، وما عاد دقات الطار والنوبة تضرب قلوبنا فترجحنّ ! مجموعة وجوه وفنانين وعازفين ومادحين ومعدين ومخرجين واحدة وخامات صوتية واحدة وأنواع وأوراق برامج متشابهة حدّ عدم التفريق والقول أن هذه البرامج مفكرها واحد لم يشاركه أحد! و(إمام حسن إمام) ابن المسرح القومي وأكاديمية فرقة الأصدقاء ، فكّر بعقل موزون وإيقاع (هارموني )، أن تأتي (حواء الطقطاقة) تحكي عن زمانها القديم وغناها وكيف توزع على هوى السودان وعقول وقلوب البنات وأصبح الناطق الرسمي لقصصهنّ العشقية وحكاياتهنّ الغرامية المفضية إلى طقس حنة العروس والعريس والجرتق والسيرة - المتحولة جيليا إلى الزفّة - وكيف أصبح مدحا خاصا لحالة التصوف النسائية السودانية بالتغزل في الشيوخ والأولياء الصالحين القاضين لحوائج القلوب المتعبة من (الأخدر طويل والفي كتيفو نجمة و سمير عجب الما جا!) أعلن فكرته على ملء أوراق الشاعرة الغنائية (سحر ميسرة) تعد له ما استطاعت من قدرة على تنوع الموضوعات الغنائية ومن رباط قوي يصلها بغنائية البنات فلا ينقطع حبل دهشتنا به حضوراً يومياً للحلقات، كما يملؤنا حضور (تريزا شاكر) الشابة المتميزة في الجمال العقلي والشخصية الإذاعية، التي تتمكن من إدارة حوار منوعات لا يخلو من المعلومة الفنية الدقيقة، تتفوق به على معدتها ومخرجها وعلى كثيرات عملن لسنوات في مجال التقديم والمنوعات فثبتنّ في إدهاشنا بكمية الثياب والأناقة السودانية المحضورة من حنة وملحقاتها! أما ملحقات (حوا الطقطاقة) فكنّ نجمات على كتف الحلقات والفكرة فجاءت (حنان بلوبلو) وكانت ذات مزاج غنائي في السودان أوان الثمانينات وحدها المسيطرة على أم درمان والخرطوم وبحري وكافة السودان رجالا ونساء برقصها المجنون - اختلفنا عليه أم اتفقنا - وخفة دمها وروحها، وحضورها مغنية في المهرجانات الثقافية وتحيي الليالي الفنية ذات الأغراض الإنسانية. هذا ولن أتطرق طبعا لأمر بداياتها في أستديو الأطفال المعروفة ومكررة! أما (إنصاف مدني) فتغني كما قد خلق الله لها هذا الصوت وتلك الخاصية التطريبية في الجلد المشدود على عصب الحسّ التطريبي فينا كسودانيين - إما بالدلوكة أو الطار أو النحاس الخ.. - فخلقت لها مكاناً نظيفاً وواسعاً في زحمة سوق البنات الغنايات لا تنافسها فيه واحدة - وقد مضت (زهري مان) الى غيابة النسيان كما أرادت - أما (حرم النور) الشابة الليمونة المشهورة في ذات غثيان فني أصاب الأصوات بنات وأولاداً ومع تذبذب حضورها فإنها تعود كل جديد بنوع مختلف ومختلج بلواعج حاجاتنا الغنائية فتطربنا لا محالة. وخلال العرض المسبق للحصول على حملات إعلانية ترفع من مستوى المشاهدة للبرامج قرر الجميع أنه لا محالة إعادة مكررة ومتشابهة لذات مصطلح (غنا البنات) لكن بذكاء دهائي في التسمية (بنات حواء - الطقطاقة) ثم شرع رمضان في فض أكياس حواة الفضائيات والترويجات فخرجت أكياس خالية من المناديل المودعة لفكرة استنزفت ملايين الساعات والضحكات، وذكريات الأغنيات. وانزوت أكياس أخرى على ناصية انتظار عربة نظافة برامج رمضان ربما تدهشنا في عيده بحمامة تطير! وأكياس لم يحضر حاويها بعد..! وكل يوم يخرج لنا (إمام حسن إمام) من جراب إخراجه وفكرته لوناًَ مختلفاً من ألوان الغنا في (خشم بنات حوا) متنوعاً غير ممل يغيظك فيه فاصل الإعلان المستهدف الأول لكل فضائية! وينقلك إلى مشاوير ورحلات ومغامرات (الطقطاقة) يجعلك تشم روائح بخور عروس (حنان بلوبلو) وتسمع تبشير وزراء عريس (أنصاف مدني)، ولا شك تخاف من سيوف وسياط عرضة رجال (حرم النور)! ولا تتوقع حركة عفوية من إحداهنّ، البنات والأم، لكنه ينقلها لك صحيحة غير محذوفة أو مفبركة، حلوة كأنك حضرت التسجيل مباشراً غير معلب داخل أشرطة انتظار المونتاج. ثم أضاف لكل تلك الوصفة تزيينا جماليا بما كتبه بشيطان شعر تسيس الأغنيات العادية (محمد ديكور) ولحنه كسيرة لعرس الطقطاقة وبناتها فكان شعار البرنامج موضوعا في حد ذاته خاليا من دهون كلمات البنات الشعرّية موغلا الى عميق الجو السياسي - ان صح التعبير - بجعل الوحدة جاذبة في هذه الأيام المفترجة بالدعاء والنقاء الفكري أن يستمر فرحنا كإخوان وأولاد عم. عموم موضوعات ما بعد الإفطار في القنوات الفضائية السودانية لا يخلو من غنا كنوع من المشروبات التي كما يبدو تسهّل الهضم أو تعدل مزاج صيام رمضان، وعامة تكون بذات الفنانين بما يوحي بمحدودية النظرة الإعدادية للبرامج وكسل معظمهم في الخروج الى عقول وأفكار الناس والموضوعات الجديدة والمتجددة، لكن ما أضاف نكهة مختلفة وطاعمة على فكرة الفنان (إمام حسن) أنها جاءت في أصل التكرار لكن عن طريق مختلف تماما قادنا فيه بكسل أخراجي لموقع تصوير لا يتغير فيه شئ الا جلسات الفنانات.. لا تتحرك فيه الإضاءة أو حتى موقع الكاميرا وزوايا لقطاتها للعازفين أولاد حواء! ليستطيع بذكائه أن يحرك دواخلنا ببناتها!